إن العقوبات التي فرضتها اسرائيل وستفرضها بعد لا تشهد على قوة بل على ضعف وستضر لا بعلاقة اسرائيل بالسلطة فقط بل بعلاقتها بالولايات المتحدة والدول الاوروبية ايضا ‘الخطوات من طرف واحد سيُرد عليها بخطوات من طرف واحد’، بهذا وعد رئيس الوزراء نتنياهو بعد أن وقع الرئيس الفلسطيني على طلبات فلسطين الانضمام الى 15 وثيقة من 63 وثيقة دولية. وبعد أن أمر بتعويق الرخصة لشركة الهواتف الخلوية ‘الوطنية’ (التي يرأسها إبن محمود عباس) أن تبسط شبكته في قطاع غزة، أمر في يوم الاربعاء المكاتب الحكومية بألا تجري لقاءات في مستوى رفيع مع النظراء الفلسطينيين. يتوقع أن يضاف الى ابراز العضلات هذا باسلوب بلوتو، فصل بوباي، المضايقات المعتادة كابطال بطاقات الاشخاص المهمين لكبار مسؤولي السلطة ورجال اعمال كبار وهي التي تجعل للتعاون الاقتصادي مع رجال اعمال اسرائيليين مضمونا حقيقيا، وتجديد نصب حواجز في الاماكن التي أُزيلت منها من قبل، وتشديد الخناق على الاقتصاد الذي سيوقف تحويل الضرائب التي تجبيها اسرائيل للسلطة الفلسطينية ومقدارها 100 مليون دولار كل شهر. وقد أُعفي من العقوبات (الآن) وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي و’الشباك’ والوزيرة تسيبي لفني التي تمسك بيدها أنبوب التنفس المسدود للمسيرة السياسية. ليست هذه أول مرة يتسلى فيها نتنياهو بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية. لكن لقراره هذه المرة وزنا متراكما قد ينفجر في وجهه ووجه اسرائيل. فقد أخذت ترتفع الاصوات في السلطة الفلسطينية التي تدعو عباس الى نقض السلطة، ويتحدث المقربون منه عن امكانية أن يعلن اجراء انتخابات في موعد قريب في الضفة والقطاع، ولن يعرض ترشحه هذه المرة. صحيح أن عباس هدد في الماضي بنيته الاستقالة لكن في مواجهة الاختلافات الصارخة في فتح وفشل التفاوض، لم يبق لعباس حلم يستحق التحقيق ويستحق الاستمرار على تولي الامور من اجله. وفي مقابل ذلك قد يدفع عباس قدما بالمصالحة مع حماس التي عبر قادتها عن تأييد معلن لـ ‘صموده الصلب’ في مواجهة خطوات اسرائيل. ومن الواضح لعباس أن هذه المصالحة ستترجم فورا الى برهنة على ادعاء أنه لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني، لكن ولأنه لا يُجرى تفاوض أصلا فان توحيد فلسطين تحت قيادة مشتركة في داخل م.ت.ف قد يكون انجاز ولايته الوحيد بعد أن اقتطعت حماس غزة من تحت جناحه. وتبدو المصالحة الآن احتمالا بعيدا، لكن ينبغي ألا نتجاهل أن حماس ولا سيما قيادتها الخارجية تبحث عن بيت وهي غارقة ايضا في مشكلات اقتصادية كبيرة جدا قد تدفعها الى تنازلات سياسية (داخلية) لكن لا سياسية خارجية أو ايديولوجية. ليست المصالحة مع حماس ودمجها في م.ت.ف بالضرورة بديلا عن استقرار الرأي على نقض السلطة الفلسطينية. ففي الحالين ستنتقل المسؤولية المباشرة عن ادارة امور المناطق الى اسرائيل. فهي التي ستضطر الى إعمال اجهزة الصحة والتربية والبنى التحتية وسائر الخدمات الضرورية التي تديرها السلطة وتنفق عليها. وستصبح العقوبات التي فرضها رئيس الوزراء أصلا غير ذات صلة بالواقع لأن المكاتب الحكومية الاسرائيلية ستبحث آنذاك بالشموع عن شركاء فلسطينيين تدير المناطق بوساطتهم. ولا حاجة الى أن نضيف أن المنح التي يُحصل عليها الآن من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والدول العربية لن تكون لاسرائيل بعد ذلك اذا اضطرت الى العودة الى ادارة المناطق كما كانت تفعل حتى اتفاقات اوسلو. إن عباس الذي جاء الى القاهرة أمس ليتباحث مع وزراء خارجية اعضاء الجامعة العربية، طلب منهم دعما سياسيا ومساعدة مالية ثابتة تبلغ 100 مليون دولار كل شهر، للتعويض عن الضرر الاقتصادي الذي ستُحدثه العقوبات الاسرائيلية. لم يُبت قرار في ذلك الى الآن، لكن يبدو أن مجرد عرض الطلب يشهد على أن عباس غير متحمس لفكرة نقض السلطة لأن معناها سيكون ايضا وقف المعركة الدولية لاحراز اعتراف بدولة فلسطينية، أو انضمام فلسطين الى سائر المواثيق الدولية ولا سيما دستور روما الذي يراه عباس عصا تهديد اسرائيل. إن فرض العقوبات الاسرائيلية خاصة مع اصبع الاتهام التي وجهها كيري الى اسرائيل قد تكون من مصلحة عباس في الصعيد الدولي. ويبدو أنه يفضل أن يستنفد هذا الاجراء حتى نهاية الشهر مع فرض أن التفاوض السياسي سيُدفن آنذاك في صوت خافت دقيق. إن العقوبات التي فرضتها اسرائيل وستفرضها كي تثبت جدية شعاراتها الجوفاء، تُستل كالعادة من الخصر في اندفاعة غضب وغرور مُعرضة للخطر لا علاقاتها بالسلطة الفلسطينية فحسب بل بالولايات المتحدة والدول الاوروبية ايضا. ولا يتضح ما هو المقصد الذي تقصده. واذا كان نتنياهو يريد أن يضغط على عباس ليتراجع عن التوقيع على مواثيق الامم المتحدة فانه قد يجد نفسه يواجه توقيعا على دستور روما. واذا أراد أن يبرهن على قوة اسرائيل فان العقوبات خاصة تشهد على ضعف وقصر نظر لأن الفلسطينيين برهنوا في الماضي على أنهم لا يُخوفون باحتلال أقسى.