الغارديان: غزة أثرت على الخطاب السياسي البريطاني ومن الخطأ وصف المستقلين على أنهم طائفة مرتبطة بالمسلمين

حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: حذرت الصحافية نسرين مالك في مقال نشرته صحيفة “الغارديان” حزب العمال المهيمن الآن على الحكم في بريطانيا بعد فوزه الساحق الجمعة، من الاستماع إلى الأصوات التي باتت تصنف المستقلين الفائزين المؤيدين لفلسطين بأنهم تعبير عن “طائفية”. وقالت إن تصنيف الأصوات حول صلاحيتها وعدم صلاحيتها، وأيها “تكتيكي”، وأيها تعبر عن “اهتمامات مشروعة”، وأيها “طائفية”، تعطي انطباعا كبيرا عن صاحب التنصيف.

وقالت إن المرشحين المستقلين الأربعة الذين فازوا في انتخابات الأسبوع الماضي من خلال استغلال الإحباطات بشأن غزة، يتم تقديمهم بالفعل على أنهم مؤشر خطير عن ظهور سياسة طائفية. بقصد أن المسلمين هم وحدهم الذين يهتمون بغزة، وأنهم يفعلون ذلك على حساب اهتماماتهم الداخلية وولاءاتهم.

وترد الكاتبة أن هذا الكلام الخطير غير صحيح، فصدى غزة يمتد عبر تجمعات سكانية متنوعة في بريطانيا. وهو مرتبط ومتأثر بمظالم سياسية أخرى، وقد أصبح تعبيرا عن شيء جعل من الصعوبة علينا تقبل المناخ السياسي، أي من الممكن أن يكون للناخبين مبادئ يهتمون بها دون أن يكون هذا مؤشرا على التطرف أو عدم الأهمية.

وأشارت الكاتبة إلى طريقة التعامل مع الإحباطات المتعلقة بغزة على أنها فجة وانفصالية ومحصورة بأقلية صغيرة ذات صوت مرتفع.

مع أن الاستطلاع تلو الآخر أشار إلى أن أغلبية الرأي العام تؤيد وقف إطلاق النار، إلا أن الساسة ــ وخاصة قيادة حزب العمال ــ استمروا في تجاهل هذه القضية.

ولهذا استطاع أربعة مرشحين أقاموا حملاتهم الانتخابية على مركزية غزة بالفوز في مقاعد برلمانية. وكان أحدها في ليستر ساوث، حيث أطيح بجوناثان أشوورث، مدير صرف الرواتب السابق في حكومة الظل.

وربما عزت قيادة حزب العمال نفسها أن الأمر مجرد ظاهرة وقتية ولن تدوم غزة طوال السنوات الخمس القادمة، وأن المسلمين يتركزون في مناطق انتخابية محصورة. رغم أن الفائزين الأربعة لم يحصلوا على أصوات المسلمين فقط، فغير المسلمين صوتوا لهم أيضا. وفازوا لأن أعدادا كبيرة من الناس لم تصوت أيضا.

وأشارت مالك إلى دائرة إلفورد نورث، حيث كادت المرشحة ليان محمد أن تطيح بالمرشح ويس ستريتنغ. وتؤكد هذه الحالة أن فكرة خروج المسلمين بأعداد كبيرة ليست صحيحة. فالمسلمون لا يشكلون سوى نسبة الربع من الناخبين في هذه الدائرة. ولو حصلت محمد على جميع أصواتهم لكانت قد فازت بسهولة. وربما صوت لها عدد كبيرمنهم، لكن آخرين صوتوا لصالح حزب العمال والمحافظين وحزب الخضر، أو لم يصوتوا على الإطلاق.

وانخفضت نسبة المشاركة بأكثر من تسع نقاط مئوية في كل الدائرة الانتخابية. وينطبق الشيء نفسه على مقعد بيري بار في برمنغهام، حيث حصل الفائز على عدد من الأصوات أقل بكثير من عدد الناخبين المسلمين المؤهلين في الدائرة الانتخابية. وانخفضت نسبة المشاركة بنحو 10 نقاط مئوية.

وما حدث بالفعل هو أن عددا أكبر من المسلمين صوتوا لمرشحين مستقلين، وعدد أقل من الناس يصوت بشكل عام. والصورة الأوسع هي انتخابات لم تكن مشجعة، أدت إلى نفور العديد من الناخبين، مسلمون وغيرهم، بالإضافة إلى وجود قضية حفزت الناخبين، وكثير منهم كانوا مسلمين، وبعضهم لم يكونوا كذلك.

