بعد إعلان صحيفة معاريف الإسرائيلية أخيرا عن تأسيس حركة إسرائيلية جديدة أطلقت على نفسها “لنغادر البلاد معاً” وأهم زعماء هذه الحركة رجل الأعمال الإسرائيلي من أصل أمريكي “موردخاي كاهانا” يبرز إلى الأمام سؤال هام حول العوامل الطاردة، أي الهجرة المعاكسة للتجمع الاستيطاني اليهودي من جنبات فلسطين المحتلة، حيث تعود أصوله إلى أكثر من مائة وعشرين دولة في العالم.
مقدمات للمغادرة
ثمة تناقضات داخل التجمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة ثقافية واجتماعية، وصولاً إلى التمييز العنصري إزاء اليهود من أصل افريقي، حيث رفضت بنوك الدم الإسرائيلية قبل أكثر من عقدين من الزمن تبرع يهود الفلاشا للدم واستخداماته.
والثابت أنه منذ إنشاء إسرائيل قبل أكثر من أربعة وسبعين عاماً لم يصل إلى سدة الحكم أي يهودي من أصل افريقي أو آسيوي وبالتحديد رئاسة الحكومة لدولة الاحتلال، على أساس أن بناة الدولة الصهيونية هم يهود الأشكناز الغربيون.
ومنذ فترة وجيزة تخطط مجموعة التي تطلق على نفسها اسم “لنغادر البلد- معاً” لنقل عشرة آلاف يهودي إسرائيلي في المرحلة الأولى من حملتها.
ومن بين قادة المجموعة الناشط الإسرائيلي المناهض لبنيامين نتنياهو يانيف غوريليك ورجل الأعمال الإسرائيلي- الأمريكي موردخاي كاهانا.
وقد أعلن كاهانا، الذي نشط تاريخياً في جلب المستعمرين اليهود إلى إسرائيل، لصحيفة معاريف أخيراً أنه “بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا إلى إسرائيل، لقد قررت مساعدة الإسرائيليين على القيام بالهجرة إلى الولايات المتحدة.. لقد حان الوقت لتقديم بديل للحركة الصهيونية في حال استمرت الأمور في التدهور في إسرائيل”.
مزرعة في نيوجرسي
وعرض موردخاي مزرعته في ولاية نيوجرسي لتكون كيبوتس للمهاجرين اليهود من فلسطين المحتلة بعد تشكيل نتنياهو للحكومة الإسرائيلية.
وطالب موردخاي الإدارة الأمريكية السماح لكل إسرائيلي يمتلك شركة أو لديه مهنة مطلوبة في الولايات المتحدة، كالأطباء والطيارين بالهجرة إلى الولايات المتحدة”.
وحسب موردخاي يمكن أن تشمل الهجرة الى مزرعته في أمريكا (10) آلاف يهودي من فلسطين . ومن الأهمية الإشارة إلى أنه قد هاجر من فلسطين المحتلة منذ عام 1948 (450) ألف يهودي منهم (300) ألف إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي وقت سعت فيه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الى جذب مزيد من يهود العالم الى فلسطين المحتلة كمادة بشرية لاستمرار الدولة المارقة ، أخفت المؤسسات الإسرائيلية أرقام الهجرة المعاكسة لليهود من فلسطين المحتلة والتي قدرت بأكثر من 150 ألفا خلال انتفاضة الأقصى، وكذلك الحال خلال الحرب مع حزب الله في تموز/يوليو من عام 2006 حيث وصلت صواريخه الى العمق الصهيوني؛ ودفع عدم الاستقرار الأمني آلاف اليهود وخاصة من جيل الشباب إلى الهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة.
وبشكل عام فإن اهتزاز الأمن في الداخل الصهيوني نتيجة استمرار المقاومة هو عامل حاسم لتسجيل ميزان سلبي للهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، أي أن الهجرة المعاكسة سجلت أرقاما أعلى من الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، وقد حصل ذلك خلال انتفاضة الأقصى التي انطلقت من باحاته المشرفة في نهاية أيلول /سبتمبر من عام 2000 وكذلك خلال الحرب الإسرائيلية مع حزب الله عام 2006.
نضوب الهجرة
وحول آفاق الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين المحتلة، فإنه يلاحظ الانتشار اليهودي في العالم أن غالبية يهود العالم هم مواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، حيث مؤشرات التنمية والرفاه هي أعلى من مثيلاتها في إسرائيل، ولذلك لا توجد عوامل طاردة لليهود من تلك الدول باتجاه فلسطين المحتلة.
ونتيجة عدم وجود عوامل حقيقية طاردة لليهود من بلد المنشأ، وكذلك عدم القدرة على تهئية ظروف أمنية في إسرائيل جاذبة ليهود العالم، يمكن الجزم أن مؤشرات نضوب الهجرة ستطفو إلى السطح بوضوح في السنوات القليلة المقبلة.
تناقضات عميقة
وستشهد الساحة البحثية في إسرائيل انعقاد مزيد من الندوات والمؤتمرات لدراسة وبحث كل السبل لجذب يهود آسيا وأفريقيا بعد تراجع الهجرة اليهودية من الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة في أوروبا، مقارنة بعقد التسعينيات من القرن العشرين الذي شهد زخما كبيرا من الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة خاصة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، حيث بات اليهود من أصل روسي يشكلون وزنا نسبيا كبيرا من مجموع اليهود في إسرائيل في العام 2008. لكن الثابت أنه على الرغم من محاولة دولة الاحتلال لجذب مزيد يهود العالم الى فلسطين المحتلة ثمة مخاوف من هجرة معاكسة يهودية الى خارجها في ظل وجود تناقضات عميقة داخل التجمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة من جهة واستمرار الكفاح الوطني الفلسطيني بأشكاله المختلفة من جهة ثانية.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا