لندن– “القدس العربي”: قال المعلق في صحيفة “الغارديان” سايمون تيسدال إن وفاة ديكتاتور تشاد تعني فوضى في منطقة “الصفر الجديدة للإرهاب الإسلامي”.
وقال إن مقتل إدريس ديبي قد دفع منطقة الساحل إلى رأس أجندة الإعلام الغربي، مشيرا إلى أن الاهتمام المفاجئ بهذه المنطقة لن يتواصل على أكثر احتمال. فانتباه العالم بهذه المناطق الفقيرة اليائسة وغير المستقرة وغير المحكومة بشكل جيد، قصير في العادة، مع أن منطقة الساحل ستكون قريبا مشكلة الجميع. وهي منطقة واسعة من الأراضي الجرداء التي تضم النيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا أو ما يطلق عليها “مجموعة الخمس الساحلية” بالإضافة لأجزاء من الدول القريبة، والساحل هو المنطقة التي تتصادم فيها أقسى التحديات العالمية.
فقد انتشر فيها الإرهاب الإسلامي وأدى إلى ضحايا بأعداد كبيرة ويمثل تهديدا على أوروبا، مما يجعله من أكثر الظواهر متابعة. وقال إن هناك عدة عوامل عندما تؤخذ معا تجعل من منطقة الساحل جهنمية وهي الحكم غير الديمقراطي والفساد وقمع الحكومات وتبعات الحكم الاستعماري والتدخلات الخارجية والتراجع البيئي والتغيرات المناخية وانتشار كوفيد-19 بدون رقابة وفقر التغذية. وقد أنتجت هذه العوامل سلسلة من النزاعات وحالات إغاثة طارئة وموجات هجرة فوضوية نحو الشمال.
ففي نداء يائس أصدرته وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير طالبت بالتحرك لوقف “العنف المستمر” الذي شرد حوالي مليوني شخص في داخل منطقة الساحل ولأول مرة. وقالت “الاحتياجات متزايدة في المنطقة التي تتداخل فيها النزاعات، والاستجابة الإنسانية غير كافية”. وتظهر اضطرابات تشاد الكيفية التي يقوض فيها الإهمال والقيادة الديكتاتورية الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة. فقد سيطر ديبي على السلطة في انقلاب عام 1990 ودعمته فرنسا القوة الاستعمارية السابقة ورفض التخلي عن الحكم. ومنحت الانتخابات المزورة والتواطؤ الغربي غطاء لديكتاتورية فاسدة، مما عزز عدم المساواة ونهب الثروة النفطية لتشاد.
ولا يعرف بالضبط ظروف وفاة ديبي، لكن ما هو مؤكد أن ابنه محمد تولى السلطة بعده. وتم رفض نقل السلطة العائلي غير القانوني من قوات المتمردين الزاحفة نحو العاصمة والتي تلقت تدريبا في ليبيا على يد المرتزقة الروس، ورفضته أيضا الجماعات المعارضة المقموعة وضباط في الجيش غاضبون.
فرنسا التي تحدثت عن ظروف غير عادية يبدو أنها تفضل رجلا قويا ثانيا وهو “ديبي الابن”
وكيف ستتطور الأمور على المدى البعيد، أمر مفتوح على الاحتمالات. إلا أن فرنسا التي تحدثت عن ظروف غير عادية يبدو أنها تفضل رجلا قويا ثانيا وهو “ديبي الابن”. والتقى إيمانويل ماكرون مع رجله الجديد في أفريقيا أثناء جنازة ديبي يوم الجمعة. وهذا يهم لأن فرنسا هي ممثل مهم لأوروبا والولايات المتحدة وهي من تقود عمليات مكافحة الإرهاب في تشاد ومنطقة الساحل. مع أن سكان المنطقة يعارضون نشاط ووجود فرنسا في مناطقهم، إلا أن وجود 5.100 جندي فرنسي وقاعدة عسكرية في نجامينا يقول الكثير عن نشاط فرنسا بالمنطقة. وكانت الصفقة واضحة، ومنذ 2012- 2013 عندما سيطر الجهاديون على مناطق واسعة من شمال مالي، فمقابل مساعدة ديبي في قتال الجهاديين من القاعدة والجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية وإرسال قواته إلى مالي وحوض بحيرة تشاد لقتال بوكو حرام فقد تم غض الطرف عن قمعه ونهبه للبلاد.
وأكد ماكرون هذه الصفقة في اجتماعه الافتراضي في شباط/فبراير مع مجموعة الخمس الساحلية. وضاعف من الإستراتيجية الموجودة ضد الجهاديين وتعهد بالحفاظ على مستوى القوات الفرنسية، مرحبا بمشاركة متواضعة من بريطانيا وقوات أوروبية ومحذرا من تداعيات خطيرة لو فشلت مهمة فرنسا “الخيرية”.
وقال ماكرون “لدينا مصير مشترك مع الساحل” و”لو سقط الساحل بيد الإرهابيين الإسلاميين فكل أفريقيا ستقع في أيديهم وستعيش أوروبا تداعيات هذه المأساة بشكل واضح. ولهذا أعتقد أن هذا واجبنا”. ووعد بمواصلة العمليات الجهادية في 2012 لـ “قطع رأس” الجماعات الإرهابية. وتهدد أزمة تشاد هذه الإستراتيجية التي بالغ ماكرون في نجاحاتها وظهرت نتائجها الكارثية في مقتل 19 مدنيا بقرية في مالي بعد غارة فرنسية أخطأت الهدف. وحمل تحقيق للأمم المتحدة فرنسا المسؤولية وهو ما رفضته.
وأكثر من هذا تتهم فرنسا بإخفاء مواقف استعمارية وتجاهل الشعوب وحقها في السيادة ومفاقمة التهديد الجهادي من خلال نشر المتشددين حول المنطقة وبشكل زاد من المظالم وفتح الباب أمام التجنيد. وبنفس السياق تعرضت الولايات المتحدة للنقد بسبب تركيزها على الحل العسكري وتجاهلها بناء الدول ونشر الديمقراطية وتخفيف الفقر. ولديها قاعدتان عسكريتان في النيجر تدير واحدة منهما المخابرات الأمريكية ومزودة بطائرات مسيرة. ولا يعرف ماذا سيكون موقف جوزيف بايدن مع أنه قرر تعليق عمليات الطائرات المسيرة ولو بشكل مؤقت.
ويقترح المحلل ألكسندر رضا أن الإستراتيجيات الغربية فشلت في معالجة “التوترات العميقة والمعقدة” التي تدفع وراء التمرد. وتشمل هذه مصادر المعيشة المعرضة للخطر وشبكات التهريب التي تحتكرها النخب التجارية والسياسية وفشل الدول القطرية بتوفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيها. وعكس تقرير لمجموعة الأزمات الدولية الكثير من مظاهر القلق هذه وحذر بشكل واضح من أن المعركة على منطقة الساحل أصبحت خاسرة. وجاء فيه أن “إستراتيجية تحقيق الاستقرار في الساحل بقيادة فرنسا تتعثر وسط النزاعات الأهلية والتشدد الجهادي وتآكل الثقة بحكومات المنطقة”.
ويواجه الساحل “أزمة عميقة” كما جاء في التقرير حيث “قصد من الإستراتيجية تهدئة المنطقة عبر استثمارات واسعة في الأمن والتنمية والحكم ولكنها فشلت في معظم ملامحها”. وتم نشر التقرير قبل أحداث تشاد التي تعتبر مركز إستراتيجية الساحل و”مفترق طرق أفريقيا” مما يعني أن تأمين الساحل سيكون صعبا وسط تقدم المتمردين نحو العاصمة نجامينا.
لا عزاء للعملاء