إذا أخذنا عينة عريضة من استطلاعات الرأي على مستوى البلاد حول غزة وتنوع الاحتجاجات الكبيرة في جميع أنحائها، فمن الواضح أن غزة ليست مصدر قلق كتلة ديمغرافية واحدة

وتعلق الكاتبة أنه لا توجد تقسيمات للناخبين على أسس عرقية أو دينية، وهناك دلائل تشير إلى أن المستقلين لم يفوزوا فقط على خلفية كتلة تصويتية واحدة. وتعتبر خسارة جورج غالاوي في روتشديل حالة شاذة تخبرنا شيئا عن مدى حاجة هؤلاء المرشحين إلى الحصول على جاذبية أوسع لضمان الفوز. وقد خلق تصويت المسلمين موضعا يمكن للآخرين أن يتجمعوا حوله.

وإذا أخذنا عينة عريضة من استطلاعات الرأي على مستوى البلاد حول غزة وتنوع الاحتجاجات الكبيرة في جميع أنحائها، فمن الواضح أن غزة ليست مصدر قلق كتلة ديمغرافية واحدة.

وكما اكتشفت الكاتبة فإن إحباط الناخبين من موقف حزب العمال من غزة هو جزء من إحباطات أخرى. ولم تذكر غزة بدون أن تكون مرتبطة بقضايا أخرى. فغزة، أصبحت وسيلة للمجتمعات للتعرف على أن السياسيين لا يستمعون إليهم وتخلوا عنهم. وأظهر تعامل الحزب مع الحرب غيابا في الموقف الأخلاقي. فالأشخاص الذين شعروا بقوة تجاه غزة ورفضوا التصويت لحزب العمال على هذا الأساس، فعلوا ذلك جزئيا لأن هذه القضية تعني أكثر من ذلك بكثير، لأنها أشارت إلى أن إعادة “صياغة” الحزب التي قام بها كير ستارمر حرمت العمال من العمود الفقري الأخلاقي.

وعندما يقول كير ستارمر إنه سيحكم “بدون عقيدة”، فإن ما لا يدركه هو أن الوسطية في الداخل و”الواقعية التقدمية” في الخارج هي عقيدة تستبعد ذلك النوع من التعاطف والتضامن الذي يعني الكثير للآخرين.

إحباط الناخبين من موقف حزب العمال من غزة هو جزء من إحباطات أخرى. ولم تذكر غزة بدون أن تكون مرتبطة بقضايا أخرى. فغزة، أصبحت وسيلة للمجتمعات للتعرف على أن السياسيين لا يستمعون إليهم وتخلوا عنهم

ويمكنك أن تتفق أو تختلف مع نهج حزب العمال، ولكن سيكون من التحزب (أو حتى الطائفي)، ألا ندرك أنه يستند إلى أيديولوجية تستبعد الكثيرين، بدلا من أسلوب محايد للحكم لا يمكن إلا لغير العقلانيين ألا يتماشوا معه.

كل هذا لا يقودنا إلى لا شيء، ويمكن القول أنه قد حدث بالفعل. وما يهم الآن هو كيف نتحدث ونفكر في ما يشكل ديمقراطية صحية وكيف نتحدث عن الناخبين وكيف نحدد حقوقهم في التعبير عن إحباطاتهم السياسية من خلال صناديق الاقتراع، حتى عندما لا نشاركهم عواطفهم. فهذا البلد هو لهم أيضا.

وعندما يتعلق الأمر بغزة، فإن حلقة تاريخية من المشاركة السياسية تظهر كيف يمكن للتعبئة خارج البرلمان أن تقلب الاتفاقيات السياسية القوية وتم التعامل معها بقدر من الفضول والتحيز.

عندما يتعلق الأمر بغزة، فإن حلقة تاريخية من المشاركة السياسية تظهر كيف يمكن للتعبئة خارج البرلمان أن تقلب الاتفاقيات السياسية القوية وتم التعامل معها بقدر من الفضول والتحيز

وفي مرحلة ما بعد المحافظين، فإما أن نختار محاولة فهم هذا باعتباره انتعاشا للتعددية السياسية التي يمكن لحزب العمال أن يتبناها إلى أقصى قوته. أو يمكننا رفضه وتصنيفه على أنه مرض. ومن خلال القيام بذلك، فإننا نحول ما جلبته غزة إلى الواجهة إلى حالة من السخط المحيط الذي يغذي انخفاض المشاركة وانخفاض الثقة السياسية واستغلال حزب الإصلاح بزعامة نايجل فاراج بخطابه السام لهما وكل التوترات التي ستستمر في التصاعد ما لم تتم معالجتها. إن الأغلبية توفر السلطة السياسية، ولكن الأقليات يمكنها أن تحقق الاتفاق السياسي. والله يعلم أننا في أمس الحاجة إلى ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية