لندن- “القدس العربي”:
لم يتخل الرئيس دونالد ترامب عن عاداته في تغليب القومية والمصالح الانتخابية في خطاباته حتى في ظل مواجهة العالم أزمة وباء لفيروس كورونا المستجد.
ويقول ديفيد سميث إن ترامب بدأ خطابه ليلة الأربعاء كأي زعيم يلقي خطابا للأمة قبل أن يتحول للحديث عن الغزو الأجنبي لبلاده.
وقارن سميث بين خطاب ترامب في كانون الثاني (يناير) 2019 الذي نقل من مكتبه البيضاوي ببث مباشر على شبكات التلفزة، خاصة أن المكتب هو منبر مقدس للرؤساء الأمريكيين يلقون منه كلماتهم المهمة، وفي ذلك الخطاب أكد أن جدارا بين الولايات المتحدة والمكسيك هو الحل الوحيد لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين الخطيرين إلى أمريكا.
وفي خطابه الثاني ليلة الأربعاء لم يتخل ترامب عن خطابه الداعي لمقاومة الغزو الأجنبي، وحمّل أوروبا مسؤولية انتشار فيروس كورونا المستجد.
ولكن مشكلة الرئيس أن الفيروس موجود في أمريكا وينتشر. والرسالة التي قدمها الرئيس البالغ من العمر 73 عاما وصاحب عادة التنفس من أنفه أثناء الكلام، لم تكن قصة عن الصحة الجيدة والإنجازات العظيمة، بل وبدا غير مرتاح لقراءة النص المكتوب له على الشاشة.
ويعلق سميث أن الخطابات التي يلقيها الرؤساء الأمريكيون من المكتب البيضاوي تعتبر لحظات مهمة للرئيس الذي يتصرف كقائد أعلى للقوات المسلحة أو الرجل الذي يواسي الأمة في نكباتها. فبعد مقتل طاقم المركبة الفضائية “تشالنجر” عام 1986 وعد الرئيس رونالد ريغان قائلا: “لن ننساهم أبدا ولا حتى آخر مرة شاهدناهم فيها، هذا الصباح حيث كانوا يحضرون أنفسهم للرحلة ويلوحون لنا وداعا وتركوا الأرض العابسة ليلمسوا وجه الله”.
كما وألقى جورج دبليو بوش عددا من الخطابات من نفس المكان بما في ذلك خطابه ليلة هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وألقى باراك أوباما ثلاث خطابات من المكتب البيضاوي.
وعادة ما يرفض ترامب الالتزام بالتقاليد، ولكنه ليلة الأربعاء ارتدى بدلة زرقاء وقميصا أبيض وربطة عنق زرقاء منقطة- وليس ربطة عنقه المفضلة ذات اللون الأحمر. ووضع شارة العلم الأمريكي وكان وجهه أحمر وخلفه صور، منها صور والديه وأعلام وستائر ذهبية.
وفي الساعة 9.02 مساء، بدأ كما يبدأ الرؤساء في العادة “أيها المواطنون الأمريكيون”. وبعد ذلك انتقل إلى موضوعاته الأهم من الفيروس، وقال إن الوباء “بدأ في الصين” وينتشر الآن في كل أنحاء العالم ” وهذا أكبر جهد شامل وقوي لمواجهة فيروس أجنبي في التاريخ”، وليس فيروسا ولكنه أجنبي.
ووصف الرئيس قراراته الشاملة التي فرضها على السفر إلى الصين. وبدلا من التعاطف والتضامن مع حلفائه الأوروبيين، قال إن الإتحاد الأوروبي “فشل باتخاذ نفس المحاذير ومنع السفر من الصين وبقية البؤر الساخنة. ونتيجة لهذا انتشرت عناقيد جديدة في أمريكا والتي زرعها المسافرون من أوروبا”.
وأعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستمنع السفر من وإلى الدول الأوروبية لمدة 30 يوما باستثناء الأمريكيين من أصحاب الإقامة الدائمة وعائلات المواطنين الأمريكيين بعد خضوعهم للفحوص الطبية. واستثنى بريطانيا التي لديها حالات أعلى من بعض الدول الأوروبية، فهل ترتيبات ما بعد البريكسيت هي السبب؟ ثم مضى الرئيس متحدثا بطريقة فجة قائلا إن “هذه المحظورات لن تطبق فقط كمية ضخمة من التجارة والشحنات بل وعلى أشياء أخرى بعد المصادقة عليها”.
وكلام كهذا قد يقود إلى حالة فزع في الأسواق العالمية، مما أدى به لاحقا لكتابة تغريدة عاجلة قال فيها إن التجارة والأعمال لن تتأثر بالقيود التي فرضت خلال 30 يوما، فهذه القيود تمنع الناس لا البضائع.
ويعلق سميث أن ترامب تحدث عن الفيروس وكأنه جيش أجنبي أو شبكة إرهابية “لن يحصل الفيروس على فرصة ضدنا” و”لا توجد أمة جاهزة ومصممة مثل الولايات المتحدة”. ورغم إلقاء الخطاب في حالة طوارئ إلا أن الرئيس لم يقاوم رغبة الحديث عن الحملات الانتخابية “بسبب السياسات الاقتصادية التي طبقناها خلال الأعوام الثلاثة الماضية فقد أصبح لدينا أعظم اقتصاد في العالم” و”هذه ليست أزمة مالية بل لحظة مؤقتة سنتجاوزها معا كشعب وكعالم”.
ولم ير الكثير من المراقبين في خطاب الرئيس ما يدعو إلى الطمأنة، وقالت سوزان غليسر، الكاتبة في مجلة “نيويوركر” في تغريدة لها: “اللغة العسكرية والقومية في خطاب ترامب هذه الليلة مدهشة “فيروس أجنبي” وعزل الصين وأوروبا”.
وكتب ديفيد ليت، كاتب خطابات أوباما: “ككاتب خطاب رئاسي سابق، فتحليلي الهادئ هو أنه يريد قتلنا جميعا”. ولم يستغرق خطاب ترامب الثاني سوى عشر دقائق وبالنسبة لملايين المشاهدين لم يكن مطمئنا.