العلاقات الروسية-الإسرائيلية: أبعد من «دماء هتلر اليهودية»

حجم الخط
8

تصريحات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، حول دماء هتلر اليهودية وأنّ «المعادين للسامية الأكثر سعاراً يتضح أنهم من اليهود»، ليست أغلب الظنّ زلّة لسان؛ حتى إذا كان الرجل لا يُشقّ له غبار في هذا الميدان، على غرار تصريحه الشهير بأنّ انهيار النظام في سوريا سوف «يغري بعض بلدان المنطقة لإقامة نظام سنّي»؛ وسوف «يؤثر على مصير المسيحيين والأكراد والعلويين والدروز، وقد يمتد إلى لبنان والعراق».
لكنّ التصريحات ليست في المقابل تمهيداً لفظياً يدشن طوراً جديداً من تدهور العلاقات بين روسيا فلاديمير بوتين من جهة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي أياً كانت صفة الأغلبية الحاكمة من جهة ثانية. وللمرء أن يبدأ من دالة صريحة سارعت سلطات الاحتلال إلى إشاعتها، مفادها أنّ سيد الكرملين اعتذر عن تصريحات لافروف خلال اتصال هاتفي مع رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، تضمن أيضاً التهنئة بوتين بـ«عيد استقلال» الكيان الإسرائيلي.
للمرء، الباحث عن أدلة أكثر صلابة ورسوخاً في الزمن، أن يذهب إلى صمت الرادارات الروسية المنصوبة في طول سوريا وعرضها، إزاء الاعتداءات المتكررة التي ينفذها الطيران الحربي الإسرائيلي ضدّ مواقع داخل العمق السوري، وأحياناً على مبعدة أميال معدودة من مواقع عسكرية روسية في مطار حميميم ومينائي اللاذقية وطرطوس والمجمعات السكنية للضباط الروس في صلنفة ومعمل الآزوت الذي بات في قبضة المستثمرين الروس والبوارج الروسية في عباب المتوسط. في عبارة أخرى، العلاقات الروسية-الإسرائيلية أشدّ عمقاً، وأبعد من حيث الاعتبارات الجيو-سياسية والإقليمية والدولية، من أن يعكّر صفوها تصويت إسرائيلي لصالح استبعاد موسكو من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ثابت كذلك، وفي استكمال هذا الجانب من متانة العلاقات بين موسكو وتل أبيب، أن حكومة الاحتلال امتنعت عن تزويد أوكرانيا بأيّ طراز من الأسلحة، متطورة كانت وثقيلة أم تقليدية وخفيفة؛ كما رفضت الاشتراك في أي شكل من أشكال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا، بل يتردد اليوم أنّ موطن المليارديرات الأوليغارشية الروسية الأول هو دولة الاحتلال. ولا يصحّ أن تُنسى هنا زيارة رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو إلى موسكو، أيلول (سبتمبر) 2015، في تزامن دقيق مع بدء التدخل العسكري الروسي لصالح نظام بشار الأسد؛ وكان الهدف الوحيد لتلك الزيارة، غير المبرمجة مسبقاً، هو تثبيت البروتوكولات العملياتية في حال قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بأية عمليات في الأجواء السورية، وضمان عدم وقوع سوء تفاهم بين قاذفات الـ«سوخوي 27» الروسية، والـ»F-15» الإسرائيلية.
وإذا كانت العلاقات الروسية-الإسرائيلية على هذه الشاكلة، وهي بالتالي أبعد من حكاية «دماء هتلر اليهودية»، فإنّ تصريحات لافروف ليست تغريداً خارج السرب تماماً؛ وما يحرص المسؤولون الإسرائيليون على إبرازه لجهة عدم رضا بوتين عن أقوال وزير خارجيته، وأنه شخصياً لا يتفوّه بما هو معادٍ للسامية، إنما تكذّبه حقيقة أخرى ساطعة: أنّ الرئيس الروسي مولع، أشدّ الولع في الواقع، بثلاثة من كبار مفكّري العداء للسامية، أي الفيلسوف إيفان إيلين والمؤرّخ ليف غوميليف والكاتب ألكسندر بروخانوف (وبين أشهر عبارات هذا الأخير قوله إنّ «اليهود استولوا على العالم وهم يستخدمون قوّتهم لصالح الشرّ»).
مغزى أوّل، هنا، ينبثق من نزوع الكرملين إلى دغدغة مشاعر شعبوية كامنة، عميقاً أو سطحياً، في نفوس شرائح غير ضئيلة داخل الشارع الروسي، كما في شوارع شعبية على امتداد دول أوروبا الشرقية؛ لم تنحسر فيها ظواهر الحساسية تجاه اليهود. ولا بأس بالطبع، أو لعلّ من الحكمة تحديداً، أن تُوكل إلى لافروف بعض مهامّ تلك الدغدغة؛ التي، ليس من دون مفارقة، يستطيب تولّي زمامها أيضاً!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    مقال وضع يده على لب العلاقة بين روسيا بوتن ودويلة ما يسمى اعتباطا إسرائيل وهي هنا أرض فلسطين المحتلة،

    1. يقول طاهر ألعرب امازيغي:

      كان الاتحاد السوفياتي اول من إعترف بالصهيونية إسرائيل، وأكبر عملاء الصهيونية، ومن خدموا، وسربوا أسرارا مهمة الى المخابرات الاميركية و الاسرائيليية كانوا من السوفييت…والآن اسرائيل تغزوا سماء سوريا المحتلة من طرف الروس و بمباركة موسكو لضرب ايران داخل العمق السوري و أحيانًا على بعد بعض الاميال من القصر الرئاسي السوري لبشار رئيس الطائفة….الطائفة العلوية…انها دول الممانعة!!!!!
      يضحكني بعض السذج العرب من اصحاب الشعارات الرنانة *مع فلسطين ?? ظالمة او مظلومة* عندما يظنون ان الروس سوف يخدمون\يدافعون عن مصالح العرب…روسيا دولة لا تقل اجراما عن باقي الدول، ان لم تكن احقرهم اجراما على الاطلاق!

    2. يقول طاهر ألعرب امازيغي:

      اخت ميساء، طالما نكن لبعضنا البعض هذا الكم الهائل و الغير مبرر من الأحقاد و الضغائن فلن يكون لنا نصيب من هذا العالم. الجزائر تضغط على اسبانيا (الصليبية) لكي لا تبيعها للإخوان (الشعب) المغربي الغاز، تعترف بسبتة و مليلية انهم اراض اسبانية، تتملق للغرب و تطلب ود الشرق، تشتري اللوبيات الامريكيه و شركات العلاقات العامة بملايين الدولارات من اجل تشويه صورة بعضنا البعض…تمول الجزائر البوليساريو بالمال المؤن و السلاح، منذ 1973 تجلب للمنطقة كل مرتزقة ألعالم من كوبا، ليبيريا، الكونغو…من أوروبا الشرقية، تسعى الى تمزيق المغرب الى دويلات….وكل هذا قبل التطبيع بعشرات السنين….عن طريق مصر جزائرنا الشقيقة تبيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس، و في تسجيل صوتي مسموع يقول الرئيس تبون لوزير خارجية امريكا ان لا مشكل للجزائر مع إسرائيل….
      لهذا تشرذمنا و اصبحنا اكثر عرضة للأطماع الأجنبية…مسلمي البورما، الصين، الهند، الشيشان، البوسنة، إفريقيا الوسطى…لا نسمع لعسكر الجزائر إي إحتجاج نظرا لشراسة الصين، الهند الروس أوروبا و امريكا….
      نقتل اسرائيل بالدعاء و نقتل بعضنا البعض بشتى انواع الاسلحة الفتاكة…قطع الماء، الكهرباء، الغاز، الجو، الاوكسجين…
      فالحون في بعضنا البعض فقط….
      الله غالب!

    3. يقول علي:

      اخ طاهر، هذا أحسن تعليق على من يناصر الروس ضد الاوكرانيين.

  2. يقول جواد:

    امتناع ” اسرائيل” عن تسليح الاوكران هو للصورة و الاعلام فقط، الحقيقة أن امريكا و معها اروبا تنوب عنها في هذه المهمة.
    الروس يدركون أن لصهيون يد و ساعد فيما يصنعه الغرب في اوكرانيا

  3. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي صبحي حديدي. لا أعرف بالضبط لكن كنت أظن أن لهذه التصريحات دلالة أعمق من هذا التحليل الذي ورد في المقال. على جميع الأحوال حرى وإن كان هناك دلالة أعمق فالغالبيةالعظمى من التحليلات تتفق على أن العلاقة بين موسكو وإسرائيل محكومة بالحفاظ على التوافق حول سوريا، شاءت إيران أم أبت، أو بالأحرى أيا كانت جعجة حلف المقاومة والممانعة ههه.

  4. يقول Omar Ali:

    روسيا سواءً ان كانت شيوعيتين او دكتاتورية تحت حكم بوتين تستغل علاقاتها مع العرب من اجل مصالحها الإستراتيجية.
    بالنسبة للحكام العرب طالما ان روسيا او اي دولة أخرى تساعد الحاكم العربي في الحفاظ على كرسي الحكم فليس لهم إي اعتراض على سياسة روسيا او اي دولة اخرى ضد المصالح العليا العالم العربي.

  5. يقول Omar Ali:

    روسيا سواءً ان كانت شيوعيتين او دكتاتورية تحت حكم بوتين تستغل علاقاتها مع العرب من اجل مصالحها الإستراتيجية.
    بالنسبة للحكام العرب طالما ان روسيا او اي دولة أخرى تساعد الحاكم العربي في الحفاظ على كرسي الحكم فليس لهم إي اعتراض على سياسة روسيا او اي دولة اخرى ضد المصالح العليا العالم العربي.
    لم أرسل مثل هذا التعليق من قبل

إشترك في قائمتنا البريدية