لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “الغارديان” تقريراً لمراسلها في نيويورك كريس ماكغريال قال فيه إن دبلوماسياً إسرائيلياً ضغطَ على كلية أمريكية معروفة في نيويورك لإلغاء مساق دراسي بشأن الأبارتهايد/ الفصل العنصري، وفي ما إن كانت إسرائيل تمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وقالت الصحيفة إن القنصل الإسرائيلي للدبلوماسية العامة في نيويورك يوفال دونيو- جدعون اتخذ خطوة غير عادية، واتصل مع كلية بارد، بداية هذا العام، معترضاً على مساق دراسي باسم “أبارتهايد في إسرائيل- فلسطين”، وعلى أرضية أن المساق خَرَقَ تعريف معاداة السامية المثير للجدل، الذي صاغه التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست.
وعندما دافعت الكلية عن المساق، تعرّضتْ لضغوط من الجماعات المؤيدة لإسرائيل، ومن أحد المتبرعين على الأقل. واستقال متعهد العقارات روبرت إبيستين، وصاحب شركة بوسطن سيلتكس، من مجلس بارد احتجاجاً على رفض الكلية إلغاء الموضوع. وتم تصميم المساق لكي يدرسه ناثان ثرول، الكاتب الأمريكي- اليهودي الذي يعيش في القدس.
بوتستين: لماذا يشعر المجتمع اليهودي الأمريكي بالخوف من نفس النقاش والجدال الذي يحدث في إسرائيل!
وقال ثرول: “اتصل القنصل الإسرائيلي مع بارد، وقال إنه يريد إلغاء المساق، وكان هناك ذكر لتعريف معاداة السامية حسب التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، والذي يعني بشكل معياري إسكات النقد لإسرائيل”. و”عندما تحدث القنصل مع بارد قالوا بشكل واضح إنه نخشى لو لم نجعل من هذا مثالاً فإن حصصاً كهذه ستنتشر مثل الفطر في كل الولايات المتحدة”.
وأكد مدير الكلية ليون بوتستين أن دونيو- جدعون “اتصل، وسأل عن المساق، واعترض عليه”. وأضاف: “كان أمل القنصل هو الحديث معنا لإلغائه، وجادلَ بأن المساق غير مناسب، وكان النقاش مؤدباً، وانتهى بهذه الطريقة”. وأضاف المدير: “وقفنا مع الحرية الأكاديمية، وكان المساق ممتازاً، وعلى مستوى عال، وليس مجرد دعوة أيديولوجية”.
وقال بوتستين إنه لم يرَ أي شيء غير مرغوب فيه من تدخل القنصل، وعندما سئل إن كان دبلوماسيون أجانب اعترضوا على المقرر الدراسي في بارد أجاب: “أنا متأكد، ولكنني لا أستطيع التذكر”.
وتدير جامعة بارد شهادة جامعية مشتركة مع جامعة القدس الفلسطينية، ومنحت ثرول زمالة لكتابة كتابه الأخير: “يوم في حياة عابد سلامة: تشريح لمأساة القدس”، ودعتْه الكلية لكي يدرّس المساق، واقترح ثرول مساقاً بشأن الفصل العنصري في إسرائيل للفصل الدراسي بالربيع.
وبني المساق على الأدلة المتزايدة عن خرق إسرائيل للقانون الدولي ضد الفصل العنصري، بما في ذلك تقارير من منظمات حقوق إنسان إسرائيلية، مثل بيتسليم ويش دين التي استنتجت أنه “تم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفصل عنصري في الضفة الغربية”.
وفي أيلول/سبتمبر قام مدير الموساد السابق تامي باردو، مع عدد من الإسرائيليين البارزين، بمقارنة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية بنظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
وقال ثرول إنه لم يتم الاعتراض على المساق إلا عندما أثارت تغريدة لمنظمة حقوقية الانتباه إليه. وفي تلك اللحظة اتصل دونيو- جدعون بالكلية، عبْر الحاخام أولاً، وقال ثرول إن الدبلوماسي الإسرائيلي “قال إن المساق يتناسب مع تعريف معاداة السامية للتحالف الدولي لذكرى الهولوكوست”، ومن بين الأمثلة التي يقدمها التعريف هذا لمعادة السامية هو “الزعم بأن وجود دولة إسرائيل هي محاولة عنصرية”. وجاء تدخل القنصل في وقت كانت فيه الحكومة الإسرائيلية تهدد بنشر قائمة “بالجامعات التي تعتبر الأكثر معاداة للسامية في الولايات المتحدة، وذلك لفضح المؤسسات التي تنشر مواقف معادية لإسرائيل، والتي لا يشعر فيها الطلاب اليهود بالأمان”.
ولم ترد القنصلية الإسرائيلية في نيويورك على أسئلة الصحيفة.
قال بوتستين، مدير أوركسترا أمريكية معروفة، إن ضغوطاً جاءت من أطراف أخرى، حيث كان متعهد العقارات إبيستين، وعضو المجلس السابق، “معارضاً جداً”. و”بعد محاورة معه قرر الاستقالة من المجلس، وأصدر بياناً قوياً حول المساق الذي استقال بسببه، وفشلت في إقناعه بالقرار الخطأ الذي اتخذه. ودعوته لزيارة الحصة، ولكن هذا موضوع تكون فيه العواطف حامية، وعادة ما تعميهم عن النظر للموضوع بطريقة غير عاطفية، أو الاستماع لرؤية النظر الأخرى”.
زعمت رابطة مكافحة التشهير أن “كل أساس المساق هو التشهير ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل الديمقراطية”
ولا يعرف بوتستين إن كان إبستين سيواصل التزامه بدعم الكلية بـ 2.5 مليون دولار. ورفض إبيستين التعليق، وهو مفوض وطني للجماعة القوية المؤيدة لإسرائيل رابطة مكافحة التشهير، وكانت زوجته إيستر المديرة السابقة لمجلس الرابطة. وحاول مدير الرابطة الحالي جوناثان غرينبلات الضغط على الكلية في ما يتعلق بالمساق، ووصف بوتستين الحوار الذي دار بينها بالحاد: “لم يكن منفتحاً على الحوار، ولم يكن حضارياً في الحوار، ورفض دعوتنا لزيارة الحصة وأن يرى بنفسه ما يناقش، واتصل بنيّة الضغط علينا لإلغاء المساق”.
وفي بيان من الرابطة لـ “الغارديان” جاء أن غرينبلات اتصل ببوتستين لكي “يعبّر له عن مظاهر قلق جادة بشأن المساق”. وجاء في البيان: “كل أساس المساق هو التشهير ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل الديمقراطية”، و”في وقت تتزايد فيه معدلات معاداة السامية في الولايات المتحدة، معظم الحوادث الأكثر تحريضاً تجري في حرم الجامعات. ولا تعتذر رابطة مكافحة التشهير عن دفاعها عن إسرائيل والشعب اليهودي، وسنواصل العمل بدون كلل ضد جهود نزع الشرعية عن إسرائيل، وشيطنة اليهود وسنتمسك باعتقادنا، وأن مساقات كهذه يجب ألا توجد، لأنها تقوم على أكاذيب”.
وهوجم المساق من قبل جماعات يهودية محلية، مثل الفدرالية اليهودية في مقاطعة ألستر، والتي كتبت لبوتستين بأن المساق “مثال غير مستساغ عن معاداة السامية متنكرة بعباءة الحرية الأكاديمية”. وقال مدير الفدرالية ديفيد دريرمر لصحيفة “ديلي فريمان” إن كلية بارد متأثرة بقرارها لعقد المساق من وقفية 500 مليون دولار للكلية من جورج سوروس، الذي يقع في قلب نظريات مؤامرة معادية للسامية.
وكتب دريرمر إلى بوتستين محاولاً ربط ثرول بـ “حماس”. وقال: “الحصة خطأ من أصلها، ونحن مجبرون أخلاقياً للإشارة إلى أن ناثان ثرول تدعمه بشكل كبير حكومة قطر، التي تعتبر ممولة لـ “حماس” وغيرها من المنظمات الأخرى المصنفة”.
وعمل ثرول، قبل ذلك، مع مجموعة الأزمات الدولية التي تلقت دعماً من قطر بعدما تركها. وقال دريرمر: “طالما أجبرنا على قبول التزامن بين سوروس الممول لثرول وبارد، فأنا مجبر على ربط النقاط”. ورد بوتستين على دريرمر: “كابن ناج من الهولوكوست، أنا حساس أكثر من غيري” لمعاداة السامية. ولا “يوجد أي شيء معاد للسامية في المساق المعني، فهو يحاول استكشاف الأسئلة التي تعتبر محلاً للنقاش، ولسنوات، في إسرائيل، ولماذا يشعر المجتمع اليهودي الأمريكي بالخوف من نفس النقاش والجدال الذي يحدث في إسرائيل”.