عبد الباري عطوانبعد ان شاهدت حلقة برنامج ‘بانوراما’ التي تضمنت شريطا وثائقيا عن حرب العراق والاكاذيب التي حيكت لتبرير هذه الحرب، وخلق الاسباب والذرائع لتسويقها للرأي العام العربي، والغربي،الامريكي على وجه الخصوص، اصبحت على قناعة مطلقة بأننا كنا، وما زلنا، وسنظل كعرب، ضحية سلسلة من المؤامرات التي تستغل غباءنا، وتدمر اوطاننا، وتنهب ثرواتنا.يتهموننا في الغرب بأننا على درجة كبيرة من السذاجة، نؤمن بنظرية المؤامرة، ونتهم الغرب دائما بأنه خلف كل مصائبنا، ونعفي انفسنا من كل لوم، بينما لا توجد مؤامرة ولا يحزنون، وان وجدت فهي من صنع خيالنا.في البرنامج المذكور الذي بثته محطة ‘بي.بي.سي’ البريطانية جاءوا بنكرات من العراقيين، وخلعوا عليهم الألقاب، احدهم كمهندس في معامل الاسلحة البيولوجية، وآخر كلواء في الجيش كان مسؤولا عن وحدة لحراسة الاسلحة الكيماوية وتجهيزها، وثالث برتبة رئيس وزراء لاحق، قدم معلومات مفبركة لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير لاستخدامها في اكذوبته الاكبر حول وجود اسلحة دمار شامل في العراق، يمكن ان يجهزها الرئيس صدام حسين في اقل من 45 دقيقة للاستخدام ضد خصومه.الآن يكشفون لنا، وبالوثائق، الاكاذيب التي استخدمت لغزو العراق واحتلاله، لكي يظهروا بمظهر ديمقراطي حضاري، ولكن بعد استشهاد مليون عراقي على الاقل، وتدمير البلاد بالكامل، واغراقها في حرب أهلية طائفية، وتسليم اجزاء كبيرة منها للنفوذ الايراني.’ ‘ ‘ألم يخدعنا الانكليز عندما طالبونا بالثورة ضد الامبراطورية العثمانية ووعدونا بالاستقلال واقامة دولة عربية موحدة، ليكافئونا بعد ذلك بوعد بلفور وتقسيم المنطقة ووضعها تحت الانتدابين الفرنســي والبريطاني في اطار مؤامرة سايكس بيكو؟ألم يكن تشجيع اليهود بالهجرة الى فلسطين على مدى 30 عاما وتسليحهم جزءا من نظرية مؤامرة انتهت بإقامة دولة اسرائيل وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين، فإذا لم تكن هذه جميعا ثمرات نظريات تآمرية على العرب والمسلمين، فما هي المؤامرة اذن؟في احد الايام اعترض وزير خارجية دولة خليجية على مقالاتي التي انتقدت فيها التورط العربي في العدوان الامريكي على العراق، وتكرار كل اجتماعات قمة مجلس التعاون الخليجي والقمم العربية الاخرى للرئيس العراقي صدام حسين بضرورة الالتزام بقرارات الامم المتحدة والتعاون مع المفتشين الدوليين وتدمير اسلحة الدمار الشامل التي في حوزته، وهم يعلمون ان هذه الاسلحة لم تكن موجودة، وان كانت موجودة فعلا فهي لحمايتهم، وتحقيق التوازن الاستراتيجي بين العرب واسرائيل اولا، وبين العرب وايران ثانيا.الرئيس صدام حسين كان خارجا من حرب مدمرة مع ايران استمرت ثماني سنوات، وكان يريد بضعة مليارات من الدولارات لانقاذ اقتصاده المنهار، وتعويض شعبه على صبره وتقشفه وشهدائه طوال فترة الحرب، ولكنهم رفضوا مساعدته، وتقديم العون له، بل وشاركوا في حصاره الخانق، ودفعوا اكثر من مئة مليار دولار كتكاليف لحرب تحرير الكويت.الوزير الخليجي قال لي يا أخي هلكتنا بتذكيرنا دائما بأننا ارتكبنا خطأ في العراق، وتحملنا بالتالي مسؤولية تسليمه الى ايران على طبق من ذهب. قلت له هذا ليس خطأ وانما خطيئة كلّفتنا حالة الانهيار والتخلف التي تعيشـــها الأمة العربية حاليا.الآن، وبعد ان شاهدت الاكاذيب والعملاء المتورطين فيها، سواء مقابل تصريح باللجوء السياسي في اوروبا، او وعد بنصيب في كعكة الحكم بعد سقوط صدام، بتُّ على قناعة راسخة بان الرئيس العراقي جرى استدراجه الى مصيدة الكويت من قبل السفيرة الامريكية غابرييل غلاسبي، وان بعض الزعماء العرب هيأوا الاجواء للايقاع به، وهذا لا يعني انه يتحمل المسؤولية الاكبر لعدم وعيه بالاخطار المترتبة على غزوه الكارثي.تتعالى الاصوات في بريطانيا وامريكا بتقديم توني بلير رئيس الوزراء الاسبق، وجورج بوش الابن، الى المحكمة كمجرمي حرب، لأنهما مسؤولان عن كل ما ترتب على حرب العراق من جرائم، ونحن من جانبنا يجب ان نطالب بتقديم كل العراقيين والعرب الآخرين الذين خانوا بلادهم وأمتهم وعقيدتهم، وتعاونوا في تسهيل احتلال بلادهم، والقائمة طويلة في هذا المضمار، والاسماء معروفة للجميع.’ ‘ ‘جميع الحروب والمؤامرات التي تحاك ضدنا كعرب تنطلق لخدمة هدفين اساسيين، الاول خدمة اسرائيل وطموحاتها في البقاء على احتلالها للاراضي العربية، ومنع نشوء اي قوة عربية عسكرية قوية تهدد تفوقها النووي، والثاني الاستيلاء على النفط العربي، والتحكم باحتياطاته وامداداته، وخطوط تصديره، وتدوير عوائده، سواء من خلال استثمارها في الغرب، او صرفها في صفقات اسلحة بمئات المليارات من الدولارات.المؤامرة الجديدة التي تواجهها الامة والمنطقة تتمثل في عملية التحريض والحشد والاستقطاب الطائفي، فحالة العداء بين الشيعة والسنة ابناء العقيدة الواحدة في المنطقة، تفوق نظيرتها بين العرب والمسلمين من ناحية واسرائيل من ناحية اخرى. بعد ان شاهدت كيفية فبركة الاكاذيب والذرائع لغزو العراق، واعترافات سيلفيو برليسكوني ونيكولا ساركوزي عن تضخيم وفبركة الاسباب لتدخل حلف الناتو في ليبيا، اقولها على رؤوس الاشهاد بأنني من المؤمنين بنظرية المؤامرة، مؤامرة الغرب لتدمير امتنا واوطاننا، ولا أمانع ان أُتهم بالتخلف والجهل وعدم التحضر.Twitter:@abdelbariatwan