العراق مقبل على كارثة اقتصادية: عجز موازنة 2020 يهدد رواتب الموظفين والمتقاعدين

مشرق ريسان
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: أسهم استمرار الخلاف على حسم ملف الكابينة الوزارية الجديدة، على تأخر ملف الموازنة المالية الاتحادية للدولة العراقية لعام 2020، وفيما يستمر انخفاظ أسعار النفط العالمية، أعرب مسؤولون عراقيون عن خوفهم من ارتفاع العجز المالي للموازنة، ووصوله إلى مرحلة «خطرة» تعرقل دفع رواتب الموظفين، وسط تأكيدات حكومية أن «لا خوف» على رواتب الموظفين، وتأكيدات مماثلة في إقليم كردستان.
وأعلن عضو لجنة التخطيط الستراتيجي ومتابعة البرنامج الحكومي، النائب محمد شياع السوداني، أمس الثلاثاء، وصول عجز الموازنة إلى 60 تريليون دينار (50 مليار دولار)، مقترحا عدة إجراءات لمواجهته.
وقال، في بيان: «نتابع بقلقٍ كبيرٍ المؤشرات الأخيرة المتعلقة بالوضع الاقتصادي العالمي الذي تزامن مع انتشار وباء كورونا إذ تهاوت أسعار النفط إلى منحدرٍ سحيقٍ ولأول مرة منذ سنوات ولأسبابٍ متعددةٍ منها ما يتعلق بوفرة في العرض مقارنة بالطلب ومنها ازدياد إنتاج النفط الصخري رافق ذلك ازدياد الهلع من تفشي فيروس كورونا وارتفاع أعداد الإصابات في بلدان العالم ما أثر في كثيرٍ من الأنشطة الاقتصادية وتحديدا اقتصاد العراق الريعي الذي يعتمد على النفط اساسا لمورده المادي».
وأضاف: «العراق في بداية سنة مالية، ومن دون موازنة، والإيرادات المتوقعة في ضوء معدل الأسعار الحالي لاتغطي حجم الرواتب التي من المتوقع أن تصل الى 56 تريليون دينار بعد زيادة الرواتب عن السنة الماضية بحدود 14 تريليون دينار، وبسبب إعادة المفسوخة عقودهم من الجيش والشرطة والحشد الشعبي، ناهيك عن التعيينات الأخيرة في الوزارات بما فيها الأجهزة الأمنية في الدفاع والأمن الوطني والمخابرات، فضلا على ازدياد في نسبة مبالغ تسديد ديون القروض على العراق في كل عام».
ومضى بالقول: «تأسيسا على ما تقدم، فإن العراق أمام كارثة اقتصادية تؤثر في الوضع العام للبلد، ترافقها أزمة سياسية خانقة إذ لازال الوضع السياسي في حالة انسداد بعد عجز القوى السياسية عن تكليف شخصية توافقية وما يؤسف له أن الكلّ مستغرق في حديث عن اختيار هذا الشخص أو ذاك لأسباب أو مواصفات وشروط ومعايير بعيداً عن الموضوع الأهم المتمثل بمقدرة الحكومة الجديدة بشخص رئيسها أو فريقه الوزاري على معالجة أزمة الوضع الاقتصادي».
وبين، أن «هذا الوضع السياسي المتأزم في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تتخبط في قراراتها بين الغياب الطوعي الذي اتخذه رئيس الوزراء المستقيل وانفراد الوزراء بإدارة وزارتهم بعيدا عن رقابة مجلس النواب الذي لازال معطلا بسبب العطلة التشريعية التي انتهت والعطلة الإجبارية بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة مرض كورونا، سبَّبَ بوجود فراغ رقابي إستغله الفاسدون في تمرير قرارات واجراءات اضرت بالاقتصاد العراقي والمصلحة العامة رافقها صمت حكومي نيابي عن تشكيل غرفة عمليات خاصة من الاقتصاديين والمختصين لمعالجة آثار التدهور الخطير في أسعار النفط وتأثيراته الكارثية في الموازنة وإيرادات الدولة بالتزامن مع هذه الظروف السياسية والاقتصادية والصحية».
وتابع: «فيروس كورونا وظهور إصابات في العراق يمثل مشكلة إضافية أصابت مفاصل الحياة في العراق بحالةٍ أشبه بالشلل إذ عُطِّلت المدارس والجامعات زاد عليه دواماً في دوائر الدولة بنسبةِ 50 في المئة ما أدى إلى تراجع معظم الأنشطة الاقتصادية، ناهيك عن ضعف أجهزة الدولة في هذا الجانب وتراخي اجراءاتها قياسا بالدول الأخرى التي أغلقت حدودها واتخذت إجراءات احترازية فقد تابع الشعب اجراءات الحكومة بهذا الشأن بقلقٍ كبير ولعل في الفيديو المسرب عن لجنة خلية الأزمة وما ترشح عنها من مفردات مثلت خيبةَ املٍ كبيرةٍ في جدية الحكومة وخلية الأزمة في أن تكون بمستوى عالٍ من معالجة هذه الكارثة الصحية».
وزاد: «في تقديرنا، فإن الحلول الناجعة تبدأ من اختيار حكومة جديدة ومباشرة مهامها في أقرب وقتٍ، وأما ما يتعلق بالوضع الاقتصادي فإننا نرى وجوب التشكيل الفوري لفريق من الاقتصاديين والماليين والقانونيين من القطاعين الحكومي والخاص ولا بأس في استشارة دولية للوقوف على حزمة من الإجراءات والإصلاحات التي قد تكون تقشفية مؤذية تسبب تذمرا من البعض لكن لا بد منها امام هذا الوضع المالي المتدهور، المهم أن تكون هذه الإجراءات بعيدة عن الطبقة الفقيرة وأن توجه إلى أصحاب الدخول المتوسطة والمرتفعة وبدرجات توازي مستوى الدخل سواء إجراءات ضريبية تتعلق بباقي مفاصل الدولة من قوانين كانت أم اجراءات من نحو جمارك وضريبة مع مراعاة موازاتها المستوى المعيشي ونسبة الفقر المتفشية في الكثير من المحافظات».
ومن بين الإجراءات التي اقترحها السوداني، «مكافحة الفساد بأنواعه وأشكاله كلِّها والحد من هدر المال العام الذي يستنزف الدولة في هذه الظروف الاقتصادية»، بالإضافة إلى «تنمية الإيرادات غير النفطية مثل الضرائب والجمارك مع التنبيه على ضرورة وجود رقابة قوية على المنافذ لضمان استيفاء الرسوم وفق القانون».

فضائيون

كذلك، شدد السوداني على أهمية «حل كامل للإجراءات المتعلقة بإقليم كردستان منها موضوع النفط المُصّدَر والجمارك في منافذ الإقليم مع الخارج»، مؤكداً «إعادة النظر في الموازنة التشغيلية عبر إيقاف بعض أبواب الصرف والاقتصار على الضروري منها»، لافتاً إلى «تدقيق أعداد الموظفين وفرز الفضائيين منهم والرواتب المزدوجة وإيقاف بعض المخصصات وإعادة النظر فيها».
ولفت إلى ضرورة «تفعيل مبادرة البنك المركزي الخاصة بالقروض الخاصة بالمصرف الصناعي والمصرف الزراعي والمصرف العقاري والإسكان وتوجيه هذه المبادرة للمشاريع المتوسطة والصغيرة والكبيرة الأمر الذي يدعم تحرك عجلة التنمية في قطاعات الصناعة والزراعة والسكن وبما يخلق فرص عمل ويدعم الاقتصاد الوطني»، ناهيك عن « تحديد أو منع استيراد السلع غير الضرورية لفسح المجال للمنتج المحلي لتغطية حاجة السوق المحلية وما يمثله من توليد لفرص العمل والحفاظ على العملة داخل البلد».
ومن بين الإجراءات المقترحة، «إعادة النظر بمزاد العملة وتعديل سعر صرف الدولار وبما لا يثقل كاهل الطبقة الفقيرة»، معتبراً أن «هذه أهم الإجراءات الكفيلة بمواجهة موازنة يقدر العجز فيها بـ60 تريليون دينار وبايراداتٍ اذا ما استمر بيع برميل النفط بـ 30 دولارا فإنها لن تسد رواتب الموظفين والمتقاعدين».
في السياق، دعا نائب رئيس كتلة ت»حالف القوى العراقية» رعد الدهلكي، أمس، الحكومة الاتحادية لإلغاء الرواتب المتعددة ومنها رواتب رفحاء، مبينا أن ذلك هو «لمعالجة العجز في الموازنة بدل الذهاب إلى مقترحات وتلميحات تمس رواتب الموظفين والمتقاعدين».
ورواتب رفحاء، مخصصة لمعارضين لجؤوا إلى السعودية فوضعتهم في مخيم في مدينة رفحاء قريبا من حدودها مع العراق، بعد «الانتفاضة الشعبانية» ضد نظام صدام حسين عام 1991. وقال الدهلكي، في بيان إن «رواتب الموظفين والمتقاعدين قلناها ونعيدها أنها خط أحمر لم ولن نسمح المساس به، وأي مشاكل مالية او اقتصادية فعلى الحكومة معالجتها بعيدا عن تلك الرواتب»، مبينا أن «هنالك العديد من الأبواب في الموازنة التي تتضمن نفقات لا معنى لها ومن الأجدر تقليصها أو حذفها نهائيا كونها أثقلت موازنة البلد وتسببت بالهدر الواضح للمال العام».
وأضاف «من بين القضايا التي وضعنا عليها علامات استفهام منذ فترة طويلة هي تعدد الرواتب لبعض الشرائح، مما خلق تفاوتا طبقيا تحت عناوين غريبة وما أنزل الله بها من سلطان ومنها رواتب رفحاء وغيرها»، لافتا إلى أن «الحكومة أن كان لديها عجز فلا تذهب لأرزاق الفقراء لتقتطع منها بل عليها الذهاب لمن اتخمتهم بعناوين أوجدتها بغير وجه حق وأن تلغي تلك الامتيازات لتغطية عجزها».
وسبق للمستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن أكد في السابع من اذار/ مارس الجاري، عدم وجود مخاوف على رواتب موظفي الدولة.

نفي برلماني

في المقابل، أصدرت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، توضيحا حول الأخبار المتداولة بشأن تخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين في العراق.
وأكدت اللجنة في بيان لها، «عدم صحة الأخبار المتداولة بخصوص تخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين»، نافية نفيا قاطعا «نيتها أو نية مجلس النواب العراقي او الحكومة العراقية الخوض في هذا الموضوع كونه حقا مكتسبا».
وأشارت إلى أنها «تعمل حاليا مع جميع المؤسسات الحكومية والأكاديمية والقطاع الخاص لوضع الحلول المناسبة والبعيدة عن مسألة رواتب الموظفين جملة وتفصيلا من أجل النهوض بواقع الاقتصاد العراقي»، داعية وسائل الإعلام إلى «توخي الدقة والحذر وأخذ المعلومة من مصدرها الأساسي». في الأثناء، أكد مستشار لرئيس الجمهورية، ان الحكومة الاتحادية في بغداد ستستمر في ارسال رواتب موظفي اقليم كردستان للعام الحالي 2020.
وقال سالار محمود في تصريح لإعلام حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أن «الحكومة الاتحادية ستستمر بإرسال رواتب موظفي الإقليم، وفقا للتفاهمات بين الجانبين»، مؤكدا أن «الحكومة الاتحادية لن تقطع رواتب الموظفين في إقليم كردستان».
وأضاف: «على الرغم من صعود وهبوط اسعار النفط ووجود عجز في الموازنة الاتحادية، إلا أن الحكومة في بغداد ستستمر بصرف رواتب الموظفين»، مشيرا إلى ضرورة «تخصيص مبالغ مالية لمواجهة فيروس كورونا المستجد على أن يكون لإقليم كردستان حصة من تلك المبالغ».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية