سيطر العسكريون نتيجة سطوهم على الحركات الجماهيرية في عدة دول عربية، مصر، الجزائر، السودان، اليمن. أما ليبيا فقد استغلوا أحداثها لمحاولة السيطرة على مقدّراتها. ومن قبل، تميّزت بعض البلدان العربية بكثرة الانقلابات العسكرية فيها، ولو أخذنا السودان مثلا، فقد وقع فيها أربعة انقلابات وست محاولات بعد استقلالها.
المهم أن العسكريين بدوا ويبدون في ثوب المخلّصين من الأنظمة القديمة، وما يلبثون أن يقوموا بترشيح أنفسهم وفي أثواب مدنيّة، ليكسبوا انتخابات رئاسية في مشكوك في نزاهتها، مرّة أولى، وثانية وثالثة، ولن يزيحهم عن مناصبهم إلا انقلاب عسكري آخر، أو الموت. العسكري الوحيد الذي سلّم السلطة إلى المدنيين هو عبدالرحمن سوار الذهب بعد انقلابه. الباقون يحددون فترات انتقالية لانتخابات رئاسية حرّة، وينسون أو يتناسون مواعيدها، ويصبحون هم القادة وبغالبية انتخابية جماهيرية، وفقا لتقارير ونتائج معدّة سلفاً.
لا يمكن لسلطة عسكرية المفاهيم والأساس أن تقوم بتطبيق العدالة أو الديمقراطية، ولا تطوير البلد في أي مجال. لقد تميّزت البلدان العربية المحكومة من قبل الذين قاموا بانقلابات عسكرية بالأزمات المتعددة، خاصة الاقتصاديّة والبنيوية، ووصول شعوبها إلى حالة من الفقر، وفي كثير من الأحيان الفقر المدقع، باستثناء البطانات التي تغتني بسرقة ثروات البلد، والمريدين والمحسوبين على الأنظمة، إضافة إلى البورجوازية الكبيرة أصلا، التي لا يهمها شكل الحكم، بقدر ميزانياتها وأرصدتها البنكية، وكذلك الشريحة الكومبرادورية التابعة للرساميل الأجنبية، والمغتنية من ورائها.
يؤرّخْ للتسلّط العسكري على السلطة منذ الحكم العباسي في عصره الثاني، عندما خضعت الدولة لسيطرة الجند على مقدراتها، وما رافق ذلك من إضعاف حقيقي للدولة وانحطاطها بشكل عام. أمّا حالة التراجع الرسمي العربي في العصر الحديث، فمرّد ذلك إلى غياب التطبيق الديمقراطي، كجوهر وأسس ومنهج تطبيقي، فتكتفي الأنظمة بأشكال التفافية على المحتوى الديمقراطي الحقيقي، وتحاول إقناع جماهيرها والخارج بالوهم، عدا عن علاقات التبعية المطلقة للخارج في كثيرٍ من الأحيان. بالمعنى العام، صاحب فترة الرئيس جمال عبدالناصر، بدء طرح مشروع نهضوي عربي، انتهي مع قيام ثورة اليمن، ودخول الجانب المصري على الخط، نتيجة المحاربة الفعلية لها من قبل السعودية وأطراف عربية أخرى، وبدأ التحارب العربي العربي فعليا، ثم جاءت هزيمة يونيو/حزيران 67 التي اعتبرت هزيمة للأنظمة العربية بمختلف اتجاهاتها. وهناك من يربط بين نشوء مجتمع ودولة في أي قطر عربي بتحقيق الكيان العربي الكبير، حتى لو على شكل كونفدرالي، أو تنسيقي حقيقي، وليس شكلياً! وهذا في أدنى الحالات لم يتحقق. وقد وصلنا إلى مرحلة جديدة من الصراعات الإثنية والطائفية والمذهبية في أقطار عربية كثيرة، وقاد إلى صراعات واحتراب عربي ـ عربي، في طريقه إلى داخل حدود الدولة ذاتها. لن نبحث في أسباب ذلك فعنصر المؤامرة قائم، لكن الوضع العربي بشكل عام يفتقد إلى المناعة الداخلية التي تعمل على إيجاد حصانة ذاتية لدحر المؤامرة، إضافة إلى وجود أزمة بنيوية في النظام العربي نفسه، حيث يكون قابلاً للاشتعال، إذا ما توفرّت الشرارة التي تبدأ منها الصراعات.
