قبل أسبوعين تقريباً اهتزت البلاد، سمعت هنا وهناك تصريحات بأن قائداً في جيش الدفاع الإسرائيلي سرب حكماً على جندي لمدة شهر سجناً بتهمة وجود قطع هامبورغر مجمدة في ثلاجته الشخصية في غرفته، رغم أن هذه الثلاجة كان أعلن عنها الحاخام أو الشاويش كثلاجة للألبان. يا للهول، تهويد، رعب! يا الله، إلى أين وصلنا؟ “طهران هنا”، صرخ الـ 17 معلقاً، بما في ذلك المقابلة التي أجريت مع والدة الجندي البائس. بهذا -أكثر أو أقل- انتهى الموضوع.
قبل نحو شهر من ذلك نشر في وسائل الإعلام نبأ صغير آخر عن جندي حكم عليه تقريباً بنفس العقوبة. ولكن بأي تهمة هذه المرة؟ كان عنوان النبأ في “هآرتس”: “شاب فلسطيني أطلق عليه النار وقتل على الجدار. حكم على ذلك الجندي الذي أطلق النار بشهر خدمة مدنية. اعترف الجندي أنه أطلق النار على الفتى ابن الـ 15، عثمان رامي حلس، دون الحصول على المصادقة على ذلك، وأدين بتجاوز الصلاحيات إلى درجة تهديد حياة بالخطر”.
عمل كهذا يطلق فيه جندي في جيش ما النار على فتى مدني متظاهر، دون مصادقة ودون صلاحيات ثم قتله، حتماً سيسمونه “قتل” في أي دولة غير يهودية، وبأي لغة غير العبرية. إذاً، لماذا تم هنا تحويل مخالفة القتل إلى “تجاوز صلاحيات إلى درجة تعريض حياة للخطر”؟ مصادر في الجيش أوضحت، حسب تقرير “هآرتس”، بأنه “لم يتم العثور على علاقة سببية بين إطلاق النار وبين موت الفتى”. كيف لم يتم العثور على علاقة سببية، فالجندي كان الوحيد الذي أطلق النار على الشاب (لم يكن أي جندي آخر سواه من وحدته تم تقديمه للمحاكمة على إطلاق النار دون مصادقة ودون صلاحيات). ولكن غير مهم، هراءات، حقاً هراءات. بالإجمال.. ولد عربي آخر من بين كثيرين قتل بنار القناصة أو الطيارين. إذاً، هذا يكفي. حقاً لا يجب أن نعمل من هذا الأمر موضوعاً. فهذه الحادثة لم تثر أي ضجة لدى الجمهور، لا تعليقات ولا حذاء عسكري.
ولكن سأقوم الآن بتحديكم قليلاً: قولوا لي، أيها الرجال والنساء، يساريين، أبراراً، أتقياء، متنورين، الذين لستم ليكوديين تماماً، أو دمى… هل يبدو لكم معقولاً أن تفرض العقوبة نفسها ويتساوى فيها القتل سواء كان متعمداً أو غير متعمد، مع جرم حيازة هامبورغر في ثلاجة مخصصة للألبان فقط، تلك العقوبة المتمثلة بشهر حجز أو أعمال خدمة مدنية؟ لماذا تصمتون؟ لماذا لا تقولون شيئاً؟ لماذا تواصلون الخدمة في هذا الجيش؟ لماذا تواصلون بتفاخر نشر صوركم مع أولادكم وبناتكم المجندين في هذا الجيش؟
صحيح، أنتم على حق. هناك في الحقيقة فرق كبير بين الحالتين؛ ففي الأولى يدور الحديث عن تهويد شديد، أما في الحالة الثانية فعن عملية قتل سهلة. هل ستقولون بينكم وبين أنفسكم “حسناً، فهذا جيش، وفي الجيش أمور مختلفة. نحن في الأمور المدنية دولة قانون ديمقراطية ومساواتية… وإلخ”. هذا جميل، يلا، ليكن. والآن هاكم نبأ نشر قبل بضعة أيام في “إسرائيل اليوم”، غير اليسارية بصورة واضحة: “عقوبة مثيرة للغضب لشاب هاجم زوجته. أدين الزوج ثلاث مرات بسبب مهاجمة زوجته الأولى. وعاد إلى سابق عهده مع زوجته الثانية. حكم عليه القاضي بشهر خدمة مدنية”.
إذاً، الآن قولوا لي.. أنتم مستعدون للعيش في دولة تكون فيها العقوبة على القتل المتعمد، وحيازة قطع من اللحم في ثلاجة ألبان، وضرب زوجة للمرة الرابعة، هي العقوبة نفسها، شهر من الخدمة المدنية؟ بالتأكيد لا. صحيح؟ ولكن أنتم، نحن، ما العمل؟ نعيش تماماً في دولة كهذه.
بقلم: كوبي نيف
هآرتس 10/12/2019