العرب و’متلازمة ستوكهولم’!

حجم الخط
3

قبل اربعين سنة، قام يون أولسون بأشهر عملية سطو في تاريخ اسكندنافيا الحديث. وقد خطط لها أثناء تواجده خلف القضبان، حيث كان هناك يسدد فاتورة غرائزه العالية. وعندما اقتربت ساعة الصفر كانت إدارة السجن قد أنهت كل الترتيبات اللازمة لقضائه إجازة في الخارج لعدة أيام يروح فيها عن نفسه بلقاء الاهل والاحباب. ولكن السيد اولسون كانت لديه أجندته الخاصه، والمتمثلة بالسطو على بنك ‘كريديت بانكن’ في قلب العاصمة السويدية ستوكهولم.
وهناك خاض معركة عنيفة بالسلاح الناري مع الشرطة انتهت مؤقتا باحتلاله للبنك واحتجازه أربع رهائن هدد بتحويلهم إلى أكوام من اللحم المفروم ان لم تستجب الحكومة لمطالبه، وهي: رشاشان اتوماتيكيان، خوذتان، ثلاث ملايين كرونة، سيارة سريعة، والأهم من ذلك كله، الإفراج فورا عن صديقه كلارك اولوفسون المحتجز واحضاره الى البنك. والأخير هو كتلة متحركة من التوتر والعنف والاجرام، وقد تورط منذ سنواته الأولى في جرائم سطو وعنف وسرقة، وهو الان محتجز ومحكوم لسنوات طويلة لضلوعه في عملية تهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى السويد.
وحفاظاً على حياة الابرياء رضخت الشرطة لمطالب اولسون، وعرضت عليه وعلى صديقه الذي أطلقت سراحه من السجن ترك الرهائن والمغادره بسلام بالسيارة السريعة التي أُحضرت بناء على أوامره. ولكن الخاطفَيْن لم يكونا ساذجين ليوافقا على ذلك، فاستمرت الأزمة ستة ايام انتهت اخيرا بتحرير الرهائن والقبض على الطائشَيْن اولسون واولوفسون.
ولكن المفاجأة التي زادت من شحنة الدراما في هذه القضية كانت المشاعر الودية التي تشكلت عند الرهائن نحو الخاطفَيْن. وقد تمثل ذلك برفضهم الهرب عندما سنحت لهم الفرصة لذلك، وحثهم رئيس الوزراء أولوف بالمه آنذاك خلال اتصال هاتفي من قلب الحدث على التصرف بإنسانية والسماح لأولسون وأولوفسون بالمغادرة بسلام. والأنكى من ذلك كان رفضهم الشهادة في المحكمة، وإصرارهم على أن أكثر ما كانوا يخشونه وهم في الاسر كان قوات الشرطة وليس الجناة.
وقد نبه هذا السلوك الغريب علماء النفس إلى ظاهرة مثيرة أسموها فيما بعد ‘متلازمة ستوكهولم’، وفيها تصبح الضحية متعاطفة مع جلادها الى درجة الدفاع عنه والتضحية من اجله والتعاون معه. وهنا يقوم المستبد بحرمان ضحاياه من أبسط حقوقهم، وعندما يعيد إليهم جزءا منها ينسون أنها حقوق اصيلة، ويخيل لهم انها مِنّة، وبسبب ذلك ينسبون للطاغية فضائل ليست فيه.
وهذا في الحقيقة مرض مزمن مصاب به الملايين في المنطقة العربية. فالأمن والأمان (الهش)، والمياه والكهرباء (المتقطعة)، والجسور والطرق (السيئة) هي كلها في نظر الكثيرين هبات ومكرمات من السيد الوالي، وليس جزءاً من حقوق كثيرة غير متوفرة أصلاً يجب صيانتها وضمانها. وقد خلنا أن النفحات القادمة من تويجات الربيع العربي قد قضت على هذه الرائحة الكريهة، ولكن الأحداث الأخيرة في مصر أثبتت أننا قد أفرطنا بالتفاؤل وأوغلنا برومنسية النضال المدني العربي.
وما ذلك الإرتباط العاطفي الغريب الذي تشكل حديثاً بين شرائح واسعة من الشعب المصري وبين جلاديه السابقين (والحاليين) ليس سوى دليل على ذلك. فلأول مرة يحدث في التاريخ الحديث أن تنادي الملايين وجزء كبير من المجتمع ‘المدني’ بحكم الدولة البوليسية والقمعية.
عمار ابوعرقوب – السويد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد عيسى:

    الرد معتدل , أبن حربة التعبير ؟

    1. يقول محمد عيسى:

      ياعم الله يخليك شعب ثورة 30 يونيو بملايينه لاينادى بحكم الدولة البوليسية وهو يثمن وقوف الجيش معه للقضاء على استبداد الاخوان مثلما وقف بجانبه للقضاء على استبداد مبارك وشعب 30 يونيو يطالب بدولة مدنية دستورية ديمقراطية حقيقية حديثة لا دينية ولا عسكرية ………. لا للعملئم ولا للخوذة … وتسلم الأيادى .. تسلم ياجيش بلادى .

  2. يقول ابو سلمان:

    يعني أنا مش فاهم شو لازم نكتب و نقول للأخ محمد عيسى و أمثاله عشان يفهم أنه واقف بالجانب الخطأ وأن ما حدث لم يكن ثورة وأنه لا يوجد شيئ اسمه شعب 30 يونيو و الباقي جاؤو لمصر عبر خطأ مطبعي في مطابع التاريخ والجغرافيا . . و بعد أن تبدد الحلم لسه محمد وغيره نايمين

إشترك في قائمتنا البريدية