أما عن العصبية والسلطة، فعند الفيلسوف ابن خلدون، الذي تطرّق لمفهوم العصبية وأسباب وجودها أو فقدانها، وانتقل بعدها إلى موضوع حساس ومهم، مبّينا دور العصبية فيه، ألا وهو موضوع «الرئاسة» الذي سيتطور في «العمران الحضري» إلى مفهوم الدولة، فأثناء هذه المرحلة، يوجد صراع بين مختلف العصبيات على الرئاسة ضمن القبيلة الواحدة، أي ضمن العصبية العامة حيث: «إن كل حيّ أو بطن من القبائل، وإن كانوا عصبة واحدة لنسبهم العام، ففيهم أيضا عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشد التحاما من النسب العام لهم، مثل عشيرة واحدة، أو أهل بيت واحد، أو أخوة بني أب واحد، لا مثل بنى العم الأقربين أو الأبعدين، فهؤلاء أعقد بنسبهم المخصوص، ويشاركون من سواهم من العصائب فى النسب العام، والنعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص ومن أهل النسب العام، إلا أنها فى النسب الخاص أشد لقرب اللحمة» (مقدمة ابن خلدون).
الأنظمة العربیة، لا تبني الا مؤسسات عسكریة لحمایتها، ولا تبني مؤسسات مدنیة لحمایة الشعب
ومن هنا ينجم التنافس بين مختلف العصبيات الخاصة على الرئاسة، تفوز فيه بطبيعة الحال العصبة الخاصة الأقوى التي تحافظ على الرئاسة إلى أن تغلبها عصبة خاصة أخرى وهكذا.. ولما كانت الرئاسة إنما تكون بالغلب، فهذا هو سر اشتراط الغلب فى العصبة، ومنه تعين استمرار الرئاسة فى النصاب المخصوص. هذا على الرغم من أن ما سبق، قيل في المجتمعات العربية في أشكالها السابقة – مجتمعات بدوية، قبلية عربية – إلا أن ذلك ينعكس على الوضع العربي الحالي، الذي ما زال متأثّرا في بعض جوانبه بالعشيرة والقبيلة بمفاهيمهما الحديثة، خاصة إذا ما ربطنا ذلك في نظرية نشوء الدولة لابن خلدون ذاته (خمسة أطوار).
حين يسطو العسكريون على السلطة، فهذا يعني تعطيل البرلمانات إن وجدت، وأن لا أحزاب، ولا دساتیر ولا قوانین أیضا، بل دبابات وبیانات عسكریة. دخول العسكر، مثلما رأینا مثلا في السودان والجزائر، یثبت أن الأنظمة العربیة، لا تبني الا مؤسسات عسكریة لحمایتها، ولا تبني مؤسسات مدنیة لحمایة الشعب، وھذا یفسّر ان الطرف الوحید القوي ھو المؤسسة العسكریة التي تدرك في لحظة ما، أن حمایة النظام ذاته امر أساسي، وتغییر وجه النظام فقط ھو السقف الأعلى المتاح والممكن لإسكات الجماھیر. ألیست كارثة أن الإنسان العربي، بعد حوالي عقود طويلة من وجود الدولة العربية (أيّا كان شكلها)، ما زال يفتقد الكثير من الحقوق، والحلّ الذي يُقدّم له هو: تسلم المؤسسة العسكرية للسلطة، كطريق للخروج من أزماته المتنوعة؟ بما یؤشر إلى ان النظام الحاكم لم یسمح أساسا ببناء مؤسسات مدنیة ولا قواعد ثابتة وصلبة للحكم للاحتكام إليها.
على صعيد آخر، بزيّها السوداني التراثي الجميل، وغطاء الرأس الأبيض، وقرطها الذهبي الدائري، شغلت آلاء صلاح الناس، باعتبارها «عروس السودان الثائرة»، و»ملهمة المعتصمين» كما أطلق عليها، بعد انتشار لقطات فيديو تظهر فيها بين عشرات المتظاهرين، تبثّ فيهم آلاء الحماسة، بترديد هتافات وأبيات شعرية. وقفت آلاء بثبات بين جموع المحتجين في الخرطوم، لتردد «شعبي يريد ثورة»، وسرعان ما انتشر المقطع المصور الذي تظهر فيه على مواقع التواصل الاجتماعي، واستأثرت باهتمام الصحف العالمية. واختارت آلاء صالح هتافاتها من صميم التراث السوداني، كما ظهرت في ملابس تقليدية كانت ترتديها الأمهات والجدات السودانيات في ستينيات القرن الماضي، أثناء تظاهرهن احتجاجاً على الديكتاتوريات العسكرية السابقة. ويصف السودانيون المتظاهرة بأنها «كنداكة» وهو اللقب الذي يعني الزوجة الملكية الأولى في حضارة كوش الإفريقية القديمة في بلاد السودان، التي عرفت أيضاً باسم الحضارة النوبية، أو إثيوبيا التي تعني أرض السود أو السودان، وقد ذكر الاسم في العهد الجديد أو الإنجيل في قصة حارس كنوز الكنداكة ملكة إثيوبيا.
بالفعل، فشلت قوى القمع في تحطيم الجماهير، التي انتخت أیقونة الثورة الشباب، وقد هتفت «الطلقة ما تحرق.. یحرق سكات الزول». نعم الجزائر والسودان شكلا الفصل الثاني من الربیع العربي، ولحسن الحظ ان الثورة الجزائریة والسودانیة تیسرت لھا ما تيسر للثورة التونسیة، إذ تخلّى الجیش عن دعم القائد ومحیطه الفاسد، ووقف مع الشعب أو على الحیاد، لكنه للأسف يحاول تسلّم السلطة في البلدين باسم المرحلة الانتقالية. وكما لاحظنا، فحالما یتخذ الجیش القرار بالوقوف مع الشعب، لا یصمد الرئیس المؤبد لساعات. یا لسعادة الشعب الذي یكسب سلما ثمار ثورته وتضامنه وشجاعته، لقد رأینا ذلك في عیون الناس في الجزائر وفي الخرطوم في الأيام الماضية. فرحة النصر بقضیة تسمو فوق كل ما ھو أناني وفردي. والناس یخرجون ویتحلون بالشجاعة والعناد، كما رأینا في كل مكان، ویثقون بقضیتھم، لكن المأساة اذا تمكنت السلطة من زج الجیش في مواجھة الشعب. ھنا تخلو الساحة الدامیة من الجمھور الثائر ومن النوایا الطیبة ومن الحرص على البلد، ویبقى مسلحون لا تدري أین تنتھي خطوط الإمداد والتمویل لھم، وبأي أجندات یخوضون المواجھات، بعد إزاحة الشعب من موقع الفاعل المقرر الى موقع العاجز المتفرج. نعم، الإصرار الجماهيري، المزنّر بالصمود، يكتسب قوّةً مضاعفة، ويرهبُ الطغاة وبطاناتهم وكلّ مؤيّديهم، ويمنع العسكريين في الاستيلاء على السلطة، وإقامة ديكتاتورية بطريقة أخرى (فترة انتقالية، تسلّم رئيس من العسكريين بثياب مدنية، التجديد له، والطوح من أن يبقى للأبد، ولو باختراع قوانين تخرق الدستور) التحية لجماهير أمتنا الأصيلة في ربيعها الحقيقي الثائر، الذي جاء جميلا كفصل الربيع الذي نعيشه.
كاتب فلسطيني
كما قال الدكتور فايز رشيد في مقاله لهذا اليوم ان”العسكري الوحيد الذي سلّم السلطة إلى المدنيين هو عبدالرحمن سوار الذهب بعد انقلابه. الباقون يحددون فترات انتقالية لانتخابات رئاسية حرّة، وينسون أو يتناسون مواعيدها، ويصبحون هم القادة وبغالبية انتخابية جماهيرية، وفقا لتقارير ونتائج معدّة سلفاً”. على الرغم من كون سوار الذهب عسكري غير انه تعهد بعد تسلمه السلطة بأن يتخلى عنها خلال عام واحد لحكومة منتخبة وقد اوفى بوعده. رحمه الله لقد كان رجلاً مخلصاً وصادقاً في كلامه في كل معنى للكلمة.
نعم للكاتب .. ولكن من أعطي لهؤلآء العسكر الضوء الخضر .. الصهاينه مع الغرب وحتي الشرق .
العسكر في عديد من الدول العربيه إنقلابيين ويحبون السلطة المطلقة دون نقاش .. هم ثلة من المجرمين الذين لآ يحترموآ الدستور والقانون ..وهنا واجب علي الشعب الدفاع .. مثال مصر أثناء حكم الملك فاروق كيف كانت حالة المعيشه والحريات ألخ . وبعد إنقلاب العسكر أصبحت مصر كما نري حدث ولآ حرج .