اعتمد التيار الصدري بعد الـ2003 استراتيجية «اللعبة المزدوجة». فقد استطاع أن يحقق مكاسب اقتصادية بفضل ما يُعرف بالاقتصاد السياسي المرتبط بالنزاعات الداخلية، ومن خلال هذه المكاسب استطاع أن يثبّت نفوذه؛ حيث تمكن التيار عبر ذراعه العسكري «جيش المهدي» من خلال نشاطاته العنفية (الاختطاف، الاستيلاء على الأملاك الخاصة، فرض الأتاوات، التهريب) من جهة، وعبر نفوذه السياسي في مؤسسة الدولة من جهة أخرى، من توفير موارد اقتصادية مهمة ساعدته على تثبيت مصالحه السياسية والاقتصادية في آن. وتزايدت قوته منذ ذلك الحين بسبب عاملين هما عاملا القوة الاجتماعية المهمشة التي تزايدت بسبب النموذج الاقتصادي الذي اعتمد في العراق، وبسبب عامل الإيديولوجيا التي تستمد تصوراتها من جعل المرجعية الشيعية عراقيةً/ عربيةً في مواجهة مرجعية قم.
وقد استطاع التيار الصدر بين الأعوام 2010 و 2018 أن يدير لعبة سياسية أقنعت الكثيرين بأن التيار يمكن أن يتجاوز مرحلة جيش المهدي ودوره في العنف الطائفي أثناء الحرب الأهلية في العراق في الأعوام بين 2006 و2007،، وأن يكون تيارا شيعيا عقلانيا يسهم على المدى المتوسط والبعيد في صياغة نموذج سياسي مختلف، على مستوى الطائفة أولا، من خلال رفض الاحتكار الشيعي للسلطة، وعلى مستوى الايديولوجيا ثانيا، خاصة وان التيار لا يؤمن بمبدأ الولاية العامة المطلقة للفقيه (ولاية الفقيه) بنموذجها الإيراني، فمن المعروف أن السيد محمد صادق الصدر كان يتبنى مبدأ «الولاية العامة المقيدة للفقيه» التي يجعل الفقيه مقيدا بثلاثة تقييدات: التقيد بتطبيق الأحكام الشرعية، والتقيد بالتدني عن مستوى الأئمة المعصومين، والتقيد بالمصلحة التي لا معنى للولاية من دونها. وقد كان تغيير اسم جيش المهدي إلى «اليوم الموعود» ثم إلى «سرايا السلام» في العام 2014 للتخلص من عبء الاسم، ثم التحالف مع الحزب الشيوعي وبعض الأحزاب العلمانية في انتخابات العام 2018 أحد أبرز مؤشرات هذه المرونة الأيديولوجية أو بالأحرى أحد مظاهر اللعبة المزدوجة.
كل ما كان يظهره التيار الصدري من عقلانية، ولو بحدها الأدنى، لم يكن خيارا استراتيجيا، بل مجرد تكتيك فرضته عليه جملة معطيات
لقد تعلم السيد مقتدى الصدر، من خلال مواجهات ثلاثة مع الدولة في الأعوام 2004 و 2006 و التي انتهت بعملية «صولة الفرسان» التي شنها رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي على التيار الصدري في مدينة البصرة بداية العام 2008، والتي امتدت لاحقا إلى معقل التيار في مدينة الصدر في بغداد، بأن وجوده في السلطة هو وحده الضامن للإبقاء على التيار الصدري ككيان سياسي من جهة، ومن أجل تأمين الموارد الضرورية لإدامة تياره عبر «لجان اقتصادية» داخل الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة. وأنه يجب أن يعتمد نوعا من المواءمة فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية من جهة، من خلال خطاب معاد يفرضه إرث السيد محمد صادق الصدر وسلوك مهادن، وعدم القطيعة مع إيران من جهة ثانية تحسبا لما يمكن أن يسببه ذلك من انشقاقات داخل التيار، مع إبقاء مسافة لا بأس بها بينه وبين السياسية الإيرانية في العراق.
على المستوى الاجتماعي بدا السيد مقتدى الصدر أيضا حريصا على الحفاظ على اللعبة المزدوجة التي يمارسها، من خلال محاولة احتكار المعارضة أيضا؛ فقد شارك التيار في حركات الاحتجاج المختلفة بداية من العام 2011، لأنها كانت تتيح له أن يستخدم الشارع كورقة ضغط نحو مزيد السلطة (لا يمكن فهم موقف السيد مقتدى الصدر من حركة تشرين الاحتجاجية، وانقلابه عليها، إلا لأنه وجد فيها التهديد الأخطر لهذا الرأسمال الرمزي!).
ولكن نتائج انتخابات العام 2018، التي انتهت بحصول ائتلاف سائرون الذي ضم التيار الصدري وحلفاؤه على المركز الأول بحصوله على 54 مقعدا، قلب المشهد رأسا على عقب؛ فقد اتضح أن كل ما كان يظهره التيار الصدري من عقلانية، ولو بحدها الأدنى، لم يكن خيارا استراتيجيا، بل مجرد تكتيك فرضته عليه جملة معطيات، حيث أقدم التيار الصدري على التحالف مع الفتح من أجل الإطاحة بالدستور واختيار رئيس لمجلس الوزراء دون الإعلان عن الكتلة الأكثر عددا التي يشترطها الدستور، ثم سعى صراحةً إلى فرض «أبويته» على النظام السياسي ككل، ولم تكن الوصاية السياسية والاجتماعية كافية، وبدأت الإشارات الصريحة إلى محاولة السيطرة على الدولة بأكملها عبر الإعلان عن سعي التيار للحصول على منصب رئيس مجلس الوزراء في الانتخابات القادمة، والتي ستتبعها دعوة صريحة لاعتماد النظام الرئاسي بديلا عن النظام البرلماني، وهي نفسها دعوة المالكي في العام 2009 عندما اعتقد ان الفرصة متاحة لمصادرة الدولة لمصلحته!
من هذا المنطلق يجب فهم غزوة سرايا السلام على بغداد ومحافظات أخرى، ليلة الأثنين الماضي، بأنها رسالة تأتي في هذا السياق. لم يعد مهما السؤال اليوم عن موقع سرايا السلام في إطار الحشد الشعبي (رسميا عدد مقاتلي سرايا السلام الرسميين لا يتجاوز 6500 فرد) ولا عن العلاقة المفترضة بينها وبين أي قيادة أخرى باستثناء السيد مقتدى الصدر، ولا عن قدرتها على الحركة بسلاحها في أية لحظة دون أن تعترضها أجهزة الدولة العسكرية أو الأمنية، فهذه الأسئلة أصبحت لا تعني شيئا في ظل عراق اللادولة، ولكن السؤال الذي يجب أن يقف عنده الجميع هو: إلى أي حد يمكن أن يصل حلم السيد مقتدى في مصادرة الدولة قسرا إذا لم يتمكن من مصادرتها بالسياسة؟ ويرتبط هذا السؤال بسؤال أكثر خطورة: ما حلم السيد مقتدى الصدر عندما لن يكون السيد علي السيستاني حاضرا على رأس حوزة النجف؟
كاتب عراقي
كانت التقية ديدن هؤلاء, أما الآن فديدنهم الكذب والإلتواء بلا مبادئ!
الدولة العراقية بأضعف حالاتها, فالميليشيات شلت الدولة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
مقتدى الصدر ظهر مجرد مهرج ومبتدئ في السياسة مجرد تابع ذليل لايران.
مقال منطقي نوعا ما.
ليس هنالك دولة لكي يصادرها مقتدى الصدر . لو ان هنالك دولة فعلا ما تمكن هذا الرجل من اللعب بمصير العراقيين .