تحاول الحكومة العراقية النأي بالبلاد عن التورط في الحرب المحتمّلة، والسعي وراء تطوير القدرات العسكرية المتعلقة بالدفاعات الجوية، وسط مخاوف من هجمات «سيبرانية».
بغداد ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي تدفع فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتصعيد وجرّ المنطقة إلى حربٍ شاملة، تحاول الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، النأي بالبلاد عن التورط في الحرب المحتمّلة، والسعي وراء تطوير القدرات العسكرية العراقية، خصوصاً تلك المتعلقة بالدفاعات الجوية، وسط مخاوف من هجمات «سيبرانية» قد تكون بديلاً عن الهجمات الصاروخية المعتادة.
وعلى خلفية حادثة اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، الأسبوع الماضي، عقد السوداني اجتماعاً مع قيادات عسكرية رفيعة في العاصمة بغداد، بهدف تقييم الوضع الأمني والوقوف على مستوى جهوزية القوات الأمنية العراقية.
في مقر قيادة العمليات المشتركة، التقى رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، بعدد من القيادات الأمنية العليا، واطلع على الوضع الأمني في مختلف قواطع المسؤولية العسكرية، وسير تنفيذ الخطط الأمنية والتحديات التي تواجه الأجهزة والتشكيلات العسكرية بمختلف صنوفها، ومستوى الجهوزية، لـ«درء أي مخاطر وكل ما من شأنه أن يعكر صفو الأمن والاستقرار».
بيان لمكتب السوداني، كشف عن توجيه الأخير جميع القادة الأمنيين بـ«بذل أقصى الجهود اللازمة لضبط الأمن في جميع أرجاء البلاد» كما شدد على «مواصلة تعزيز قدرات القوات الأمنية، وتطوير آليات التدريب التي تساهم في رفع مستوى الجهوزية أمام المخاطر التي قد تهدد البلد».
على المستوى ذاته، أعلن جهاز مكافحة «الإرهاب» العراقي، استعداده لـ«أي واجب يكلف به من القائد العام للقوات المسلحة» فيما أكد إعداد منتسب الجهاز للقيام بمهامه في مختلف الظروف.
المتحدث باسم الجهاز صباح النعمان، ذكر في تصريح للوكالة الرسمية، أنه «بعد استلام مهام الجهاز من قبل الفريق الركن كريم التميمي أخذ الجهاز على عاتقه وضع رؤية مستقبلية لتطوير قدرات الجهاز وفق المهام الموكلة له من قبل القائد العام للقوات المسلحة، وحسب تنوع هذه المهام» لافتاً إلى أن «الجهاز له القدرة على مواجهة جميع التحديات».
وأضاف: «بدأنا بتطوير إمكانياتنا الفنية والتكنولوجية التي تسهم في تسهيل مهمة الجهاز في القضاء على الشبكات الإرهابية، وأيضاً لتضمن أن يكون الجهاز مستعداً لأي واجب من الممكن أن يكلف به من قبل القائد العام للقوات المسلحة».
وزاد: «قطعنا شوطاً كبيراً جداً في تطوير المعدات الفنية لعمل الاستخبارات في جهاز مكافحة الإرهاب، وتطوير منظومة اتصالات حديثة للتنسيق والعمل بين وحدات الجهاز» مشيراً إلى «تنسيق القدرات البشرية ذات المواصفات الفنية التي تعمل في مجالي الاستخبارات ومجال الاتصالات».
وأوضح أن «الجهاز عمل خلال الفترة الماضية على تحسين القدرات والمستلزمات اللوجستية لمقاتل جهاز مكافحة الإرهاب سواء أثناء تنفيذ المهام القتالية ومهام مكافحة الإرهاب والواجبات» مبيناً أنه «تم تحسين الدعم اللوجستي في مجال التدريب ووحدات الجهاز والأماكن التي يستقر فيها منتسبو جهاز مكافحة الإرهاب، فيما بدأت أكاديمية الجهاز بتطوير قدراتها الفنية والتقنية والمناهج التدريبية التي تعمل على إعداد منتسبٍ لجهاز مكافحة الإرهاب ليكون قادراً على القيام بمهامه في مختلف الظروف».
الواقع الجديد في الحرب «غير التقليدية» الذي بدأت ملامحه تتضح في أعقاب تنفيذ الإسرائيليين هجوماً «إلكترونيا» استهدف أجهزة الاتصال اللاسلكية «البيجر» في لبنان، وأدى إلى مقتل وجرح الآلاف، يحتّم على العراق أيضاً إيجاد حلول «سيبرانية» تقيه من أي هجوم مماثل داخل البلاد.
الوزير العراقي الأسبق، باقر الزبيدي، يرى أن «الأحداث المتلاحقة على الساحة وما يحدث في لبنان غير بعيد عن الساحة العراقية، وما أحدثه استشهاد سيد الجنوب (في إشارة إلى نصر الله) من أثر عميق في النفوس العراقية يدل على أن الروابط بين الشعبين تزداد مع مرور الأيام وهو ما يعرفه العدو جيداً».
وحتى يكون العراق على قدر المسؤولية والجهوزية، حسب الزبيدي، فإنه «لابد ان نحدد مكامن الخلل قبل القوة، وما لفت انتباهنا بشدة خلال الفترة الماضية هو عملية تفجير أجهزة (البيجر) من قبل الكيان الغاصب والتي تطرح سؤالاً مهماً عن أمن العراق السيبراني والذي هو جزء مهم من الأمن القومي».
ويشير الوزير العراقي السابق، في بيان صحافي، إلى أن «الحروب الإلكترونية ومع التطور العلمي المستمر سوف تكون وبشكل كامل بديلاً عن الحروب التقليدية، وهو ما يعني ان الكثير من الأسلحة المهمة حالياً سوف تخرج من المعادلة في المستقبل».
وأضاف: «مؤسساتنا الأمنية بالدرجة الأساس وكافة الوزارات والمؤسسات لابد لها اليوم من توفير أقصى درجات الحماية السيبرانية وتأمينها من الاختراق والتدمير، وهو ما يتطلب توفير عقول عراقية قادرة على إدارة هذا الملف مع توفير الإمكانيات والوسائل التي تساعد هذه العقول على مواجهة أي مخاطر أو هجمات سيبرانية».
وأوضح إنه «حسب المتخصصين فأن جميع الهواتف والأجهزة اللاسلكية التي تحمل بطارية ممكن ان تكون معرضة للانفجارات، وكل الاحتمالات واردة في هذا المجال، وفي العراق لدينا عدد كبير من الهواتف المحمولة والحواسيب داخل الدوائر المهمة، وهو ما يجب الانتباه له جيداً».
ويعتبر الزبيدي أن الخطر الآخر هو «الهجمات الفيروسية الإلكترونية والتي تسبب تدميراً كاملاً للأنظمة والشبكات» لافتاً إلى أن «هناك حربا من هذا النوع تدور اليوم بين روسيا وأوكرانيا، ومقاتليها هم عناصر متفوقة في الأمن السيبراني ويتم دفع رواتب عالية لهم وهو ما يوضح مدى أهميتهم في هذه الحروب».
وأفاد بأن «الحروب التقليدية في طريقها إلى النهاية، وهذا ما تدركه الدول الكبرى التي تعمل على تطوير تقنياتها باستمرار، لذا يجب ان نكون مواكبين لهذا التطور من اجل منع أي اعتداء على العراق وأمنه القومي».
وتقف منطقة الشرق الأوسط أمام سيناريوهات مفتوحة بعد توسّع الحرب في لبنان وتغيير قواعد الاشتباك ومساحات النفوذ في المنطقة، وفق رأي عضو تيار «الحكمة» هشام الحسناوي.
ويضيف لوسائل إعلام تابعة للتيار الذي يتزعمه عمار الحكيم، أن «قواعد الاشتباك وتوزيع المساحات في المنطقة بدأت بالتغير بشكل كبير، اعتمادا على حجم التطورات الحاصلة في المشهد، فسابقا كانت المنقطة تدار بسياسة المحاور وفق توزيع مساحات النفوذ وقواعد اللعبة واضحة، وما بعد أحداث لبنان وسقوط ضحايا وتمترس بعض دول المحور حول مناهج معينة، أعتقد انه يرسم سيناريو جديد باتجاه توزيع مناطق الاشتباك وإعادة توزيع مساحات النفوذ».
وبيّن أن «العراق حكومة وفعاليات سياسية واجتماعية ملتزمة بما جاء في فتوى المرجع الديني الأعلى السيستاني، إضافة إلى موقع العراق الجيوسياسي وخصوصية المشهد السياسي العراقي الذي يختلف كثيرا عن الدول القريبة».
ويرى الحسناوي، بانه «على العراق ان يتحرك وفق محورين؛ وفق رؤية الدولة والحفاظ على استقرار النظام السياسي ورؤية المرجعية وتعاطيها مع المشهد، إضافة إلى موقعه الجيوسياسي وقدراته الحقيقية في قضية التعاطي مع المشهد اللبناني والفهم بما يدور في الشرق الأوسط بطريقة سياسية احترافية وفق توزيع مساحات النفوذ».
وأشار إلى أن «هناك ضوابط وموانع قد تؤثر في طريقة التعاطي مع الصراع، ومنها الانتخابات الأمريكية ودخول روسيا على خط الأزمة الذي قد يغير من ميزان القوى، والمختلف عليه حاليا ما تريده إسرائيل وهو التفاوض تحت النار، بالمقابل إيران وجبهة المقاومة ترفض هكذا تفاوض بالمطلق».
ووفق السياسي العراقي فإن «المنطقة مقبلة على كل السيناريوهات، لكن الماسكين بقواعد اللعبة قد يتحكمون بمصير المنطقة» مبينا أن «الكيان الصهيوني يعاني من عدة مشاكل سياسية واقتصادية، ونتنياهو استفاد من اطالة الحرب للتخلص من المشاكل، ونعتقد ان القضية ستتوقف بان يكون هجوم إسرائيلي على مناطق لبنان وفلسطين وعدم الذهاب إلى مواجهة مع إيران».
وحسب تصريح الحسناوي، فإن «المنطقة ذاهبة- بدخول أمريكا وروسيا وغيرها من الدول- إلى تغيير معادلة الشرق الأوسط، ودول مجلس الأمن أو أمريكا تتعامل مع الشرق الأوسط باستنزاف الدول المتصارعة ووضع دول المنطقة تحت الضغط والاستخدام في حال أي متغير جيوسياسي».