بغداد ـ «القدس العربي»: أثبت المتظاهرون المرابطون في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، والمناطق المحيطة بها، منذ الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سلميّة حراكهم الاحتجاجي، من خلال رفض أي ممارسات للسلب والنهب، قد تجري في المنطقة التي يسيطرون عليها، والتي تضم مؤسسات رسمية عدّة، بالإضافة إلى عددٍ من البنوك أبرزها المركزي العراقي، الواقع في المنطقة المحصورة بين جسري الأحرار (بقبضة المتظاهرين) والشهداء.
المتظاهرون تمكنوا أخيراً، من القبض، بالتعاون مع القوات الأمنية، على عصابة كانت تروم السطو على البنك المركزي العراقي.
قيادة عمليات بغداد أفادت في بيان لها، أن «بتعاون وإخبار من قبل المتظاهرين السلميين، تمكنت قطعات قيادة عمليات بغداد من اعتقال عصابة مؤلفة من عشرة متهمين حاولوا التقرب من البنك المركزي بهدف السرقة وإلحاق الضرر، بعد منتصف ليل الأحد». وأضافت أن «تمت إحالتهم إلى التحقيق لينالوا جزاءهم وفق القانون».
وتنتشر مفارز المتظاهرين في ساحة التحرير وعموم المناطق والشوارع المحيطة بها، بالإضافة إلى كل موقعٍ جديد سيسيطرون عليه، تتولى مهمة تفتيش الداخلين إلى «منطقة الاحتجاج»، بالإضافة إلى مراقبة أي عملٍ «غير منضبط» يؤثر سلباً على «سلمية» التظاهرات.
أحد المشاركين في الحراك الاحتجاجي في العاصمة بغداد منذ انطلاقة، قال لـ «القدس العربي»، إن «مفارز التفتيش في الساحة والمناطق المحيطة بها تعززت في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد انفجار عبوة ناسفة في وسط الساحة قبل نحو يومين»، مبيناً أن «المشاركين في الحراك الاحتجاجي لن يتمكنوا من دخول ساحة التحرير إلا من بعد تفتيشهم».
وأضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن «مفارز التفتيش تنظّم حركة المتظاهرين باتجاه ساتر الجمهورية (في إشارة إلى حاجز الصد الأول الذي يتمركز عنده المتظاهرون)، فضلاً عن الدخول وآلية الصعود والنزول إلى جبل أحد «المطعم التركي».
«مفارز تفتيش»
وأكد أن «المتظاهرين سرعان ما أقاموا مفارز تفتيش أخرى عند جسر السنك، وكراج الطوابق، بعد سيطرتهم على المنطقة مؤخراً، منعاً من حدوث أي خرّق من قبل جهات تحاول تشويه حراكنا الاحتجاجي وحرّفه عن إطاره السلّمي»، مشيراً إلى أن مفارز التفتيش «ضبطت الكثير من الأدوات الجارحة كالسكاكين والمفكّات وغيرها، ناهيك عن ضبط أشخاص يحملون أسلحة نارية أو مواد قابلة للتفجير. يتم تسليمهم على الفور إلى القوات الأمنية لتتخذ الإجراءات القانونية بحقهم. نحن سلميون وسنبقى كذلك. لن نخرق القانون كما لن نسمح بتشويه تظاهراتنا».
وتمكن المتظاهرون من ضبط شخصٍ يطلق العيارات النارية من سلاح (مسدس) باتجاه القوات الأمنية والمتظاهرين، في الأيام الأولى لإنطلاق الحراك الاحتجاجي في العاصمة بغداد، وسلموّه إلى القوات الأمنية. ظهر ذلك في مقطع فيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي حينها.
وأمس الثلاثاء، قضت المحكمة الجنائية المركزية في الرصافة حكما على المتهم الذي أطلق العيارات النارية على المتظاهرين والقوات الأمنية بالحبس ثلاث سنوات وفق المادة 430 / 1 من قانون العقوبات.
وذكر بيان للمركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، أن «محكمة جنايات الرصافة قضت حكما بالحبس ثلاث سنوات لمدان بإطلاق العيارات النارية من مسدس قرب جسر الجمهورية في بغداد»، لافتا إلى أن «تم القبض على المتهم بالجرم المشهود من قبل المتظاهرين وهو يطلق العيارات النارية وتم تسليمه إلى القوات الأمنية، علمًا أن المتهم هو منتسب في مديرية المرور العامة».
وتشير المصادر إلى أن الأوضاع في ساحة التحرير والمنطقة الممتدة من جسر الجمهورية وحتى جسر الشهداء بدت «اعتيادية»، مع استمرار تدفق المتظاهرين إلى منطقة الاحتجاج، لكن عمليات اختطاف الصحافيين والناشطين في الحراك الاحتجاجي ما تزال مستمرة رغم التشديد الحكومي على ملاحقة الجهات التي تمارس أعمال الخطف والقتل، لكن من دون أي إجراء عملي حتى الآن.
آخر عمليات الاختطاف وقعت في محافظة الديوانية، للصحافي محمد المشري على يد مجموعة «مجهولة».
ومنذ ظهر الأحد الماضي، غادر الصحافي منزله ولم يعدّ إليه، كما لم يتواصل مع المؤسسة الإعلامية التي يعمل لصالحها منذ ذلك الوقت، وفق مصدر أمني.
لكن مصادر أفادت أن الشمري تم إطلاق سراحه أمس الثلاثاء، من دون ذكر مزيد من التفاصيل عن الجهة التي اختطفته أو مكان احتجازه.
وحذرت نقابة الصحافيين في الديوانية، من انفلات الأوضاع في المحافظة على خلفية اختفاء أحد الصحافيين عقب تعرضه لتهديدات من جهة مجهولة، فيما أعلنت التحضير لوقفة احتجاجية كبرى.
عمليات خطف الصحافيين والناشطين تتواصل
واستنكرت في بيان «التهديدات التي تعرض لها صحافيون وإعلاميون مؤخرا، وعمليات الإقصاء والتسقيط المنهج الذي يتعرضون لها في محافظة الديوانية».
وقال رئيس النقابة الديوانية ،باسم حبس، وفق البيان، أن «الصحافي محمد الشمري كان قد أبلغه بتعرضه للتهديد وملاحقته من قبل مجهولين، عنفوه بكلام قاس، قبل أسبوع».
وأضاف، أن «الشمري لم يتمكن من تحديد هوية الذين هددوه أو التعرف على سيارتهم التي لاحقته في شارع أم الخيل من جهة حي جامعة فرات».
كما بين، أن «قنوات الاتصال مع الشمري فقدت في اليوم التالي، ولم يتم التوصل إلى شيء ملموس بشأن وجوده في مدينته، وعد في عداد المخطوفين».
ودعت النقابة محافظ الديوانية وقائد الشرطة ومدير الإستخبارات ومكافحة الإرهاب إلى «بذل جهود مكثفة للتوصل إلى كشف ملابسات اختفاء الشمري الغامضة».
وطالبت بـ «الحفاظ على الحريات الصحافية لأنها شعار الديمقراطية الثابت وبدونه يعني العودة إلى الدكتاتورية والعبودية والتسلط»، محذرة من «انفلات الأوضاع وتفاقمها في الديوانية وجنوب العراق»، عادة ما حدث للشمري «أمرا سلبيا لم يحدث سابقا في محافظة آمنة مثل الديوانية مع رجال السلطة الرابعة وشرفاء الكلمة».
كما أكدت عزمها، تنظيم «وقفة احتجاجية كبرى تطالب بالحد من هذه الممارسات التي تسيء للوطن والمواطن وللدولة والعملية الديمقراطية».
في الأثناء، دعت عضو مجلس النواب العراقي النائبة هدى سجاد، رئيس مجلس الوزراء والجهات الامنية إلى حماية الصحافيين وناشطي المجتمع المدني.
وقالت في بيان، إننا «نطالب رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة إلى ممارسه دوره في حماية الصحافيين وناشطي المجتمع المدني».
وأكدت النائبة عن ائتلاف النصر، بزعامة حيدر العبادي، أن «تعرض الصحافيين والناشطين يدعو للخوف من تغييب صوت الحقيقة، وأن اختطاف الصحافي والناشط المدني محمد الشمري في محافظة الديوانية يدل على ضعف الحكومة والجهات الأمنية في ممارسة دورها الحقيقي وتغييب حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور العراقي».
وحملت سجاد القائد العام للقوات المسلحة والقوات الأمنية في المحافظة «مسؤولية الاختفاء القسري الذي يتعرض له الصحافيون والناشطون وصناع الرأي العام في العراق»، مطالبة في الوقت ذاته بـ«اتخاذ إجراء سريع في الكشف عن الجناة واتخاذ اجراءات رادعة بحقهم»، كما دعت مفوضية حقوق الإنسان إلى «البحث عن مصير الصحافي محمد الشمري واعلان الجهات المسؤولة عن الحادثة».
إلى ذلك، طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق (رسمية تابعة للبرلمان)، أمس، القائد العام للقوات المسلحة عادل عبدالمهدي بوضع حد لاختطاف المواطنين على وقع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.
مسلسل الاختطاف
وقالت في بيان: «نطالب القائد العام للقوات المسلحة عادل عبدالمهدي بإلزام الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية وجهازي الأمن الوطني والمخابرات والأجهزة المختصة الأخرى باتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف مسلسل الاختطاف الذي طال الناشطين والإعلاميين والكفاءات وعددا من المحامين، والكشف عن الجهات المجهولة التي تقوم بها تحديا لسلطة الدولة والقانون».
وأكدت أن «على الأجهزة الأمنية المعنية تحمل مسؤولياتها والقيام بواجباتها في التحري والكشف عن مصير المخطوفين، وإطلاق سراحهم فوراً، وإحالة المتورطين للقضاء لينالوا جزاءهم العادل، كونهم ارتكبوا انتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنين في الأمن والأمان والحق في الحياة».
وإلى أقصى الجنوب، إذ يستمر المحتجون في محافظة البصرة بإغلاق ميناء أم قصر، والاعتصام أمام بواباته.
كما قطع متظاهرون الطرق المؤدية إلى المواقع والحقول النفطية في البرجسية وبئر 20 بإتجاه حقول الزبير والرميلة في البصرة.
كما أفادت مصادر أن عددا من المتظاهرين أغلقوا شركة نفط ذي قار ودائرة بلدية الديوانية، ومنعوا الموظفين من الدوام.
ووفق المصادر، فإن المتظاهرين أغلقوا أيضاً دائرتي الإحصاء والتخطيط في المحافظة، بالإضافة إلى المعهد التقني في الناصرية.
وفي الديوانية، أقدم المتظاهرون على إغلاق أغلب الدوائر الحكومية في المحافظة، ومنعوا الموظفين من التوجه إلى دوائرهم الرسمية في أغلب مناطق المحافظة، في خطوة تأتي للتعبير عن استمرار الاضراب العام.