انتهت قبل أيام قليلة، الانتخابات العراقية المبكرة جزئيا؛ التي فاز فيها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، بحصول التيار على 70 مقعدا في البرلمان المقبل، فيما حصلت كتلة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على37 مقعدا، وكتلة دولة القانون على 35 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني على 32 مقعدا، بينما لم تحصل كتلة الفتح بزعامة هادي العامري، وكتلة النصر بزعامة حيدر العبادي، وكتلة عمار الحكيم؛ إلا على مقاعد قليلة، لا تتجاوز أصابع اليدين، أو أكثر قليلا.
هذه الانتخابات قيل عنها الكثير، سواء من رئيس الجمهورية، أو من رئيس البرلمان، أو من رئيس الوزراء، أو من أركان الإدارة الأمريكية الحالية، أو من مسؤولة البعثة الأممية في العراق جينين بلاسخارت؛ من بين ما قيل عنها، أو ما وصفت به هذه الانتخابات؛ بأنها انتخابات مصيرية سوف تقرر مصير العراق، وبأنها تاريخية لا تشبه مثيلاتها، التي تم إجراؤها، خلال ما يقارب العقدين، وبأنها مفصلية.
أغلب المصادر المتابعة للانتخابات العراقية المبكرة، سواء ما كان منها دوليا، أو عربيا، أو عراقيا؛ أكدت أن المشاركة فيها، دون النسبة التي أعلنتها المفوضية، والتي هي بين 40% و41%. لقد جرى تحميل هذه الانتخابات أكثر بكثير من واقعها، أو من مجرياتها، واتجاهات حركتها في التأسيس لقواعد عمل ومؤسسات لدولة ناجحة تحارب الفساد، وتقلب الواقع في العراق رأسا على عقب؛ وفي إنتاج أو صناعة واقع عراقي جديد، تعمل فيه القوى السياسية ـ التي سيمنح الشعب بأصواته عبر صناديق الاقتراع، التي تحمل بصمة الثقة لها ـ على التنمية الحقيقية، وما إلى ذلك، لتلبية مطالب المتظاهرين أو المظاهرات، التى جرت قبل سنتين، والتي أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي، وأجبرت المسؤولين على التعجيل، في إجراء انتخابات مبكرة جزئيا، وسن قانون جديد لهذه الانتخابات، ومن أبرز هذه المطالب هو؛ التأسيس لدولة ناجحة. لقد نتج عن هذه الانتخابات أن خسر فيها عدد كبير من وزراء ونواب سابقين، ومن أبرز الخاسرين فيها؛ كتلة الفتح، والنصر، وكتلة الحكيم. هذه الكتل رفضت نتائج الانتخابات رفضا كاملا، وهددت بأنها سوف تدافع عن أصوات قاعدتها الشعبية التي صوتت لها، لكن المفوضية العامة للانتخابات، التفت على هذه الأصوات، أو بمعنى آخر؛ تم تزوير الانتخابات كما يقول الخاسرون. مفوضية الانتخابات وعدت هذه الكتل بإعادة الفرز اليدوي لبعض المحطات، التي تقدر بالآلاف؛ أي أنها تشكل كما تقول المفوضية 6% من أصوات المقترعين، لكن المعترضين أكدوا أنهم سوف لن يقبلوا بها، أي بهذه النتائج ما لم يعد حسابها بالفرز اليدوي لجميع المحطات. نيد برايس المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، في تصريح له حول ما يجري من اعتراضات على النتائج الأولية، التي أعلنتها المفوضية يقول، إن أمريكا، تدين التهديدات التي تتعرض لها المفوضية، وبعثة الأمم المتحدة. ومن المؤكد سوف تُعلن قريبا؛ النتائج النهائية لهذه الانتخابات، ومن ثم المصادقة عليها في الأسابيع القليلة المقبلة من قبل المحكمة الدستورية. والمؤكد أيضا، أنه سوف لن يكون هناك أي تغيير حاسم، أي أن لا يتم التغيير بشكل حاد للنتائج الأولية، وفي الوقت ذاته؛ ربما، ستكون هناك ترضيات ما، لحفظ ماء الوجه للقوى المعترضة على هذه النتائج، هذا أولا، وثانيا، لجبر الخواطر؛ بمعنى أنها ستُمنح مقعد هنا ومقعدان هناك، وشطب مقعد من هنا ومقعد من هناك، إضافة إلى ما تم من شطب وإضافات، بعد ساعات من إعلان النتائج الأولية للانتخابات؛ إنما المحصلة بشكلها النهائي سوف تظل كما هي، أي أن التغيير لن يكون مؤثرا في الشكل الختامي للمشهد السياسي، الذي أخرجته صناديق الاقتراع.
القوى السياسية والدينية تؤمن بالبراغماتية، ويتم استحضارها عندما تقتضي الضرورة على قاعدة الضرورات تبيح المحرمات
التيار الصدري وفي حركة استباقية، شكّل بأمر مقتدى الصدر لجنة لإدارة التفاوض مع الكتل الأخرى، من أجل التحالف معها؛ لضمان الأغلبية السياسية؛ لتشكيل الحكومة المقبلة. أعتقد أن مفاوضات تشكيل الحكومة سوف تكون شاقة وطويلة ومعقدة، وتتخللها عمليات تهديد ووعيد، من هنا ومن هناك، لكنها في الخاتمة؛ سوف تشهد كما حصل في السابق؛ عمليات عدة من الشد والجذب، وربما ستكون كبيرة جدا؛ تشهد ترضيات هنا ومقايضات هناك، لأن واقع المشهد السياسي والقوى الفاعلة فيه؛ سوف يفرض نفسه فرضا، على المسؤولين عن إعادة إنتاجه. في مقاربة للسياسة الأمريكية في العراق، وتغيير وجوه أدواتها، أو من يعمل بالإنابة عنها. ولا أقصد وجوه العمل السياسي القديمة، على ما فيها، أو ما حملت من فساد وسوء إدارة وضعف وفوضى في الإجراءات التي تفتقر إلى الترابط والتعالق التنفيذي من لحظة البداية إلى محطة الانتهاء أو الإنجاز، حيث لا وجود فيها لهذا الإنجاز؛ لتظل هذه المحطات ساحات يدوّي فيها الفراغ، لتؤكد تأكيدا صارخا على الفساد بجميع أنواعه. هذه المقاربة للسياسة الأمريكية؛ تنحصر بالدفع بوجوه لتتسيد المشهد السياسي في عراق، ما بعد الانتخابات الأخيرة، وبثوب جديد، خيط بقماش جديد، لم يستخدم في صناعة الأثواب من قبل، كما أن الخياط ماهر وحداثوي، لكنه قديم، إنما له القدرة الفنية والاحترافية في حقلي السياسة، وتخليق عوامل وعناصر قادرة، بعد تهيئة البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بعون من فساد القوى المناوئة لوجوده، من دون أن تدري، أو أنها لم تقرأ ما يدور فيها وحولها قراءة استباقية لهذا الذي يجري بين ثنايا الواقع، سواء ما كان منه ظاهرا أو متخفيا؛ في إحداث تغييرات في الصنيعة، أي العمل في خياطة أثواب تلائم الجسد، البعض منه قديم، والبعض الأكبر منه هو الجديد المعول عليه. هذه المقاربة، تعكس واقع الحال، في الذي يجري في العراق في الوقت الحاضر. عموما، ومن دون الدخول في التفاصيل، التي تقود إلى النتيجة التي يكون عليها المشهد السياسي في العراق، في المستقبل القريب. اعتقد وباحتمالية كبيرة جدا؛ أن مصطفى الكاظمي، (وقد أشرت إلى هذا الاحتمال الكبير، في مقال لي، نُشر في صحيفة «القدس العربي» اللندنية الغراء، قبل شهرين من الآن) سوف يكون رئيس الوزراء المقبل، على الرغم من المعارضة القوية جدا له؛ من كتل سياسية لها وزنها في الساحة السياسية، لكنها سوف تقبل به على مضض من جانب، أما من الجانب الثاني؛ فإن الكاظمي يمتلك عقلا وجسدا، لهما من المطاطية ما يكفي؛ لجعله يقفز من حبل إلى حبل آخر، وإن تباعدت وتقاطعت هذه الحبال، من دون أن يفقد في تحركاته هذه البوصلة والاتجاه، أو يدخل في دروب العرقلة والارتباك؛ لأن ثوبه مطاطي وبراغماتي، يستجيب بسرعة لتوجيهات (العقل)؛ ما يمنحها، اي القوى المناوئة له، وللسياسة الأمريكية في العراق، الثقة بقدرتها على رسم الإطار العام لتحركاته في جميع الصعد.. وهذا وهم من أكبر الأوهام.. ويعكس سطحية القراءة للواقع العراقي، ومكونات تحريكه تسكينا وتفجيرا، حسب مستلزمات الحاجة وضروراتها، خصوصا وإنها، أي هذه القوى السياسية والدينية؛ تؤمن إيمانا كاملا بالبراغماتية، التي يتم استثمارها، أو استحضارها الإجرائي عندما تقتضي الضرورة الحتمية ولزومها، على قاعدة الضرورات تبيح المحرمات.
كاتب عراقي