بغداد ـ «القدس العربي»: ما إن أعطى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر «الضوء الأخضر» لأتباعه بـ«قمّع» التظاهرات وإنهاء اعتصام الطلبة وقطع الطرق وإغلاق مؤسسات الدولة، حتى تمدد «أصحاب القبعات الزرق» إلى محافظات الوسط والجنوب، وبدأوا بالاصطدام المباشر مع المحتجين، خصوصاً في محافظتي النجف وبابل، مستخدمين «الرصاص الحيّ»، تزامناً مع ارتفاع ضحايا الحراك الاحتجاجي منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وحتى أواخر كانون الثاني/ يناير المُنصرم إلى نحو 30 ألف شخص.
وكشفت مفوضية حقوق الإنسان، أمس الاثنين، أرقاماً جديدة، حول عدد ضحايا الاحتجاجات في البلاد، مشيرة إلى أن الأرقام الصادرة عنها حول عدد الضحايا بصفوف المتظاهرين صحيحة وليست «فلكية» كما تعتبرها جهات حكومية.
وقال عضو المفوضية علي البياتي، في توضيح على إحصائية رسمية، أن «أرقام المفوضية كانت صحيحة، ولم تكن فلكية، كما تم اتهامها من قبل البعض».
وأضاف أن «أرقام المفوضية منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى 30 كانون الثاني/ يناير 2020 بلغت: 536 شهيداً (منهم 17 منتسبا أمنيا)، و23545 مصاباً (منهم 3519 منتسبا أمنيا)، و2713 معتقلاً ( فقط 328 قيد الاحتجاز)، و72 مخطوفاً (22 أطلق سراحهم)»، وأكد توثيق «49 حالة اغتيال»
موجة قمّع جديدة
يأتي ذلك بالتزامن مع موجة قمّعٍ جديدة يُنفذها أتباع التيار الصدري- يُعرفون بأصحاب القبعات الزرق، بهدف السيطرة على الحراك الاحتجاجي ورفض إجراءات التصعيد السلمية التي يتخذها المحتجون تعبيراً عن سخطهم من تسويف مطالبهم التي ينادون بها منذ أكثر من أربعة أشهر.
ورغم تضييق الصدريين، يواصل طلبة الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس في العاصمة بغداد، رفدّ ساحة التحرير وسط العاصمة، بحشودهم يومياً، متحدين إجراءات القمّع.
غير أن الأمر بدا مختلفاً في محافظة النجف، حيث هاجم أصحاب «القبعات الزرق» التابعون للتيار الصدري أمس، المتظاهرين في ساحة الاعتصام الرئيسية وسط المدينة، بالرصاص الحي والهراوات لتفريق اعتصامهم وإنهاء التظاهرات.
وتناقل ناشطون مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر هروب بعض المتظاهرين من ساحة الاعتصام تجنباً للإصابة، كما يُسمع صوت إطلاقات نارية وعمود دخان يرتفع خلفهم.
وتمدد الصدريين من العاصمة إلى النجف، وما خلّفه ذلك من اضطرابات في هذه المدينة المُقدّسة لدى الشيعة، دفع المحافظ لؤي الياسري إلى توجيه رسالة إلى المعتصمين في ساحة الصدريين (مركز الحراك الاحتجاجي في النجف)، دعاهم فيها إلى «عدم قطع الطرق وتجنب الخروج عن الساحة».
وقال، في مقطع مصور، نشر على حسابه في موقع «فيسبوك» مساء أول أمس، «طلبنا من المتظاهرين أن يبقوا متواجدين في ساحة التظاهر وهي ساحة الصدريين، ونحن ملزمون كمحافظة وأجهزة أمنية بتوفير الحماية اللازمة لهم في الموقع المخصص للتظاهر».
وأوضح أن «لن يتم إصدار أي أمر بفض التظاهر مستقبلا، ولن نسمح بأي استخدام للقوة في التعامل مع المتظاهرين».
قطع الطرق
وأضاف: «لكن في الوقت ذاته، فقد أشتكى الكثير من الزائرين الذين يقصدون مدينة النجف لزيارة المراقد المقدسة، من قطع الطرق الذي يقوم به بعض الأشخاص، لذا، فنحن نتمنى من المتظاهرين عدم قطع الطرق، وتجنب الخروج خارج ساحة الصدريين لكونها المكان المخصص للتظاهر».
أما قيادة شرطة النجف، فطلبت من المتظاهرين «التعاون التام» مع الأجهزة الأمنية في المدينة.
وقالت، في بيان صحافي أمس، إن «واجبنا الوطني والإنساني يفرض علينا حماية جميع المتظاهرين»، داعية المتظاهرين إلى «البقاء في ساحة الصدريين وعدم الخروج منها لضمان سلامتهم». وأضافت: «من أجل حماية المتظاهرين وضمان سلامتهم ومنع أي مندس أو مخرب من التجاوز عليهم واستغلال اسم المتظاهرين»، مثمنة «حرص المتظاهرين ودورهم في الدفاع عن حقوق جميع أبناء الشعب العراقي والمطالبة بالحقوق المشروعة له بشكل سلمي كما أكد عليه الدستور الذي كفل حرية التعبير والتظاهر».
مفوضية حقوق الإنسان تنتقد جهات حكومية وصفت أرقامها بـ«الفلكية»
ودعت القيادة «الجميع إلى التعاون التام مع جميع الأجهزة الأمنية التي واجبها حماية ساحة التظاهر وضمان أمن وسلامة المتظاهرين»، مثمنين «كل الجهود التي تعمل على سلمية التظاهرات». الحال في محافظة بابل التي تتوسط الطريق بين محافظة النجف والعاصمة بغداد، لم يكن مختلفاً كثيراً عن النجف، حيث هاجم أصحاب «القبعات الزرق» المتظاهرين في ساحة الاعتصام وسط مدينة الحلة، واشتبكوا معهم بالأيدي في محاولة لتفريقهم وفض الاعتصام.
ووثقت مقاطع فيديو اقتحام أصحاب «القبعات الزرق» لساحة الاعتصام في الحلة، من دون أن ترافقهم أي قوة أمنية، واعتدائهم بضرب المتظاهرين في محاولة لفض الاعتصام.
وأفاد مصدر طبي وشهود عيان بمقتل محتج، طعنًا بآلة حادة على أيدي أنصار الصدر، في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل.
وقال مصدر طبي من دائرة صحة بابل الحكومية، طلب عدم نشر اسمه، إن محتجًا لقي حتفه طعنًا بآلة حادة في رقبته في مدينة الحلة. وقال ثلاثة شهود عيان، فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، إن المحتج قُتل على أيدي أصحاب «القبعات الزرق» التابعين للصدر، حيث هاجموا المحتجين بالهراوات والسكاكين لتفريقهم وإعادة فتح طريق وسط المدينة.
وأضافوا أن أنصار الصدر يقمعون المحتجين في أرجاء الحلة، بما في ذلك ساحة الاعتصام الرئيسية وسط المدينة.
كذلك، أكدت شرطة بابل، عدم السماح لدخول أي قوة إلى المحافظة والتعرض للمتظاهرين، غير قوات المهام الخاصة وقوات شرطة المحافظة.
صدامات
وعلى بعد 135كم إلى الجنوب من بابل، تواجد أصحاب «القبعات الزرق» في مدخل جامعة واسط لتأمين استئناف الدوام الرسمي في الجامعة. يشار إلى أن محيط جامعة واسط شهد خلال الفترة الماضية صدامات بين المحتجين والقوات الأمنية أدت إلى احتراق البوابة الخارجية للمبنى.
وأعطى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر «الضوء الأخضر» لأتباعه في «فض» الاعتصامات، عبر سلسلة تغريدات آخرها أول أمس، دعا فيها أتباعه إلى الاستمرار بعملهم مع القوات الأمنية في حفظ الأمن، مشيرا إلى ان العراق في خطر، داعيا إلى عدم الانجرار خلف صوت العنف والتشدد والتخريب.
وكتب، عبر حسابه في «تويتر»، «عشقت ثورة تشرين وما زلت أعشقها، عشت معها بكل لحظاتها، بحلوها ومرها، تابعتها أولا بأول فتغلغلت بدمي وروحي، ودفعت عنها مخاطر الداخل والخارج، ولن أقبل بالتعدي عليها، فهي وأنا واحد، وسوف لن نألو جهدا في تنظيفها من المخربين، وسوف أبعد عنها القناصين، وسوف أزيح عنها المندسين، وسوف أدفع عنها المحرضين».
وأضاف، «وها هم أخوتكم (القبعات الزرق) والمحبين معكم، بينكم وفيكم، لأجل بقاء سمعتها ناصعة، بلا حرق ولا قطع ولا جهل ولا معصية». وتابع بالقول: «فليذهب الثائر لمدرسته، لينهل العلم والثقافة، وليتظاهر من أجل الإصلاح في وقت آخر، وليعتصم المعتصمون بالله وبالعراق اعتصاما، وليفتح كل وطني الطريق للشعب، ولا يكن مخربا».
وأردف: «أحبتي وإخوتي وأبنائي وأعزائي، عراقنا في خطر، فكفاكم انجرارا خلف صوت العنف والتشدد والتخريب، فقد عهدتكم محبين للسلام، ومحبين للوطن».
وزاد: «ليستمر الأخوة من (القبعات الزرق) في عملهم. فهم لا يستهدفون الثائر المسالم. بل يساهمون مع أخوتهم من القوات الأمنية في حفظ الأمن لينعم الشعب بالأمان والاستقرار».