الغارديان: الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي سرعت بانتصار طالبان وسقوط كابول

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

ناقشت الباحثة في جامعة إكستر وديعة مهران دور وسائل التواصل الاجتماعي في سيطرة طالبان على أفغانستان. وقالت بمقال نشرته صحيفة “الغارديان” إن مجتمعات الإنترنت ليست بالضرورة للدعاية بل وهي أدوات مهمة في جمع المال والتجنيد.

وأشارت في المقال إلى دخول مقاتلي طالبان العاصمة كابول قبل أسبوعين حيث أنهوا عقدين من الحرب مع القوات الأجنبية والحكومية، مستدركة أن هناك عوامل عدة ساهمت في الانتصار، منها اتفاقية السلام الإشكالية التي وقعتها إدارة دونالد ترامب مع الحركة العام الماضي وغياب الإرادة لدى حكومة كابول لقتال طالبان والفساد المستشري.

وأهم من كل هذا هي استراتيجية طالبان الإعلامية الحديثة. فقبل عام 2001 منعت الحركة استخدام الإنترنت وفككت مؤسسة التلفزة الحكومية وأمرت المواطنين بعدم مشاهدة التلفزيون بالكامل ومنعت الاستماع للموسيقى. إلا أن الحركة وسعت من حضورها على الإنترنت بعد هزيمتها وخروجها من السلطة، ومع عودة التمرد في 2003 قامت بالإعلان عن محطة إذاعية على الإنترنت “صوت الشريعة” التي كان لديها موقعها الخاص، الإمارة. وفشلت كل المحاولات لحجب الموقع، إلا أن “الإمارة” ظل الموقع الرسمي لطالبان، حيث نشرت من خلاله أخبار المعارك وحملت عليه أشرطة فيديو وبياناتها الرسمية. وبعد الهزيمة ركزت طالبان جهودها على إحياء حضورها على الإنترنت أو ما أطلق عليه باحث “الإمارة الافتراضية”.

 ونشرت الحركة مجلة على الإنترنت بعدة لغات، إنكليزية وعربية وبشتو وداري وغيرها. وحملت كل طبعة من هذه المجلة نبرة خاصة لجذب القراء، فالدين تم استحضاره باللغة العربية والإنكليزية أما الحس القومي فقد كان حاضرا في الطبعة الفارسية، في وقت ركز المحتوى بلغة أوردو على الانشغالات السياسية المحلية. وعلى المستوى الدولي قدمت طالبان نفسها كحركة إسلامية وطنية “راديكالية” راغبة بتحقق العدالة الاجتماعية وتقرير المصير وتكافح ضد الإمبريالية.

وكان القاسم المشترك هو محاولة طالبان إضفاء الشرعية على نفسها وكونها البديل القابل للحياة عن حكومة كابول. وقدمت انتصاراتها العسكرية وصورت كفاءة مقاتليها من أجل التأكيد على أهميتها كلاعب إقليمي مهم.

ونجحت طالبان في تشكيل رسائل تهم المواطنين، وهو أسلوب فشل التحالف الدولي فيه. وظلت الحركة منشغلة ببناء حس من الهوية المتجذرة في الثقافة الأفغانية. وكانت استراتيجية ساعدتهم على كسب قلوب قطاعات من الشعب الأفغاني بمن فيه الرموز المحلية المؤثرة ورجال الدين “الملالي” وأعيان المجتمع. وعلى مدى الأسابيع الماضية لعبت هذه القطاعات دورا مهما في إقناع الجنود وقوات الأمن بتسليم أنفسهم لطالبان “أبناء البلد” بدلا من مواجهتهم.

ومن المفارقة أن تحديث البنية التحتية للبلد في مرحلة ما بعد 2001 لعب دورا في توسيع تأثير الجماعة الإسلامية. وبحسب التقديرات الأخيرة فنسبة 80% من الأفغان يعتمدون على الإنترنت، مما وسع مدى تأثير الحركة ودعايتها وعزز جهود التجنيد. وعلى خلفية اختراق تكنولوجيا الاتصالات قامت طالبان وأنصارها باستخدام التطبيقات المشفرة مثل واتساب وتلغرام للتواصل وتنظيم العمليات ونشر التقارير والارتباط بالصحافيين المحليين والأجانب.

واستخدمت طالبان واتساب في تقديم الخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مثل الخط الساخن للجريمة. وكانت القيادة والمجندون والناشطون حاضرين في المنصات الأخرى مثل فيسبوك وتويتر ومنذ أكثر من عقد.  وتبعت طالبان الذكية في استخدام التكنولوجيا خط جماعات العنف الجهادية الأخرى، مثل القاعدة وتنظيم الدولة التي أكدت حضورها على المنصات. وأصبحت المجتمعات الافتراضية مصدرا مهما للتجنيد وجمع التبرعات. وكان من الصعب السيطرة أو وقف هذه النشاطات نظرا لغياب المركزية وعدم الاعتماد على مكان مادي محدد. فلم يكن هناك محطة راديو لقصفها أو إشارة للتشويش عليها أو إعلامي لاعتقاله. وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد “نحاول الاستفادة قدر الإمكان من المؤسسات الحديثة لتناسب احتياجاتنا”.

ولعل السبب الرئيسي وراء نجاح استراتيجية طالبان في العقدين الماضين كان هو قدرتها على توصيل رسالتها بسرعة أكبر من أعدائها. وكانوا قادرين على نشر روايتهم عن الأحداث أسرع من الحكومة الأفغانية والقوات الدولية التي تعاني من قنوات بيروقراطية.

 وأثبتت الإستراتيجية الإعلامية فعاليتها وبخاصة في تشكيل الرواية حول الخروج الأمريكي من أفغانستان واتفاقية واشنطن مع الحركة في شباط/فبراير 2020 والتي تم الترويج لها على أنها انتصار للحركة وبداية النهاية لحكومة أشرف غني.

وفي الحقيقة فتردد قوات الأمن الوطني الأفغانية بقتال طالبان نابع في جزء منه للحرب النفسية التي أدت لتدني معنويات الجنود الأفغان.

وبعد السيطرة على كابول أعلنت طالبان عن حملة علاقات عامة لتقديم صورة مختلفة عن تلك الوحشية التي تميزت باضطهاد النساء وقمع الأقليات. ونشرت رسائل طمأنت فيها الأفغان ووعدتهم بالأمن والأمان. ومع أن طالبان لا تزال محظورة على فيسبوك ويوتيوب إلا أنها جندت عددا من المؤثرين ممن لديهم آلاف الأتباع لتقديم تقارير عن الحياة في كابول تحت حكمهم، بشكل ساعد في تقديم النظام الجديد بصورة إيجابية.

وتحت عين الهواتف النقالة يحاول أتباع طالبان التصرف بأدب، لكنهم يعودون للتحرش والضرب وإساءة معاملة الناس في الشوارع بعيدا عنها. وهناك مخاوف من أن تضعف التكنولوجيا الجديدة الحركة بعدما سرعت في انتصارها. فهناك مخاوف من منع منصات التواصل الاجتماعي ولهذا السبب بالضبط. ولن تكون أفغانستان أول بلد في المنطقة يلجأ لهذا. وفي الوقت الحالي فمنصات التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الرئيسية لمقاومة حكم طالبان وهي الوسيلة الوحيدة للمدنيين لرفع أصواتهم. ولو قررت طالبان فرض قيود عامة على حركة المعلومات الخارجة من أفغانستان فستغلق آخر نافذة أمل لملايين السكان في البلد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية