العراق: بلد سريع الاشتعال!

حجم الخط
0

يلخّص حريق قضاء الحمدانية في محافظة الموصل، الذي اندلع مساء أول أمس الأربعاء، الطبيعة المأساوية لحوادث العراق الفجائعية التي تتراكب فيها الأخطاء البشريّة مع المصائب السياسية بحيث يبدو البلد بأكمله – وليس قاعة الهيثم التي جرى فيها الحادث الأليم فحسب – جغرافيا قابلة دائما للاشتعال!
تفاصيل الكارثة ما تزال تتكشف، مع تصاعد عدد الضحايا، ولكن تحليلها يمكن أن يوضّح هذه العلاقة بين الوقائع الخاصة والعامة، بداية من انقلاب حدث سعيد، يمثله زفاف يحضره عدد كبير جدا من المدعوين، إلى مأتم لعائلات مكلومة تنوح قتلاها ومصابيها من النساء والأطفال والرجال، قدّرته آخر حصيلة، أثناء كتابة هذا الرأي، بمئة وعشرين قتيلا ومئتي جريح.
قرقوش أو بغديدا التي وقع فيها الحادث بلدة مسيحية ضاربة في القدم يتحدث سكانها لهجة حديثة من الآرامية، لغة السيد المسيح، وقد زارها البابا فرنسيس في آذار/مارس 2021 خلال جولته التاريخية في العراق، وقد تعرّضت مثل كثير من بلدات محافظة الموصل لنكبة خلال سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على مناطق شاسعة من العراق بين الأعوام 2014 و2017 فغادرها كثير من سكانها.
ذكّرت المصيبة الأخيرة العراقيين بحوادث كارثية أخرى، مثل حادثة العبّارة، التي جرت في المحافظة نفسها، في آذار/مارس عام 2019، حين قام صاحب العبّارة بتحميلها بعدد يفوق طاقتها (287 شخصا بدل 50) ما أدى لانقطاع أحد كابلات السحب وجرف ركابها للماء ووفاة 120 عراقيا، من كافة الأعمار.
بعد عامين من حادثة العبارة، وقعت مأساة أخرى وكانت هذه المرة في مستشفى ابن الخطيب في بغداد، حين انفجرت أسطوانة غاز أوكسجين في موقع خصص لعزل المصابين بفيروس كورونا، وتسبب الحريق الناجم عن الانفجار في وفاة 82 شخصا وإصابة 110.
بعد ذلك بأشهر فقط حصل حريق في مشفى الحسين، في محافظة الناصرية جنوب العراق، ولكن في هذه المرة انفجرت ثلاث أسطوانات أوكسجين فاشتعل طابق (مخصّص للإنعاش الرئوي) وامتد لأقسام مجاورة فقتل 60 مريضا وأصاب 110.
في العام التالي على الحادث الآنف، وقع انفجار جديد، وهذه المرة في مدينة السليمانية، حيث تسرب غاز من خزان في أحد الأحياء فدمر منزلا كان بداخله 15 شخصا لقوا حتفهم وأصاب 13 آخرين بجراح، وكانت غالبية الضحايا من النساء والأطفال.
تتنقّل خريطة الكوارث إذن عبر محافظات العراق من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب، وتتوزّع أسبابها بين الجشع، والفساد، والإهمال، وتقوم السلطات، بعد كل كارثة، بإعلان إجراء تحقيق فيذهب بعض المتهمين إلى السجون، ويبرئ السلطات العليا والمحلّية من المسؤولية عن تقصيرها في الحفاظ على أرواح البشر، وتهاونها، أو تواطئها، في التلاعب بقواعد بناء الأبنية ونقل البشر، بدليل أن الحوادث تقع في الممتلكات العامة التي تشرف عليها الدولة، كالمستشفيات، كما تقع في المباني والممتلكات الخاصة.
الأسوأ من كل ذلك، أن القوى الضاربة في العراق، وهي تتضمن سلطات الحكومة، كما عديد الميليشيات المسلّحة، لا تكتفي بالفساد والنهب المعمم لمقدّرات الدولة والبلاد، ولكنّها، بسبب طبيعتها الفاسدة والطائفية، تستخدم أي حدث يحصل لإجراء مزيد من العسف والقمع، فهناك معتقلون منذ عام 2011 طالهم الاعتقال في «إجراءات احترازية» قبل انعقاد القمة العربية في بغداد.
لا يصعب على آلة السلطة وحواشيها، وبينها «لجان التحقيق» بعد أي حدث، من انتزاع اعترافات بالقوة، وتلبيس من تريدهم التهمة التي تريدها، وقد تحولت غرف التحقيق، حسب مصدر قضائي عراقي، الخاصة بقضايا الإرهاب مثلا، إلى «مصرف يدرّ الأموال على المحققين» عبر ابتزاز أهالي المعتقلين.
يلخّص هذا، للأسف، حال العراق، وأسباب الكارثة الكبرى التي يعانيها، والتي تتفرع منها كل هذه الكوارث الصغرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية