العكس يا بيبي

حجم الخط
2

عندي صديق يخرج مع زوجته في كل سنة الى اجازة في اوروبا، في فنادق فاخرة عديدة الطوابق. المشكلة هي ان في كل فندق، عندما تخرج زوجته من الغرفة وتتجه الى المصعد، تخطيء دوما في الاتجاه وتتورط في المتاهة الحديثة الى أن تصل الى قاعة المدخل. فقال لها زوجها: «عندما تخرجين من الغرفة، دوما، في كل فندق، وفي كل طابق، قرري الى اي جانب تتجهين – وعندها اتجهي الى الجانب المعاكس.
لعله من المناسب لرئيس الوزراء ان يتبنى هذا التفكير: قبل القرارات المصيرية – فليثق بالغرائز، المكامن، الايديولوجيا/او نسبة المشاهدة، وعندها فليتجه الى الاتجاه المعاكس. ولكن بيبي، المخلص لنظرية الجواد الذي يحتار من أي جرم يأكل، لا يريد أن يقرر. فهو ينتظر، مثل اليهودي والطاغية في النكتة الاخرى، أن تصفى حماس، او تتلقى الضرب فتزحف على ركبتيها الى القاهرة او تستسلم لعدد القتلى، الجرحى وعديمي المأوى. اما حماس من جهتها فتنتظر أن ينكسر بيبي من هجر سكان غلاف القطاع، فيفزع من داعشية حماس التي تقطع الرؤوس في الميادين، او يصل الى خط الصفر في بنك الاهداف في غزة المضروبة.
49 يوما وليلة – 7 ضرب 7، لعلم الرب تعالى اسمه والعقيد فينتر – تتركز النار على بلدات الجنوب. ومنذ استؤنفت النار قتل طفل صغير. وبعض اصيبوا بجراح. كم مرة يمكن ان نشكر السكان على الشجاعة، الدعم والثقة وطلب المزيد من الائتمان للصبر وطول النفس، حين تمطرهم حماس بالنار. لماذا لم يعدوا في سيناريوهات الجارور وضعا يجلي فيه الجيش بنظام وأمان النساء والاطفال المقصوفين والمهددين الى اماكن مرتبة ومعدة مسبقا؟ لماذا يجب سماع وزير الامن الداخلي يتلعثم: «من يمكنه أن يخرج وليس حيويا للكيبوتس – فليخرج»؟ أين المسؤولية عن حياة المواطنين، الذين لم يرفع عنهم تهديد الصواريخ وقذائف الهاون على مدى 49 يوما من القتال؟ الا توجد في خطط الجارور آنف الذكر واحدة للعثور والتدمير لكل مخزونات السلاح الصاروخي على أنواعه؟ هل الاستخبارات تعرف أين يختبىء ومن اين يدير قادة حماس والجهاد الحرب – واذا كان نعم، فلماذا لا يسكتونهم؟
لعل التخطيط التكتيكي يجتاز الان دراسة، اعادة نظر ورفع مستوى متجدد، بعد المفاجأة الحرجة التحت أرضية المتطورة التي بنيت من تحت غزة (ويمكنها أن تفسر للعالم لماذا لم تبني حماس حتى ولا ملجأ واحد لحماية شعبها من القصف) في بداية الحرب.
نعم، هذه حرب، سبعة اسابيع من «العملية» التي نهايتها غير قابلة للتوقع، بينما الطرفان يستجديان «امسكوا بي» ويتوقعان اللحظة التي ينجران فيها، زعما، الى المفاوضات غير المباشرة في القاهرة. حرب. بيبي – بوغي يحاولان مناوشة ليبرمان وبينيت، يكافحان الكابنيت، يحرجهما اليأس الذي يلم بسكان غلاف غزة وامام الجيش الذي ينتظر على الحدود اللا شيء. وهما يؤخران خيار العملية البرية، فلعل رب العقيد فينتر يعمل لانقاذنا بوسائل متنوعة – ولعلنا ننجوا قبل ذلك بفضل الرئيس السيسي الذي هو لنا نوع من «القبة الحديدية».
هما في متاهة. لا في نفق مجازي. بل في متاهة عقلية ووجدانية. انهما عالقان فيها وهي عالقة فيهما. ولهذا فليس لهما خطة استراتيجية والحلم الرطب هو وقف نار آخر. وهما لن يحققا أي أفق سياسي جديد، ولن يرتبطا بالجبهة العربية المعتدلة ويستأنفا المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. من الافضل الاعتياد على العيش بمتاهة. انظروا هنية وشركاه.

معاريف الاسبوع 25/8/2014

اسحق بن نير

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول متاهة المينوتور:

    لن تاتى اوروبا و افريقيا و غيرها للحياة على خط بارليف الشهير باسراطين عش مع الطين و الا سقطت فى الرمال المتحركة

  2. يقول محمد مكدر من المغرب:

    نقول شكرا ايضا يا بيبي لان العكس ايضا ما حصل وما لم يكن منتظرا.
    فلم يكن الشعب الفلسطيني يتمنى فرصة أكبر من هذه لتحقيق المصالحة وجمع الشمل . حقا أن الازمات تقرب الاشقاء وتسقط الحواجز بينهم. فهل كان رئيس الحكومة الاسرائيلية يحتاج الى هذه الزلة التاريخية ليجمع الصف الفلسطيني ويقوي التعاطف العالمي مع القضية وهو الذي خير قبل مدة قصيرة عباس بين استمرار المفاوضات أو اتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية .
    أحداث غزة ضربة موجعة لليمين الاسرائيلي لأنها ستشكل لا شك ضربة مفصلية في الصراع لطالما لطالما انتظرها الفلسطيني ،لكنه لم يكن يعرف كيف تتحقق وبأية طريقة .خصوصا بعد ان لأيقن الكل بأن اسرائيل قد استكملت قوتها الذاتية ووضعت العالم أمام الأمر الواقع ولم يبق أمامها سوى اعلان نهاية وموت الحلم الفلسطيني بتأسيس دولته المستقلة .
    ونحن نرى اليوم كيف يهرع المدنيون في اسرائيل الى الملاجئ وتتكرر الحالة كل يوم ، نتيقن أن اسرائيل بعد أحداث غزة فقدت سطوتها واسطورتها عندما باتت سماؤها مفتوحة بهذه الطريقة المهينة .

إشترك في قائمتنا البريدية