الغارديان: إسرائيل دولة مارقة.. لا تستطيع إعلان الحرب على الأمم المتحدة وتواصل الإفلات من العقاب

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- القدس العربي”: نشرت صحيفة الغارديان مقالاً للمعلّق والصحافي مهدي حسن قال فيه إن إسرائيل شنّت، خلال العام الماضي، حروباً على دول وأراضٍ محتلة متعددة: قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، واليمن، وإيران. وعدا عن الدول والأراضي، استهدفت إسرائيل أيضاً منظمة واحدة محددة بسلسلة من الهجمات الخطابية العنيفة وغير المسبوقة، هي الأمم المتحدة. نعم، لقد شهدنا جميعاً إسرائيل تعلن الحرب على الأمم المتحدة فعلياً.

 وما عليك إلا أن تتأمل سجل الأسابيع والأشهر الأخيرة:

الكاتب: كيف يُسمَح لإسرائيل بالبقاء عضواً في الأمم المتحدة؟ لماذا لم تطرد حتى الآن من منظمة تهاجمها وتقوّضها بلا هوادة، وبلا خجل؟

ندد رئيس وزراء إسرائيل، من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالهيئة، ووَصَفَها بأنها “حقيرة”، و”بيت الظلام”، و”مستنقع من المرارة المعادية للسامية”.
قام سفير إسرائيل، المنتهية خدمته لدى الأمم المتحدة، بتمزيق نسخة من ميثاق الأمم المتحدة باستخدام آلة تقطيع ورق صغيرة أثناء وقوفه أيضاً على منصة الجمعية العامة، وقال لاحقاً إن مقر الأمم المتحدة في نيويورك “يجب إغلاقه ومحوه عن وجه الأرض”.
اتهم وزير خارجية إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة زوراً بعدم إدانة هجمات إيران على إسرائيل، وأعلن أنه “شخص غير مرغوب فيه في إسرائيل”، و”منعه من دخول البلاد”.
عرقلت الحكومة الإسرائيلية بنشاط لجنة تحقيق مفوضة من الأمم المتحدة تحاول جمع الأدلة على هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
البرلمان الإسرائيلي في صدد تصنيف وكالة الأمم المتحدة القديمة، الأونروا، كـ “منظمة إرهابية”.
قصف الجيش الإسرائيلي مدارس الأمم المتحدة، ومستودعاتها، ومخيمات اللاجئين في غزة، لمدة 12 شهراً متتالياً، وقتل 228 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة في هذه العملية. وهو “أعلى عدد من موظفينا قتلوا في صراع واحد، أو كارثة طبيعية منذ إنشاء الأمم المتحدة”، على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة.
يهاجم الجيش الإسرائيلي الآن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان. ووفقاً للأمم المتحدة، “أصيب خمسة من “الخوذ الزرقاء” التابعين للأمم المتحدة الذين يخدمون مع اليونيفيل في لبنان، عندما ألحقت القوات الإسرائيلية أضراراً بمواقع الأمم المتحدة بالقرب من “الخط الأزرق”.

 وتساءل حسن: كيف يمكن أن يكون أيٌّ من هذا مقبولاً؟ أو قانونياً؟

وربما يكون السؤال الأكبر على الإطلاق، كما يقول: كيف يُسمَح لإسرائيل بالبقاء عضواً في الأمم المتحدة؟ لماذا لم تطرد حتى الآن من منظمة تهاجمها وتقوّضها بلا هوادة، وبلا خجل؟

ويستدرك قائلاً: بالتأكيد هناك دول أخرى تنتهك حقوق الإنسان، ولكنها لا تزال تحمل بطاقات العضوية في الأمم المتحدة؛ سوريا، وروسيا، وكوريا الشمالية، على سبيل المثال لا الحصر، لكن لم يقتل أيٌّ منها موظفي الأمم المتحدة بشكل جماعي، ولم يرسل أيٌّ منها دبابات لغزو قاعدة للأمم المتحدة، ولم يرفض أيٌّ منها “الامتثال لأكثر من عشرين قراراً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

ويقول: “مرّت أكثر من 60 عاماً منذ أن تجرّأت أي دولة في العالم على جعل الأمين العام للأمم المتحدة نفسه “شخصا غير مرغوب فيه””.

و لكي يكون الأمر واضحاً: ليس الأمر وكأننا لا نملك آلية لطرد دولة عضو في الأمم المتحدة. تنص المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي:

“إذا انتهكت دول عضو من أعضاء الأمم المتحدة باستمرار المبادئ الواردة في هذا الميثاق، يجوز للجمعية العامة أن تطردها من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن”.

والآن قد يشير البعض إلى أنه لم يتم طرد أي دولة عضو من الأمم المتحدة بموجب المادة السادسة. فضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتحدة، التي استخدمت حق النقض ضد أكثر من 50 قراراً صادراً عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينتقد إسرائيل، منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، لن تسمح أبداً بإصدار مثل هذه “التوصية من مجلس الأمن”.

إن هذا الاعتراض صحيح. ولكن التاريخ يعلّمنا أن هناك حلولاً للالتفاف على حق النقض في مجلس الأمن. وكما أشار أستاذ القانون الدولي، ومستشار وزارة الخارجية الأمريكية السابق، توماس غرانت، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أثناء دفاعه عن طرد روسيا من الأمم المتحدة، في أعقاب الغزو غير القانوني الذي شنّه فلاديمير بوتين لأوكرانيا: “حكم أعضاء الأمم المتحدة في مناسبتين في الماضي على وفد عضو معين بأنه لم يعد صالحاً للجلوس على طاولة المنظمة. وفي كلتا المناسبتين، ارتجلت الأمم المتحدة حلاً”.

وفي عام 1971، صوتت الدول الاشتراكية غير المنحازة في الجنوب العالمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بجمهورية الصين الشعبية باعتبارها “الممثل الشرعي الوحيد للصين لدى الأمم المتحدة”، وبالتالي حلّت محل الممثلين من جمهورية الصين (تايوان)، التي كانت عضواً مؤسساً للأمم المتحدة. وخرجت جمهورية الصين، ودخلت جمهورية الصين الشعبية، وكانت الجمعية العامة، وليس مجلس الأمن، هي التي قررت ذلك.

وبعد مرور ثلاث سنوات، وبالاعتماد مرة أخرى ليس على ميثاق الأمم المتحدة، ولكن على “قواعدها الإجرائية” الخاصة بها، كما أشار محامي حقوق الإنسان، والمسؤول السابق في الأمم المتحدة، شاول تاكاهيسي، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة “لرفض الاعتراف بأوراق اعتماد الوفد الجنوب أفريقي”، و”منع جنوب أفريقيا من المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة” حتى عام 1994.

وكان السببان الرئيسيان اللذان استشهدت بهما الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعليق عضوية جنوب أفريقيا هما ممارستها للفصل العنصري ضد السكان السود الأصليين، واحتلالها غير القانوني لناميبيا المجاورة.

ويتساءل: هل يبدو هذا مألوفاً؟

والأمر الحاسم، كما كتب توماس غرانت، هو أن “التحرك ضد جنوب أفريقيا لم يتبع أي مسار إجرائي دقيق في ميثاق الأمم المتحدة، أو ممارسات الأمم المتحدة القائمة”، وأظهرت الأمم المتحدة كيف “تسود أخلاقيات مرتجلة، عندما تحكم الدول الأعضاء على مسألة مهمة بما يكفي لضرورة اتخاذ إجراء”.

ما الذي أكثر أهمية الآن بالنسبة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة من الهجمات على الأمم المتحدة نفسها من قبل دولة عضو واحدة على سلطة الأمم المتحدة وموظفيها ومقرها وميثاقها!

إذن ما الذي أكثر “أهمية” بالنسبة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة الآن من الهجمات على الأمم المتحدة نفسها من قبل دولة عضو واحدة؟ على سلطة الأمم المتحدة وموظفيها ومقرها وميثاقها؟

يوم السبت، أصدرت أربعون دولة بياناً مشتركاً أدان الهجوم الإسرائيلي السافر والمستمر على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان، ولكن الكلام رخيص. ويتعين على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتحرك.

ويقول حسن إن الحكومة الإسرائيلية ربما ترغب في التظاهر بأن الأمم المتحدة، والجمعية العامة على وجه الخصوص، غير ذات صلة، وعاجزة، ومليئة بالتحيز المعادي للسامية، ولكن إسرائيل ليست موجودة اليوم إلا بفضل قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة. إن إعلان إنشاء إسرائيل، في عام 1948، يشير إلى الأمم المتحدة في سبع إشارات مختلفة، وكلها إيجابية للغاية، وممتنة للغاية.

ومن ثم فإن طرد إسرائيل من الأمم المتحدة، أو على الأقل تعليق مشاركتها في الجمعية العامة كخطوة أولى، من شأنه أن يرسل رسالة قوية إلى سكان إسرائيل، وبقية العالم، وهي:

أن سلطة الأمم المتحدة لا تزال مهمة، وأن حياة موظفي الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام مهمة أيضاً، وأن دولة مارقة واحدة لا تستطيع أن تعلن الحرب على الأمم المتحدة نفسها، وتستمر في الإفلات من العقاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية