العلاقات الإسرائيلية الصينية.. تنامي يثير غضب واشنطن

حجم الخط
0

القدس – أسامة الغساني: بقلق بالغ، تراقب الإدارة الأمريكية تنامي العلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل؛ ما ينذر بأزمة في الأفق بين الحليفتين تل أبيب وواشنطن، لا سيما في ظل الحرب التجارية المستعرة بين الأخيرة وبكين.

وحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، بزيادة حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بنسبة 56 في المئة، وتتركز هذه الصادرات أساسا في قطاع التكنولوجيا.

وهو ما جاء قبل ساعات من لقاء حديث بين نتنياهو ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، أعرب فيه الأخير عن قلق واشنطن البالغ من تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية، في إشارة إلى بداية شعور الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالضيق من تلك العلاقات.

غضب ترامب 

قلق واشنطن ترجمته قراءات لمحللين إسرائيليين توقعوا أن يثير التقارب بين بكين وتل أبيب وحجم الاستثمارات الصينية المتزايد في إسرائيل غضب ترامب، عندما يضع مستشاروه على مكتبه تقارير حول ذلك التقارب.

تحت عنوان “إسرائيل ستضطر إلى الاختيار بين أمريكا والصين”، كتب المحلل الإسرائيلي، ديفيد روزنبرغ، في “هآرتس”، مؤخرا، مقالا جاء فيه إن “إسرائيل قد تبلغ الصين أنها مجبرة على خفض مستوى علاقاتها معها بسبب الضغوط الأمريكية”.

روزنبرغ أضاف أن القلق الأمريكي تصدر لقاءات بولتون مع مسؤولين إسرائيليين، ومن الواضح أن “إدارة ترامب لن تخوض حربا تجارية مع الصين، وتترك في الوقت نفسه حليفا مهما، مثل إسرائيل، يبرم معها صفقات تجارية”.

تتركز بواعث القلق الأمريكية، على الدور الصيني في إنشاء وتشغيل ميناء حيفا الجديد، ومخاطر استخدامه للتجسس على سفن البحرية الأمريكية التي تزور إسرائيل.

بولتون عبر أيضا عن قلقه من إمكانية تجسس الصين على متصلين يستخدمون وسائل اتصال من إنتاج شركات صينية، خاصة “هواوي” و”ZTE”.

لم يعد القلق الأمريكي خلف ستار، إذ كتب عاموس هارئيل، في تحليل بـ”هآرتس” الأسبوع الماضي، أن المعارضة الأمريكية باتت واضحة، وربما تقيد حرية إسرائيل.

ونقلا عن مسؤولين إسرائيليين، قال هارئيل، في تقرير آخر قبل شهرين، إن مسؤولين أمريكيين عبروا عن غضبهم الشديد من تغلغل الصين في السوق الإسرائيلية.

ونسب إلى الإسرائيليين قولهم إن “الأمريكيين انفجروا غاضبين في وجوهنا، وقالوا إن الولايات المتحدة لن تقبل أن تكون صديقة لدولة تبني الصين لها موانئها”.

الأسطول السادس وميناء حيفا 

هارئيل ذهب إلى أن البحرية الأمريكية ربما تمتنع عن دخول الموانئ الإسرائيلية، تحت وطأة ما وصفه بـ”تسليم إسرائيل مفاتيح موانئها للصين”.

وأوضح أن هذه الأقوال وردت في مؤتمر عقد نهاية أغسطس/ آب الماضي، بمشاركة مختصين أمريكيين، لبحث “قضايا أمنية متعلقة بإسرائيل ومنطقة البحر المتوسط”.

وتحدث في ذلك المؤتمر الجنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي، البروفيسور شاؤول حوريف، الذي تولى سابقا مناصب مهمة، مثل قيادة البحرية، ورئاسة وكالة الطاقة الذرية.

حوريف قال إن على تل أبيب إيجاد آلية لضمان أن الاستثمارات الصينية في إسرائيل لن تشكل أي خطر على أمنها القومي.

ونسب هارئيل إلى مختصين أمريكيين عملوا سابقا في وزارة الدفاع القول إن “إسرائيل فقدت عقلها عندما سلمت مفاتيح ميناء حيفا الجديد للصين.. وعندما تتولى الشركات الصينية إدارة الميناء، فلن تتمكن البحرية الإسرائيلية من الحفاظ على علاقاتها الوطيدة مع الأسطول السادس الأمريكي”.

الشركات الصينية في إسرائيل

قبل ثلاث سنوات ونصف، فازت شركة “SIPG” الصينية بمناقصة لتوسيع ميناء حيفا، على أن ينتهي العمل في المشروع عام 2021، ثم تتولى الشركة الصينية إدارة الميناء، لمدة 25 عاما.

وذكرت “هآرتس” أن شركة صينية أخرى حصلت على عقد لبناء ميناء جديد في أسدود.

وفي صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، كتب البروفيسور جيكوب ناغل، وهو مستشار سابق في الأمن القومي الإسرائيلي، أن “الصين تنظر إلى أبعد من ميناءي حيفا وأشدود”.

وتابع في مقال له مؤخرا أن “الشركات الصينية تسعى إلى الفوز بعقود تنفيذ مشروعات أخرى، مثل شبكة الأنفاق تحت الأرض في منطقة جبال الكرمل الشمالية مع نظام التحكم بها”.

بعد الانفتاح الإسرائيلي على الصين، دخلت عشرات الشركات الصينية السوق الإسرائيلية، خلال العقد الأخير، إما بشكل مستقل أو عبر شراكات مع شركات إسرائيلية.

عملت تلك الشركات في مجالات وسائل النقل والبنى التحتية والزراعة والإنتاج الغذائي.

وفي 2014 استحوذت شركة صينية على الحصة الأكبر من أسهم “تنوفا”، وهي الشركة الرائدة في مجال منتجات الألبان بإسرائيل.

وبحسب ناغل فإن “شركات صينية تسعى إلى الاستحواذ على شركة التأمين الإسرائيلية العملاقة (فينيكس) وشركة اتصالات فضائية مدنية إسرائيلية كبرى”.

ومما يثير قلق المستويات الأمنية الأمريكية، حسب ناغل، هو تقاطع عمل الشركات الصينية مع مشاريع عسكرية إسرائيلية، أو قربها من مواقع استراتيجية إسرائيلية.

كما يثير تطور علاقات شركات الريادة التكنولوجية الإسرائيلية الصينية قلق الأمريكيين، خاصة مع إمكانية استخدام الصين التكنولوجيا الإسرائيلية التي تستوردها في صناعاتها العسكرية، ما قد يساهم في جعل الصين دولة عظمى في مجال التكنولوجيا العسكرية.

خيارات إسرائيل 

مع خروج القلق الأمريكي إلى العلن، وبداية تحوله إلى غضب من تعزيز العلاقات الإسرائيلية الصينية، تواجه تل أبيب ضغوطا أمريكية ستحدد مستقبل تلك العلاقات.

وقال أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية بفلسطين، إن “التدخل الأمريكي كان حاضرا وبقوة عند تخطي العلاقات الإٍسرائيلية مع الصين حدودا معينة”.

وأضاف يوسف، أن التخوف الأمريكي ينصب استراتيجيا وسياسيا وجيوسياسيا حول إمكانية استفادة الصين من التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة، خاصة أن جزءا من تلك التكنولوجيا مصدره هو دول غربية، منها الولايات المتحدة.

من هذا المنطلق، فإن التعاون بين إسرائيل والصين ربما تكون له تبعات خطيرة على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، لما في ذلك من تأثير على توازن القوى في منطقة شرق آسيا، خاصة في ظل استفادة الجيش الصيني من تحسين قدراته العسكرية على حساب حلفاء الولايات المتحدة في الجوار الصيني.

تصاعدت المخاوف الأمريكية بعد تهديدات بكين مؤخرا بشن عمل عسكري ضد تايوان، التي وسعت علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول العالم، ولا سيما الغرب.‎

وعما يمكن أن تقوم به إسرائيل في ظل هذه المعادلة، قال يوسف: “من التجربة نعلم أن إسرائيل تعمل دائما على توفير خيارات متعددة لنفسها، وإمكانية التدخل للحد من تعمق العلاقات الإسرائيلية الصينية قد تكون مهمة صعبة لواشنطن”.

وأرجع هذه الصعوبة إلى أن “إسرائيل ستعمل على تهدئة الغضب الأمريكي من خلال تكرارها التأكيد على أن التكنولوجيا التي تزود بها الصين ستكون لأغراض مدنية فقط”.

وربما تلجأ إلى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ليعمل من خلال مناصري إسرائيل في الكونغرس على تخفيف الضغوط الأمريكية.

ويعزز من الاحتمال الأخير تصريحات ودراسات كشفت عن تنسيق بين اللوبي الصهيوني واللوبي المؤيد للصين في الولايات المتحدة، لذا ربما يعملان معا على عدم تدخل واشنطن، خاصة وأن إسرائيل ترى أن الصين قوة صاعدة في المنظومة الدولية، ولا بديل عن البقاء على تماس مباشر معها. (الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية