الغارديان: انزلاق تونس لمسار ديكتاتوري يجمع ما بين القمع السياسي والتحريض العنصري

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن- “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده سايمون سبيكمان كوردال، قال فيه إن الديكتاتورية التونسية أخذت منعطفا جديدا بملاحقة المهاجرين. واعتبر الكاتب أن المهاجرين يعيشون في رعب داخل تونس، وسط ترحيب الكثيرين في البلد بسيطرة قيس سعيد على السلطة.

وأشار إلى مجموعة من الرجال والنساء من سيراليون تجمّعوا في خيام خارج بناية منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في تونس العاصمة. ويمكن سماع الأطفال الصغار وهم يضحكون من تحت النايلون الرخيص والبطانيات التي لف بها الآباء أنفسهم اتقاء للبرد والريح الباردة التي تهبّ من البحيرة القريبة.

وقال شاب لم يفصح عن اسمه: “جاءوا إلينا بالسكاكين والسواطير، سرقونا، دقوا على الباب وجرّونا من شقتنا… نحن الآن هنا”، مشيرا إلى المئات الذين تجمعوا حول الخيام. ويعيش المهاجرون الأفارقة حالة رعب منذ 21 شباط/ فبراير، عندما ألقى الرئيس قيس سعيد خطابا ناريا وعنصريا زعم فيه أن الهجرات غير  الشرعية من مناطق أخرى في القارة الأفريقية هي جزء من مؤامرة دولية لتغيير شخصية تونس.

وفي الأيام والأسابيع التي أعقبت الخطاب، يقول المهاجرون الأفارقة إنهم طُردوا من منازلهم، واعتقل المسؤولون التونسيون، الأطفالَ في رياض الأطفال، وتمت مداهمة أحياء بكاملها. ولم يغادر الكثير من المهاجرين منازلهم خوفا من الاستهداف. ودفع مستوى التهديد هذا دولا مثل مالي وغينيا وساحل العاج لتنظيم رحلات لنقل مواطنيها في تونس.

وتقول الصحيفة إن خطاب سعيد هو آخر هجوم على الأعراف الديمقراطية. وأخذ خطابه في الأشهر الماضية يتسم بالديكتاتورية، فقد اعتقلت قوات الأمن رموزا سياسية بارزة وشخصيات إعلامية، بشكل جعل منظمات حقوق الإنسان والمراقبين الدوليين يشعرون بالخوف من أن القليل الذي تبقى من الربيع العربي تم سحقه.

وتقول الصحيفة إن القمع ضد المهاجرين والمعارضين لقي ترحيبا في أحياء الطبقة العاملة التي يعاني أبناؤها من آثار الأزمة الاقتصادية. وقالت شيماء أنور، صاحبة كشك في سكرة، القريبة من تونس: “ندعم الرئيس دائما، وندعمه أكثر بعد الاعتقالات الأخيرة… هو يقوم بتنظيف البلد”. وقالت إن الناس يريدون استعادة أموالهم، مرددة الشكاوى حول فساد المؤسسة الحاكمة، وأشارت إلى أن نقص الطعام وزيادة الأسعار هي نتائج عن رفض الشباب العمل.

ورحب آخرون بعودة القوات الأمنية التي كانت مرّة “كلاب الهجوم” لزين العابدين بن علي الذي أطاحت به ثورة عام 2011، وفق وصف الصحيفة.

وقال جوهر، صاحب مقهى محلي: “عادت الشرطة.. لقد اختفوا ولكنهم عادوا”.

ويقول الكاتب إن هجوم سعيد على المهاجرين غير الشرعيين، حدث في سياق صعود الحزب القومي التونسي الذي يتبنى خطابا عنصريا ضد المهاجرين منذ الأول من شباط/ فبراير. وغمر الحزب منصات التواصل بنظريات المؤامرة  وفيديوهات تم تحريرها بطريقة مشبوهة، وشجعت التونسيين على الإبلاغ عن أي جيران مهاجرين غير شرعيين قبل أن “يستعمروا” البلد، وهي نفس اللغة التآمرية التي تبناها سعيد. وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية التي كشفت فشل الرئيس في حشد الدعم، نُظّم احتجاجان في نهاية الأسبوع، كل منهما حاول الحصول على الشرعية من خلال عدد المشاركين.

ففي يوم السبت، حشد الاتحاد العام التونسي للشغل، آلاف المحتجين. وهي تظاهرة قوة احتوت في داخلها على دعم للمهاجرين غير الشرعيين الأفارقة. وفي اليوم ذاته، نظمت جبهة الخلاص الوطني تظاهرة حشدت فيها المئات احتجاجا على اعتقال أعضاء في قيادتها، والمطالبة بتنحي الرئيس سعيد.

