يتشدقون في الغرب بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وتتباهى هي باحترامها للقوانين الدولية وشرائع حقوق الإنسان، وتتغنى بطهارة سلاحها! ولكن رغم مرور سبعين عاما على إنشائها، نتساءل هل أن إسرائيل دولة ديمقراطية ؟ أم عنصرية؟ هل تتماهى الديمقراطية مع الاحتلال والقتل والاستيطان والعدوان الدائم على الفلسطينيين والعرب؟ بعيدا عن الرأي المسبق والعاطفة، ووفقا للتحليل العلمي، تعالوا لنحكم.
حسب التاريخ، فإن إسرائيل هي من الدول القليلة على صعيد العالم، التي وقفت مع الأنظمة العنصرية في جنوب إفريقيا، وروديسيا، وأيّدت انقلاب الديكتاتور بينوشيه ضد رئيس تشيلي الشرعي سلفادور الليندي، ثم إن الأمم المتحدة اتخذت في عام 1975 قرارا باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري (ومعروفة ظروف إلغاء القرار) كما أن 26 منظمة وهيئة دولية اتخذت القرار نفسه قبل الأمم المتحدة، فهل كلّ هذه الهيئات خاطئة، وإسرائيل على صواب؟
قانونيا، إسرائيل تفتقد إلى دستور مكتوب مثل باقي الدول، لأسباب أهمها، أنها لا تريد ترسيم حدود دولتها، فالحدود التي تريدها مرسومة كهدف، وعلى المدى البعيد ووفقا للكثيرين هي حدود «دولة إسرائيل الكبرى» باحتلالها مزيدا من الأرض العربية. وللعلم فإن الكثير من الأحزاب الصهيونية كما المؤسسة الدينية بزعامة الحاخامات وأبرزهم كاشتئيل، مازالت تسعى لتحقيق هذا الهدف. إسرائيل استعاضت عن الدستور بقوانين أساس سنتها في السنوات الأولى من إنشاء الدولة. ووفقا لـ»عدالة»- المركز الإسرائيلي لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، يوجد 36 قانونا تمييزيا في إسرائيل، 20 قانونا تميز بشكل واضح وصريح بين اليهود والعرب، و16 منها تميز بشكل خفي. سُئل رابين مرة من الصحافي الهندي كارانجيا عن حدود الدولة الإسرائيلية؟ فأجاب باختصار: حدود دولتنا حيث تصل أقدام جنودنا.
غالبية القوائم الانتخابية الإسرائيلية ترفض قيام الدولة الفلسطینیة والانسحاب من الجولان
لقد أصدرت إسرائيل منذ إنشائها وحتى نهاية 2018 (262) قانونا ومرسوما تمييزيا خاصا، تركزت على أبعاد استراتيجية عامة، مثل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وضم القدس والجولان بهدف إجلاء الفلسطينيين وتوطين اليهود، مثل قانون العودة الذي صدر عام 1950، والذي أعطى الحق لكل يهودي بالمجيء إلى فلسطين كمهاجر، وقانون استملاك الأراضي الذي صدر عام 1952، وهو يخول سلطة الاحتلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية العربية. وصولًا إلى الفترة الحالية التي تتركز فيها القوانين على الحياة اليومية للفلسطينيين، التي يهدف الكيان الإسرائيلي من خلالها لتمتين الهوية القومية اليهودية، وضرب صمود وثبات شعبنا ونضاله الوطني، إضافة إلى مزيد من السيطرة على الأرض وفرض السيادة. ومن القوانين العنصرية، إضافة إلى قانون القومية، هناك قوانين: تبييض المستوطنات ـ ضمها لإسرائيل، منع الأذان، منع استعمال اللغة العربية في المواصلات، قانون الإقصاء (المقصود إقصاء النواب العرب في الكنيست) قانون «كمينيتس» الذي يهدف إلى تسريع هدم البيوت، التي تعتبرها إسرائيل غير قانونية في المجتمع العربي داخل إسرائيل وتعد بعشرات الآلاف، منع دعاة المقاطعة من دخول إسرائيل، قانون الإطعام القصري للسجناء المضربين عن الطعام. قانون رفع العقوبات على ملقي الحجارة. قانون التفتيش الجسدي.. قانون توسيع العقوبات على عرب 48 ممن ينادون بعدم تأدية الخدمة الإجبارية. قانون تشديد العقوبات على إهانة علم الدولة أو شعارها. قانون عدم توثيق التحقيقات الأمنية (يجيز ضرب المعتقلين وتعذيبهم بدون رقيب وبدون توثيق). قانون الإقصاء (المقصود إقصاء النواب العرب من الكنيست). قانون الجمعيات الحقوقية (منع إنشاء بل إغلاق الجمعيات التي تلاحق السياسات الإسرائيلية)، وعلى ذلك قس.
بالنسبة للقضاء الإسرائيلي، فهو قضاء تابع للدولة، فقد اعتبر القضاة الإسرائيليون أن موت المناضلة الأمريكية راشيل كوري كان نتيجة لحادث سببته لنفسها، رغم أن جرافة إسرائيلية هي التي دهستها عن سبق إصرار وترصد، لأنها أرادت منع هدم بيت فلسطيني. بما معناه، أن القضاء يوحي فيما ادعاه: بأن الناشطة الأمريكية هي التي قتلت نفسها، ولسان حاله يضيف « بأنها أرادت إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي»! ولولا أنها توفيت، لتقدم إليها بلائحة اتهام» بإعاقة عمل الجيش الإسرائيلي في مكافحة الإرهاب»، و»بأنها تساند الإرهابيين الفلسطينيين»، وبالتالي: كان قد حكم عليها ببضعة مؤبدات، كالأحكام التي يصدرها من يسمون «بالقضاة» العسكريين للمحاكم الإسرائيلية.الحكم الصادر في قضية كوري ليس الأول من نوعه، فالقضاة الإسرائيليون سبق لهم أن برأوا الجيش الإسرائيلي من جريمة قتل تسعة من الأتراك، وإصابة العشرات بجروح في الاعتداء على السفينة مرمرة، التي كانت تحمل مواد غذائية وأدوية وألعاب أطفال للمحاصَرين في قطاع غزة، تبرع بها ناشطون، وأراد بعضهم مرافقة السفينة لتسليم المساعدات إلى شعبنا في غزة، الحكم يذّكر بغرامة القرش التي حكم بها القاضي على الضابط الصهيوني اسحق شيدمي، الذي وجه الأمر لجنوده بارتكاب مجزرة كفر قاسم عام 1956، التي ذهب ضحيتها نحو خمسين فلسطينيا، بينهم نساء وشيوخ وأطفال وأصيب العشرات من سكان القرية بعاهات دائمة نتيجة الجروح (وقد اعتقد الجنود أنهم توفوا، وإلا لأجهزوا عليهم). الحكم يذّكر بقتل إسرائيل للجنود المصريين الأسرى أحياء في سيناء عام 1967، وبقتل الأسير الفلسطيني صبحي أبو جامع بعد القبض عليه، والتمثيل بجثة الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي، فقد أمسك إيهود باراك (وزير الحرب الأسبق) بالشهيدة من شعرها (بعد استشهادها) وخبط وجهها على الأرض عدة مرّات. ويذكّر بمجزرة قانا والمجازر الفلسطينية ومذبحة بحر البقر، وقد قال بيريز عن ضحايا قانا «إنها الحرب» ولم يجر توجيه تهمة لأي من الضباط والجنود الإسرائيليين عن ارتكاب هذه المجازر، كذلك بالنسبة للجنود الذين قاموا بتكسير أيادي وعظام الفلسطينيين بالأحجار.
وفي الوقت الحالي، فإن غالبية القوائم الانتخابية الإسرائيلية ترفض قيام الدولة الفلسطینیة والانسحاب من الجولان، فقد أعلن قادة قائمة «أزرق أبیض»، التي یتزعمھا جنرالات حرب كبار، وتنافس حزب «اللیكود» وزعیمه بنیامین نتنیاھو على رئاسة الحكومة المقبلة، أن حكومة بقیادتھم لن تنسحب من مرتفعات الجولان العربي السوري المحتل. وبرنامجھا السیاسي لا یتضمن قیام دولة فلسطینیة، بل التمسك بكامل المستوطنات، وحصار الضفة من الجھات الأربع. وتضم قائمة «أزرق أبیض» حزب «مناعة لإسرائیل» الذي أقامه رئیس أركان جیش الاحتلال الأسبق بیني غانتس، وحزب «یوجد مستقبل» بزعامة النائب یائیر لبید. وتضم القائمة في مقدمتھا رئیسي أركان جیش الاحتلال الأسبقین، موشیه یعلون وغابي أشكنازي.. وقد زار الأربعة منذ أيام مرتفعات الجولان العربي السوري المحتل، لیعلنوا من ھناك رفضھم الانسحاب منها. وقالت صحیفة «یدیعوت أحرونوت»: إن حل الدولتین لیس مذكورا في برنامج القائمة، وعملیا فكرة الدولة الفلسطینیة لا تظھر ھناك ابدا. ونقلت الصحیفة عن مصادر في القائمة قولھا، إن موضوع حل الدولتین أثار جدلا بین الجناحین الیمیني والیساري وتقرر في النھایة أنه وإن كان یبذل جھد للسعي إلى استنفاد المسیرة السیاسیة مع الفلسطینیین، الا أن فكرة «دولة فلسطینیة» لن تكون في البرنامج.
بالنسبة للإعلام الإسرائيلي، فهو إعلام تابع للدولة، مهما بدا الهامش الذي تتحرك فيه وسائل الإعلام الإسرائيلي واسعا وديمقراطيا، لقد كتبت عميرة هاس في «ھآرتس» 3/3/2019 . «إن الصحف الإسرائیلیة متعاونة مع سلطات الاحتلال ضد الفلسطینیین، والإعلام یتبنى كالعادة شعارات الدولة مثل شعار «اقتلوا العرب». في نشاط مشترك للجیش الإسرائیلي و»یمام» و»الشاباك» تتم اعتقالات الفلسطينيين بصورة مهينة جدا. واتهمت هاس هذه الصحف وأجهزة الإعلام الأخرى بأنها أبواق للحكومة الإسرائيلية ودعاياتها الكاذبة ضد الفلسطينيين! فماذا بقي من ديمقراطية إسرائيل؟ ألا تتفقون معي بأنها دولة عنصرية؟ وأن كافة مؤسساتها كدولة مشبعة بالقوانين والروح العنصرية؟
كاتب فلسطيني
الشكر للدكتور فايز رشيد على جهوده بتفنيده الرائع بالبراهين الثابتة لأدعاءات الصهاينة والدول الغربية المساندة لهم على كذبة القرن بوصف “اسرائيل” بأنها الدولة الديمقراطية في الشرق ألأوسط. وبأختصار شديد ان اشارة الدكتور فايز بخصوص رد رابين على سؤال وجهه له الصحافي الهندي كارانجيا عن حدود الدولة الإسرائيلية؟ بقوله ” حدود دولتنا حيث تصل أقدام جنودنا” يدل على مدى ديمقراطية دولة العصابات هذه.
مهما كان شكل الاحتلال داخليا او خارجيا فهو احتلال.. و اللهاث للحصول على تفهم او تعاطف ما يسمى بالرأي العام الغربي هو ملاحقة السراب. انهم يعرفون الحقائق و يعرفون العدل و يعرفون التاريخ اكثر من و لكنهم شركاء في الجريمة و يحاولون التغطية عليها و الخداع ما امكن.
الاحتلال مشروع مادي اجرامي في المقام الاول مغلف بقشرة من المباديء المزيفة لا يزول الا بارتفاع الكلفة اي بعدم الجدوى..
شكراً أخي فايز رشيد. قرأت المقال بشغف بحثا عن بارقة أمل. أتفق مع الأخ خليل أبو رزق. لن ينفع التحليل العلمي, لأن الأمور واضحة هنا. فإذا كان وجود إسرائيل نفسه يعتمد على تزوير التاريخ فهل من الصعب تشويه الحاضر؟ ياسيدي العلة فينا أي إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة رغم عنصريتها وجرائمها الواضحة لسبب بسيط لأننا نحن لاشيء سياسيا وعسكريا أيضاً. كمثال الجولان من يطالب بها؟ نظام الأسد, أعتقد أن بشارون أسدوف على استعداد أن يبيع لإسرائيل حلب وادلب في شمال سوريا لا وبل بضم اللاذقية لإسرائيل إذا كان ذلك سيخدم بقاءه في السلطة. ومثال آخر ماذا حقق عرفات والسلطة الفلسطينية من بعده؟ أين أمريكا التي تضمن السلام كما قالها عرفات لمحمود درويش ذات يوم. وماعيب زمامنا سوانا.