مع قرب موعد إجراء الانتخابات (المبكرة) في العراق، لانتخاب برلمان جديد في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل بدأ الانسحاب من خوض هذه الانتخابات، بحجة انها لم تفضِ أو تقود إلى إحداث تغييرات مهمة في المشهد السياسي، وبالتالي يتم بها أو عبرها تدوير الوجوه ذاتها، أي أن فرصة تغييرات مهمة لجهة إصلاح العملية السياسية معدومة. التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر كان أول المنسحبين. ويعتقد كثيرون أن هذا الانسحاب تكتيكي، أي أن التيار سوف يتراجع بضغط، من الأحزاب والكتل، على الصدر أو إقناعه بعدم جدوى تلك الخطوة لأنها تعتقد، وهو اعتقاد صحيح، أن مشاركة التيار لما له من ثقل جماهيري مهمة لإنجاح الانتخابات. الصدر، وفي معرض توضيحه للانسحاب، قال إن هذا الانسحاب أو عدم المشاركة في الانتخابات كي يكون بإمكان التيار تشكيل كتلة معارضة خارج البرلمان والحكومة. أعتقد بأن التيار، ربما وبدرجة احتمال كبيرة جدا، لن يستمر في الانسحاب من الانتخابات. التيار الصدري وشخص الصدر تحديدا، تتوفر لديه قناعة بأن مشاركته في الانتخابات سوف ينتج عنها حصوله على مقاعد تؤهله لأن يتبوأ الموقع الذي يريد أو يخطط للحصول عليه لتولي قيادة الحكومة في الأربع سنوات المقبلة، أو من يمثله من الشخصيات القريبة من التيار، بالاتفاق على تولي هذا المنصب بالإنابة، مصطفى الكاظمي مثلا. نعتقد أن هذا السبب محوري ومركز ثقل دافع بقوة لدوران عجلة المشاركة في الانتخابات من قبل التيار. الحزب الشيوعي أيضا انسحب من المشاركة وكانت حجته هي ذاتها، ولو بطريقة مختلفة لناحية الإيضاح والرؤية السياسية، لكنها تقع على المسار ذاته. لاحقا وبعد أيام قليلة أعلن حزب التجمع الجمهوري الانسحاب من المشاركة وأيضا للأسباب عينها لتفسير الانسحاب وعدم المشاركة. الحزب الشيوعي من وجهة نظري لن يتراجع عن موقفه هذا نتيجة قراءة المشهد السياسي في العراق وتطوراته المستقبلية، التي يكون فيها فرص التطور أو تغير جوهري لجهة الإصلاح قليلة أو معدومة حسب قراءة الحزب لمخاض الانتخابات المقبلة، وما يترتب عليها من نتائج لا تأتي بجديد. الانتخابات التي جرت عام 2018، كانت المشاركة الجماهيرية فيها قليلة جدا، أي انها لم تتخطَ عتبة الـ 30%، حسب آراء البعض من الأحزاب المشاركة فيها، وآراء القسم الكبير من المحللين السياسيين مما قاد إلى الطعن في شرعيتها. نتذكر هنا، إنه في مساء يوم الانتخابات أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن العراقيين الذين اقترعوا لم يتجاوزوا عتبة الـ 20%، لاحقا في الليل أُعلن أن المشاركة تجاوزت عتبة الـ 47%. بعثة الأمم المتحدة أيدت نسبة المشاركة الأخيرة. تتعدد الآراء في هذه الأيام: هل تجري الانتخابات في موعدها أم تؤجل إلى موعد آخر؟ قسم يؤكد التأجيل، وآخر يرى بأنها سوف تجري في موعدها. أعتقد بقوة أنها سوف تجري في موعدها لأن إيران وأمريكا تريدان ذلك، ولكل منهما أسبابه مع اختلاف النوايا والأهداف. من جهة ثانية تركز الدولتان إعلاميا على إنجاح الانتخابات، وحث الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، حتى تغدو نسبة المقترعين مقبولة لتكتسب الشرعية المطلوبة وتحظى بالمقبولية. إن هذا يقودنا إلى أن نفحص وبتمعن المشهد السياسي في العراق: هناك ثلاثة أحزاب أو تيارات وكتل سياسية أعلنت انسحابها من السباق الانتخابي المقبل، وهي أحزاب وبالذات الحزب الشيوعي والتيار الصدري، إذا ما استمر في المقاطعة وهذا أمر مشكوك فيه بل العكس ربما هو الصحيح، لهما ثقل جماهيري لا يستهان به، ويشكلان أو يشكلون أو يسيطرون على مساحة واسعة، يتحرك في فضائها الناخب المؤدلج، مما يعني أن هناك قسما كبيرا من العراقيين سوف يقاطعون الانتخابات وهم جماهير هذه الأحزاب وبالذات الحزب الشيوعي سواء بالمؤدلجين من أعضائه أو من الجماهير المؤيدة له ولطروحاته. هذا من جانب، أما الجانب الثاني فإن المقاطعة من قبل هذه الأحزاب سوف تكون لها تداعيات وتأثيرات على المشاركة الجماهيرية فيها؛ وهي تداعيات وتأثيرات سوف تفضي بطريقة الحث المغناطيسي النفسي إلى انحسار نسبة المقترعين. هذه الأحزاب الثلاثة، وعلى وجه الخصوص التيار الصدري، إلى حين، والحزب الشيوعي سوف يوضحون أسباب عدم المشاركة وهم بالفعل قد أوضحوا هذه الأسباب من لحظة إعلان خروجهم من السباق الانتخابي. إن هذه العوامل جميعها، وهي عوامل متداخلة، وخيوط اللعبة فيها متشابكة إلى درجة من الصعب فك خيوطها سواء بأهدافها أو بمرجعيتها الفكرية والسياسية، وبما تطرحه من حلول وخطط وبرامج تتمثل من خلالها، هذه الرؤى الفكرية والسياسية بطريقة أو بأخرى، تكشف تناقضاتها وتقاطعاتها، وإنْ اختفت وراء برقع المشروع الوطني الجامع والشامل الذي لا ينعكس بمفاعيل واقعية تستجيب لشروط هذا الواقع، لناحية المقاطعين أو اللاعبين الذين سوف يدخلون إلى ساحات الميدان الانتخابي، وبما سوف يتولد منها، وبالتأثير التبادلي عزوف الناخب العراقي عن الذهاب الى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته. هناك مثال واحد من مجموعة من الأمثلة على هذه المواقف المتناقضة والتي تتقاطع فيها الرؤى والمواقف هو الموقف من وجود قوات الاحتلال الأمريكي على أرض العراق. هناك من يؤيد هذا الوجود وإنْ كان بلغة مخاتلة من قبيل الحاجة لهذه القوات في ضبط الأمن وما له علاقة بذلك. وهناك من يذهب قولا وفعلا إلى أهمية وضرورة جلاء القوات الأمريكية حتى آخر جندي وتحت أي صفة مهما كانت، وهو موقف وطني بصرف النظر عن دوافعه، أو روافعه السياسية، خصوصا إذا علمنا بأنه لا يمثل جهة أو جهات بذاتها، وإنْ رفعت صوتها عاليا تصدح به، بل إنه يمثل رأي وموقف الأغلبية المطلقة من شعب العراق.
مشاركة التيار الصدري في الانتخابات سوف ينتج عنها حصوله على مقاعد تؤهله للموقع الذي يخطط للوصول إليه
انتهت الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين العراق وأمريكا، والتي ثبتت الشراكة بين البلدين، إلى ما يترتب عليها من التزامات متقابلة بين طرفي الشراكة، ولم يصدر تفصيل عن محاور الشراكة الاستراتيجية وخطوط تحركها مستقبلا، إلا العموميات. الرئيس بايدن أعلن انتهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية، وتغيرها أو تبديلها بعناوين ومهام أخرى، ولم يتطرق إلى إنهاء الوجود الأمريكي في العراق. البيان الذي صدر عن اجتماع الفريقين حول تنظيم العلاقة بين الدولتين في الحاضر والمستقبل أكد على إنهاء المهمات القتالية للقوات الأمريكية بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر المقبل وتحويل مهام الجنود الأمريكيين إلى الاستشارة والتدريب. من المهم هنا الإشارة إلى أن هذا الحوار يحدث قبل شهرين من الانتخابات العراقية، وقبل بدء الجولة السابعة من حوار الصفقة النووية بين القوى العظمى وإيران وهذا التوقيت من وجهة نظري له دلالته السياسية لجهة الضغط والضغط المقابل للحصول على تنازلات متبادلة، بإيجاد منطقة وسط للاتفاق بين إيران والولايات المتحدة تلتقي فيها المصالح. وول ستريت جورنال قالت في وقت سابق من لقاء بايدن – الكاظمي إن القوات الأمريكية البالغ عددها 2500 باقية في العراق ولن يتم تغيير أو تقليص العدد، الذي سوف يحصل هو تغير المهام والعناوين. نيويورك تايمز بعد يوم واحد أكدت أن الوجود الأمريكي سوف يبقى، لكن المهمات سوف تتغير من قتالية إلى التدريب والاستشارة، وأضافت أن بايدن يريد تقديم هدية للكاظمي عشية الانتخابات العراقية.
كاتب عراقي
هههههههه ليست شراكة بل احتلال ناعم لسرقة نفط العراق