وفي أحياء الطبقة العاملة في سكرة مثلا، حيث يعيش معظم المهاجرين غير الشرعيين، تم نشر قصص للسكان حول المهاجرين بأنهم تجار مخدرات ويبيعون زوجاتهم وصديقاتهم لبعضهم البعض، ويشترون القوارب ويأخذون مزيدا من المهاجرين إلى أوروبا. لكن الهجوم على المهاجرين غير الشرعيين ترك أثرا آخر، وهو عودة الجيل الشاب الذي لم يتحرك لمعارضة استيلاء سعيد على السلطة، رغم ازدراء هذا الجيل للمؤسسة الحاكمة السابقة.

وتساءلت هند الشناوي، من المنبر ضد الفاشية: “لماذا قررنا الخروج؟ لأن هذه هي المرة الأولى منذ ولادة الجمهورية، التي يلجأ فيها رئيس لاستخدام الخطاب العنصري الذي يميّز ضد الضعفاء والمهمشين”، مضيفة: “نعتقد أن خطاب سعيد شرعن كل المجرمين وكل الجرائم ضد مجتمع السود في تونس، بمن فيهم التونسيون السود ضحايا الأفعال العنصرية”. وتابعت الشناوي: “من المفترض أن يحترم الرئيس حقوق الإنسان والقانون. لم نتوقع استخدامه هذا التطرف بدون تفكير في العواقب”.

مطالب بتدخل بريطاني

تقرير آخر في “الغارديان” نقل فيه المحرر الدبلوماسي باتريك وينتور عن ابنة السياسي التونسي، وأحد قادة النهضة البارزين، سيد فرجاني، الذي عاش في بريطانيا 20 عاما، قولها إن والدها سُجن بدون أدلة، وطالبت النواب البريطانيين بالتدخل للإفراج عنه بعد اعتقاله ضمن حملة إسكات المعارضين.

وعاش الفرجاني (68 عاما) في بريطانيا كمنفيّ سياسي، قبل أن يعود إلى تونس التي تحررت من الديكتاتورية عام 2011.

وقالت كوثر فرجاني، ابنة “سيد” المقيمة في لندن، إن “انزلاق البلد لديكتاتورية فاشية يعتبر واحدا من مآسي السياسة الحديثة”. وحثت النواب البريطانيين على مناشدة وزارة الخارجية من أجل عمل المزيد والمطالبة بالإفراج عنه، وقالت إنه معتقل بناء على اتهامات واهية.

اعتقل فرجاني في 27 شباط/فبراير، ورغم  التحقيقات المكثفة، لم يتم إثبات أي تهمة ضده. وسجن الفرجاني وعُذب أثناء حكم نظام بن علي، مما قاده لطلب اللجوء السياسي في بريطانيا منذ عام 1989، حيث عاش عقدين هناك. وعاد إلى تونس بعد الإطاحة ببن علي. ونظرا لالتزامه بتونس، لم يطلب ازدواجية الجنسية في بريطانيا.

وقالت كوثر فرجاني: “حقيقة اعتقاله كسجين سياسي من نظام سعيد تدعو للقلق، ويجب على المجتمع الدولي شجب ذلك”. وأضافت أن والدها نُقل مباشرة للمستشفى بعد اعتقاله، ولكنه عاد للسجن الآن. وأضرب سيد عن الطعام بعد اعتقاله، وسيلتقي بمحاميه اليوم الإثنين لمناقشة التهم الموجهة له.

وقالت كوثر: “كسياسي منتخب، وقيادي بارز في السياسة التونسية، لعب والدي دورا محوريا في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس منذ الربيع العربي. واعتقاله إلى جانب 16 سياسيا هذا الشهر، بمن فيهم سياسيون وصحافيون وقضاة، هو قمع صارخ للأصوات المعارضة”. وأضافت أن “تونس تسير نحو مسار ديكتاتوري مثير للقلق، ومن المهم أن تتحدث بريطانيا ضد هذا”.

ومن بين المعتقلين أيضا، نور الدين البحيري، أحد رموز حركة النهضة البارزين، ونور الدين بوطار، مدير إذاعة موزاييك أف أم. وارتبط اعتقالهما رفقة آخرين مع قضية “إنستالينغو” وهي شركة إعلامية مقرها في تونس، وتم التحقيق بها واعتقال العديد من العاملين فيها، حيث وُجهت لهم اتهامات بارتكاب “أفعال خطيرة ضد الدولة”.

ونفت الشركة أي علاقة مع حركة النهضة، وقالت إن الحالة تم استخدامها سياسيا من قبل سعيد. وضمت قائمة الاعتقالات المدعومة من الدولة، صحافيين ومدونين وصحافيين غير متفرغين، وساسة من بينهم زعيم النهضة راشد الغنوشي، وابنته وصهره رفيق عبد السلام، والمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي، حيث تم الإفراج عن بعضهم والتحفظ على آخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    يحاسبون تونس ولا يحاسبون مثلا بريطانيا وفرنسا على ما تفعلانه بالمهاجرين العرب الأفارقة ????

إشترك في قائمتنا البريدية