العراق بين الإرهاب والانتخاب

شعرة معاوية او ربما خط وهمي رفيع وبلا لون، يفصل بين الارهاب والانتخاب في العراق، وهذا ما يفصله المشهد العراقي بوجهيه، الظاهر والباطن، ومنذ انعقاد اول عقدة انتخابية في عهد الاحتلال الامريكي المباشر، حيث جرت في مطلع عام 2005 اول انتخابات برلمانية والعراق تحت الوصاية الامريكية المباشرة، وتلتها في شهر تشرين الاول/اكتوبر من نفس السنة عملية الاستفتاء العام على مسودة الدستور الجديد، وحتى شهر نيسان/ابريل القادم، الموعد المقرر لانعقاد الدورة الانتخابية الثالثة، وما جري بين الزمنين من انتخابات برلمانية ثانية عام 2010 وانتخابات مجالس المحافظات اعوام 2009 و2013، اصبحت الدورات الانتخابية مواسم دافعة للغلو في سفك الدماء وسفك الثروات، ما يعني عمليا على اقل تقدير انها مبنية على قواعد واسس غير ديمقراطية، وبالتالي غير مقبولة من فئات واسعة من العراقيين، لانها لا تمت بصلة للاختيار الحر ولا تستجيب لمتطلبات السلم الاجتماعي المنشود، بل بالعكس من ذلك انها تؤجج مشاعر الثأر والتدافع على السلطة، لتحقيق مكاسب غير شرعية وبوسائل غير شرعية تستخدم فيها الطائفية والاثنية والمناطقية للتمدد على حساب حصة الاخر. وموضوعيا هي تعتبر غطاء شرعيا لسلطة فاقدة للشرعية الوطنية، لانها اسيرة لتأصيلها الاحتلالي الذي استبدل مبدأ المواطنة بمبدأ المكون، وبالتالي اعاد الحالة العراقية الى مستوى ما قبل الدولة الوطنية.
فضائح سجن ابو غريب ومجرزة حديثة والفلوجة واسلحة الدمار الشامل التي استخدمتها امريكا في حربها القذرة على العراق، شاهد على الارهاب الامريكي، وعلى جديتها في تطبيق مشروع تخريب البلاد كمقدمة لتقسيمها، كانت تجري في الوقت ذاته الذي حرصت فيه امريكا على الخروج بمظهر انتخابي، وعلى استفتاء عام يغطي بلون الحبر البنفسجي على لون الدماء الجارية، التي مازالت تنزف حتى الان. الدستور الذي رفضه اكثر من ثلثي ثلاث محافظات، وبالتالي كان من المفترض اعادة كتابته، اعلنوا بانه حصل على نسبة التمرير، اما ما تبقى من انتخابات فهي عبارة عن بصمة شكلية على قوائم المحاصصات الطائفية والاثنية المغربلة مسبقا، ليفتتح اصحابها جولات التصارع الانتخابي المغلقة عليهم، حيث في كل دورة جديدة يتنافسون على مكاسب جديدة يحققونها على حساب بعضهم بعضا، ولهذا المنطق نجد هناك ادوات جاهزة للغربلة، كهيئة اجتثاث البعث او قانون 4 ارهاب الكيدي، الذي يوفر لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية امكانيات التحكم، كسيف مسلط على رقاب كل المعترضين على سياسته ونهجه، بالحق والباطل معا.
الواقع الفعلي في عراق اليوم يقول ان السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء تصادر استقلالية السلطة القضائية الضامنة لنزاهة اي عملية انتخابية، او اي اخلال بالقوانين العامة والنافذة، وهي تشل عمل السلطة التشريعية وتغيبه، وهي صاحبة اليد الطولى في توجيه قوى الحكم الخشنة والناعمة، وهي تسخر كل ادوات الدولة لخدمة استمرارها في السلطة، بما فيها الهيئات المستقلة عنها، دستوريا واداريا، كالاعلام الرسمي ولجنة النزاهة والبنك المركزي ومفوضية الانتخابات، وحتى اللجنة الاولمبية، حتى انها تبيح لنفسها ما يناقض دستورها، فهي تشجع حمل السلاح بين الموالين لها وتمنعه عن مخالفيها، كما هو الحال مع مجالس الاسناد والصحوات المالكية، تمييزا لها عن الصحوات الامريكية، وكتحصيل حاصل فان النتائج الانتخابية ستكون رهينة بقدرات رئيس الوزراء وحزبه على ترويض الناخب وصندوق الاقتراع والقائمين عليه، ومن جهة اخرى عرقلة وتشتيت اصوات المعارضين. لقد حاولت اغلبية القوى البرلمانية اصدار تشريع ينص على حصر حق اصحاب مناصب الرئاسات الثلاث، رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، بتولي ذات المنصب لمرتين متتاليتين فقط، ما يعني حرمان المالكي من الترشح لولاية ثالثة، بعد الانتخابات القادمة، لكن المالكي وحزبه فعلوا الاعاجيب للحيلولة دون المباشرة بالتصويت على هذا المشروع، ولم يتوان المالكي من استخدام ورقة الضغط الايراني في اطار تبادل المنافع من وزن ‘شيللني وشيلك’ على الرئيس جلال طالباني وعلى التيار الصدري لتشتيت الاصوات الداعية لمنعه من الترشح لولاية ثالثة، لقد عمل المالكي على شق التيار الصدري ودعم خصومه، كما هو الحال مع تنظيم ‘عصائب اهل الحق’، وراح يكيد لنوابه تهما عدة، اما ما فعله مع القائمة العراقية فحدث ولا حرج، ومنها تلفيق تهم الارهاب لقادتها، كما هو الحال مع طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الذي حكم بالاعدام غيابيا، وتلفيق تهمة مشابهة بحق وزير المالية رافع العيساوي، اضافة الى تصفية ناشطي القائمة في محافظات الجنوب والفرات الاوسط، وتمييع اي استحقاق محاصصاتي للقائمة، كاختيار نائب اخر لرئيس الجمهورية وتعيين وزير للدفاع من القائمة العراقية، وتشكيل مجلس السياسات العليان الذي هو من حصة اياد علاوي شخصيا، هذا اضافة الى دعم اي خلاف بين اطراف القائمة ودفعه باتجاه الانشقاق المعلن، كما هو الحال مع ‘العراقية الحرة’، و’العراقية البيضاء’، وما جرى لصالح المطلك غني عن التفصيل، فقد اجتثه المالكي في انتخابات عام 2010، ومن ثم عاد وتقبله كنائب لرئيس الوزراء وهو يحاول استمالته حاليا ليحول بينه وبين علاوي.
يبدو ان مشكلة المالكي في الوقت الراهن محصورة بايجاد بديل سني مطواع، وعليه لا بد ان يكون هذا البديل في حالة تنازع مع الفريق السني الشريك في السلطة والمنحدر اصلا عن القائمة العراقية، وقد ازداد الامر تعقيدا على المالكي عندما كان رد فعل وجهاء اهل السنة والقوى القومية فيها واغلب قبائلها على تحركاته الخبيثة، اندلاع موجة الاعتصامات الدائمة في اغلب الساحات العامة في مدن المناطق الغربية، خاصة الرمادي والفلوجة وسامراء وصلاح الدين والموصل، وحتى في اجزاء من مناطق بغداد، ما جعله يفقد الكثير من توازنه، خاصة عندما امر قوات سوات، بتنفيذ مذبحة اقتحام ساحة اعتصام الحويجة التي راح ضحيتها العشرات، وباساليب اخرى جرى التنكيل باعتصامات الموصل، ومحاصرة اعتصامات سامراء والرمادي والفلوجة، لكن صمود المعتصمين في الفلوجة والرمادي، وصعوبة السيطرة على الموقف فيها جعله يتردد باصدار امر اقتحامها، لانه يعرف قبل غيره انه سيهزم اذا ما اصبحت المعارك بين اهالي وقبائل الرمادي والفلوجة المسلحين اصلا والمدربين على ما هو اشد اثناء المواجهات مع الامريكان والقاعدة، فهي ستكون بالنسبة له صولة الخذلان لا الفرسان، وما اكد هذه المؤشرات نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي دلت على طول قامة المتشددين بوجه المالكي، وانحسار صوت الموالين له بين اهاليها، ومع ذلك فهو لم يكل عن التقاط سقط المتاع فيها وصيادي الفرص، فتحت رعايته عقد مؤتمر صحوة العراق ليتم فيه عزل احمد ابو ريشة، الذي يدعم اعتصامات المناطق الغربية واستبدله باخرين ليس لهم حظوة بين جمهور الناقمين.
اخيرا تصاعد الموقف حدة وسيتصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات القادمة، وسيلعب المالكي لعبة خلط الاوراق حتى يوصم كل معترض عليه بموال لتنظيم ‘داعش’، مستفيدا من المناخ الذي اشاعه تنظيم ‘القاعدة في بلاد الشام والعراق’، وما ترتب على ذلك من تخوف دولي واقليمي من تفرد ‘داعش’ بالساحة السورية ومن ثم توسعها داخل العراق، المالكي قرر تغيير شكل المواجهة وشخصنتها، فبدلا من اقتحام الجيش للساحات حث رجال الصحوات الموالين له على فعل ذلك، وبدلا من مهاجمة الجموع قرر الانفراد بالقادة والناشطين وكتم اصواتهم بكواتم الصوت، وعلى هذا المنوال تتم التصفيات في ابو غريب والاعظمية والدورة وكركوك والموصل وديالى والفلوجة، كما حصل مؤخرا في حوادث اغتيال بشار عواد، وهو استاذ في جامعة الامام الاعظم، وبنيان العبيدي المنسق العام للتظاهرات في كركوك، واخيرا محاصرة دار النائب احمد العلواني واغتيال شقيقه واعتقاله بتهمة مقاومة القوات الامنية، التي هي اسم على غير مسمى.
اللافت ولكنه ليس بالعجيب على الوضع العراقي المفعم بالعجائب والغرائب، ان واثق البطاط، الذي يفاخر بقيادته لميليشيا جيش المختار ويعترف بنفسه وعلى الشاشات بانه هو من اصدر الاوامر بقصف المراكز الحدودية السعودية بالصواريخ، وانه هو المسؤول عن قصف معسكرات عوائل مجاهدي خلق في ابوغريبن وانه هو من يغتال الخطرين من اعداء مختار العصر نوري المالكي، لا توجه اليه تهمة الارهاب ولم يعتقلن وهو موجود في منطقة ليست ببعيدة عن سكن المالكي في المنطقة الخضراء، وانما يوصف بالمعتوه وتجري عليه تمثيليات الملاحقة، وانما توجه لمن يدعون لالغاء سياسة التمييز والاجتثاث ومن تبعهم ولاي سبب من الاسباب، نعم ليس للارهاب دين او طائفة او انتماء، وايضا هو ليس حكرا على الغلاة والتكفيريين الذين يتوقون للسلطة على طريقة ‘داعش’ واخواتها، وانما هو باب مفتوح حتى للذين على قمة السلطة هؤلاء الذين لا يريدون غيرها ويضحون بكل شيء من اجل البقاء فيها، ويجعلون من الارهاب سر صنعتهم التي تقدمهم للانتخاب المضمون، والان الا يكون دخول المالكي بالانتخاب الى الولاية الثالثة مضمونا ضمانة الارهاب المعفى من العقاب؟

‘ كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للاستاذ الجبوري على مقاله “الناري” !!!
    يا سيدي المهم الان هو النظر الى المستقبل و التخطيط والتعاون ما بين المحافظات الست (التي لم تحصل من أعتصام أهلها على شئ يذكر من دولة المالكي و حكومته)…فالانتخابات النيابية العامة على الابواب و يجب …أقول يجب على مواطني هذه المحافضات التنسيق مع سياسيهم وممثليهم المرشحين وحشد الطاقات من أجل أنجاح العملية الديمقراطية ومن ثم عمل المستحيل للتحالف مع القوى والاحزاب الكردية (ثلاث محافظات كردية) بغية الحصول على أغلبية نيابية أو على معارضة قوية تجعل المجلس النيابي القادم مؤثروفاعل في خدمة العراق والعراقيينن
    أما المالكي و زمرته فبأقرار القوى السياسية التي “قذفته” للموقع الاول في الدولة عام 2004 وهم جماعة الحكيم و الصدرو الفضيلة والجزء المنشق من حزب الدعوة بالاضافة للعراقية والاكراد وحتى المراجع الدينية في كربلاء و النجف يفضّلون البحث عن وجه جديد ذو كفاءة و قدرة ودراية تؤهلة الجلوس على كرسي رئاسة الوزارة بعد أنتخابات نيسان القادم.

إشترك في قائمتنا البريدية