بغداد ـ «القدس العربي»: خلّفَ قرار الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، القاضي بمقاطعة الانتخابات التشريعية المرتقبة في “كردستان”، وتلويحه بالانسحاب من العملية السياسية العراقية، موجة ردود فعل سياسية حثّته على العدول عن قراره، محذّرين من خطورة تداعيات ذلك على استقرار الوضع السياسي في العراق. وفيما أكد رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد بأن الدستور الاتحادي أقرّ بفدرالية كردستان، تمسّكت المحكمة الاتحادية بقراراتها المتعلقة بانتخابات برلمان الإقليم وملف ربط مرتبات الموظفين الأكراد بالسلطات الاتحادية.
وأفاد بيان رئاسي بأنه “بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (224 وموحدتها 269/اتحادية/2023) في 21/2/2024 التقى رئيس الجمهورية مع رئيس المحكمة الاتحادية العليا للتشاور بشأن ما ورد في قرار المحكمة آنفا، حيث بَيّن (رشيد) ان العملية السياسية بعد سنة 2003 قامت على أساس عدد من الثوابت التي توافقت عليها ارادة القادة السياسيين، وثبتت في الدستور ومن أبرز تلك المبادئ ان يكون العراق دولة اتحادية بنظام جمهوري نيابي برلماني”.
وأوضح أن الدستور أقرّ “بفدرالية اقليم كردستان وسلطاته القائمة، وهو ما يعني ان لسلطات الاقليم صلاحيات كاملة على الإقليم ومواطنيه بما لا يخالف الدستور والقانون في غير الصلاحيات الحصرية للاتحاد”، معتبراً إن “رسم السياسة المالية والجمركية واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ورسم السياسة النقدية هي من الصلاحيات الحصرية للاتحاد، لكن تنفيذ هذه السياسة وتحديد آليات التنفيذ تدخل ضمن صلاحيات الإقليم”.
ووفق البيان فإن رئيس المحكمة الاتحادية العليا أشار إلى إن “المحكمة ملتزمة بما أتفق عليه المؤسسون للعملية السياسية، وما جرى تدوينه في دستور ارتضاه العراقيون، ونظّم العلاقة بين السلطات الاتحادية والاقاليم، وان المحكمة الاتحادية العليا حريصة على تنفيذ ما ورد في الدستور والتشريعات النافذة، وانها ستكون الداعم الأول لسيادة مبادئ الشرعية والمشروعية، وستكون الأمين الحامي لحقوق الشعب والوفيه لدماء الشهداء”، مؤكدا ان المحكمة “حريصة على سيادة مبادئ الديمقراطية، وأحكام الدستور في كل ما تقضي به، وانها ستكون حريصة على متابعة آليات تنفيذ قرارها المرقم (224 وموحدتها 269/اتحادية/2023) في 21/2/2024 بما يؤمن ايصال الاستحقاقات المالية للموظفين والمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية، والعاملين في الأجهزة الامنية في الاوقات المحددة”.
وفي السياق أكد رئيس المحكمة الاتحادية العليا بأن قرارها الصادر في العدد (224 وموحديتها 269/اتحادية /2023) المتعلقة برواتب موظفي اقليم كردستان العراق يهدف الى حماية المصلحة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وان وزارة المالية الاتحادية لديها تنسيق مباشر مع وزارة المالية والاقتصاد في حكومة اقليم كردستان بخصوص موضوع القرار ووضع الأطر الكلية والجزئية لتنفيذ بنوده بصورة تحافظ على استمرارية صرف الرواتب دون التوقف لأسباب فنية أو إجرائية، وذلك لكون آلية التوطين تتطلب فترة زمنية بموجب كتاب وزارة المالية الاتحادية، لذلك يتم صرف الرواتب نقدا للموظفين المتبقين الذين لم تكتمل عملية التوطين لديهم بسبب الاجراءات الفنية لحين استكمال عملية توطين الرواتب كاملة”.
وأفاد بأن المحكمة هي “الداعمة لحقوق الشعب والمدافع عنها، وستكون على تواصل وتشاور مستمر مع الرئيس والتواصل المستمر مع وزارة المالية الاتحادية لإزالة العقبات التي قد تواجه تنفيذ القرار”، فيما أكد رئيس الجمهورية حرصه الشديد على “إنفاذ حكم الدستور والتشريعات في تنظيم العلاقة بين مكونات الشعب العراقي، والعمل على التخفيف من معاناة الشعب الكردي الناشئة عن عدم الانتظام في دفع الرواتب، وتأكيده العمل مع سلطات الاقليم لكل ما فيه خير للإقليم وشعبه”.
وأول أمس، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني، عدم مشاركته في انتخابات برلمان كردستان المقررة في حزيران/ يونيو المقبل، معتبراً أن قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة “غير دستورية”.
دعوات عدم المقاطعة
وفي ردود الفعل، أكد رئيس تحالف “السيادة” ، خميس الخنجر، أن مقاطعة الحزب الديمقراطي الكردستاني لانتخابات برلمان كردستان، وتلويحه بالانسحاب من العملية السياسية “يضع مستقبل العراق في خطر”.
وقال الخنجر في بيان، إن “الحوار بين بغداد وأربيل بحضور كافة الشركاء هو السبيل الوحيد والأمثل لحل المشكلات السياسية”، لافتاً إلى إن “الحزب الديمقراطي ركيزة أساسية من ركائز الحياة السياسية في العراق”.
كذلك، حثّ زعيم ائتلاف “قوى الدولة الوطنية” عمار الحكيم، حزب بارزاني على العدول عن قراره، ودعا الحكيم في بيان صحافي الحزب إلى “مراجعة قراره مقاطعة انتخابات برلمان كردستان والعدول عنها”، معرباً في الوقت عينه عن أسفه لقرار الحزب الديمقراطي الكردستاني، داعيا قيادة الحزب إلى “مراجعة هذا القرار”.
وأضاف: “نتوسم بأخينا جناب مسعود البارزاني الخير بالعدول عن هذا الموقف والاستمرار بالمنهج الديمقراطي الذي سرنا عليه سوية بعد التغيير وتحملنا لأجل إنضاجه التضحيات والمحن”.
أما الحزب الشيوعي العراقي، فطالب بضمان تمثيل الاقليات في برلمان اقليم كردستان، معتبراً أن قرار المحكمة الاتحادية العليا بإلغاء كوتا الإقليم، جاء لإلغاء تمييز إيجابي تتمتع به كردستان منذ عام 1991.
ودعا في بيان صحافي إلى “معالجة تداعيات قرار المحكمة وفق هذه الاسس بما يجنب البلاد تفاقم الازمة، وضمان سلامة العملية الديمقراطية، وازالة الغبن الذي اصاب ابناء الأقليات القومية في تمثيلهم السياسي في برلمان الإقليم”.
وتعليقاً على قرار الحزب، دعت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”، جميع الأطراف الى “التوصل لحلول”.
وقالت “يونامي” في بيان صحفي إنه “لقد أخذنا علماً بقرار الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أخذنا علماً بقرار مجلس الأمن الفيدرالي الشهر الماضي”.
ودعت جميع الأطراف إلى “العمل من أجل مصلحة الشعب، وبالتالي التوصل إلى حلول، بدلاً من مأزق آخر يطول أمده”، مبينة أن “إجراء انتخابات إقليم كردستان العراق في 10 حزيران/ يونيو 2024 هي أمر ضروري”.
قلق أمريكي
إلى ذلك، كتبت السفيرة الامريكية في بغداد ايلينا رومانسكي في “تدوينة” لها: “نشعر بالقلق إزاء إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني مقاطعة انتخابات إقليم كردستان العراق. ونحث الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على ضمان أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة وذات مصداقية”.
وشددت على أن “يكون لجميع مواطني إقليم كردستان العراق صوت في تحديد مستقبلهم”.
في المقابل ، أكد الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة بافل طالباني، التزامه بموعد اجراء انتخابات برلمان الإقليم، معتبراً إياها افضل وسيلة لتعزيز الديمقراطية وتجاوز هذه المرحلة المتأزمة على المستوى الداخلي والمنطقة بشكل عام”. وقال المتحدث باسم الاتحاد سعدي أحمد بيره في بيان، إن “الاتحاد الوطني الكردستاني ملتزم بموعد اجراء انتخابات برلمان كردستان في 10 يونيو /حزيران، كما قرره رئيس اقليم كردستان”.
ولفت الى أن “تفعيل برلمان كردستان مهم لتنفيذ المهام القانونية والرئيسية ومعالجة المشاكل والعراقيل التي تواجه جماهير شعب كردستان”. بالتوازي يؤكد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، الالتزام بإجراء انتخابات برلمان الإقليم بشرط أن تكون “شرعية وديمقراطية ودستورية”.
وذكر بيان لمكتبه أن مسرور بارزاني، استقبل (أمس)، وزير الخارجية الألماني توبياس ليندنر، حيث جدد الأخير دعم بلاده المتواصل للبيشمركة، مع التأكيد على استمرار التنسيق والتعاون مع حكومة إقليم كردستان”.
وأشار بارزاني، إلى أنه “رغم من تعرض إقليم كردستان لشتى الضغوط وبمختلف الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية وما يسمى بالقانونية لإجباره على التنازل عن حقوقه الدستورية، إلّا أن شعب كردستان لن يتنازل عن حقوقه مهما واجه من ضغوط”.
وفيما يتعلق بالعملية الانتخابية، شدد مسرور بارزاني على “الموقف الثابت والداعم لإجراء الانتخابات، لكن بشرط أن تكون انتخابات شرعية وديمقراطية ودستورية، وتُنظم بموجب قانون انتخابي يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع فئات وأطياف ومكونات الشعب الكردي”.