الغاز والتنقيب المشترك.. “الطاقة” عنوان كبير وواعد في التعاون الإستراتيجي المتنامي بين تركيا والجزائر  

إسماعيل جمال  
حجم الخط
0

إسطنبول- “القدس العربي”:

تتوسع وتتنامى بشكل سريع مجالات التعاون بين تركيا والجزائر، وسط تقارب لافت بين البلدين في كافة المجالات التي بات يتصدرها ملف التعاون في مجال الطاقة وهو ما تجسد في الاتفاق الأخير على تأسيس شركة مشتركة بين البلدين للتنقيب عن النفط والغاز بما يخدم التعاون الاستراتيجي والأهداف القومية لهما. 

ووسط تقارب سياسي يتجسد في توافق كبير في سياسات البلدين حول معظم الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، تنامى التعاون في المجال العسكري والصناعات الدفاعية، وإن كان بشكل غير معلن كثيراً، إلا أن الجانب المعلن بشكل أوضح هو حجم التنامي المتسارع جداً في الملف الاقتصادي، وخاصة فيما يتعلق برفع حجم الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين، وبدء استيراد تركيا للغاز الطبيعي من الجزائر، وصولاً للإعلان عن مشاريع ضخمة في مجال الطاقة كان آخرها الإعلان عن تأسيس شركة تنقيب مشتركة. 

وفي تطور بالغ الأهمية، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز على هامش زيارته المتواصلة إلى الجزائر أن تركيا والجزائر ستؤسسان شركة للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي واستخراجهما، حيث يشارك الوزير التركي في مؤتمر الجزائر للاستثمار الذي عُقد في العاصمة الجزائر. 

وأوضح دونماز أن الشركة ستؤسس بالتعاون بين الشركة الوطنية الجزائرية للنفط والغاز سوناطراك وشركة تركيا للبترول  (TP)وأن نطاق عملها سيشمل عدة دول في المنطقة في مقدمتها الجزائر، لافتاً إلى أنه عبّر في مؤتمر الجزائر للاستثمار عن وجهة نظره ورؤيته بشأن فرص العمل والاستثمار بخاصة في تركيا والجزائر. 

كما التقى الوزير التركي نظيره الجزائري محمد عرقاب، لافتاً إلى أنه تناول معه “الخطوات الجديدة التي يمكن اتخاذها في مجالي الطاقة والتعدين”، مشيراً إلى أنهما اتفقا على اتخاذ خطوات من شأنها تشجيع وتحفيز العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص في تركيا والجزائر في قطاع الطاقة والتعدين، ومنها تأسيس شركة للتنقيب عن الغاز الطبيعي والبترول. 

وبالتزامن مع ذلك، استقبل ميناء “علي آغا” غربي تركيا سفينة قادمة من الجزائر محملة بالغاز الطبيعي المسال، وأوضحت مصادر تركية أن السفينة التي انطلقت من ميناء أرزيو الجزائري في 6 نوفمبر، تبلغ قدرتها الاستيعابية 138 ألفا و89 مترا مكعبا من الغاز الطبيعي المسال، حيث وصلت في الأشهر الأخيرة عدة سفن من الغاز المسال الجزائري إلى تركيا ضمن خطط أنقرة لتنويع مصادر استيرادها للغاز الطبيعي. 

ويعتبر ملف الطاقة أولوية كبيرة للبلدين، حيث ترغب تركيا في تنويع مصادر اعتمادها على الغاز الطبيعي الذي تستورده من الخارج بنسبة 100 بالمئة، وعلى الرغم من أنها لم تواجه أي اضطرابات في امدادات الغاز رغم الحرب الروسية- الأوكرانية على غرار ما جرى مع الدول الأوروبية، إلا أنها بدأت استراتيجية في السنوات الأخيرة تهدف إلى تنويع المصادر حيث كانت الجزائر وأذربيجان أحد خيارات تركيا الأساسية في هذا التوجه. 

إلى جانب ذلك، يتوقع أن تكون تركيا بحاجة إلى جهة خارجية لمساعدتها في محاولاتها المتواصلة لاستخراج الغاز الطبيعي الذي أعلنت عن اكتشافه مؤخراً في البحر الأسود، حيث تواصل شركات تركية وطنية في تأسيس البنية التحتية لاستخراج الغاز من البحر وإيصاله إلى الساحل، ويمكن أن تشكل الجزائر التي تمتلك خبرات قديمة في ملف الغاز إضافة مهمة لجهود تركيا التي تبحث عن شركاء موثوقين لها بعيداً عن الشركات الغربية التقليدية التي تسيطر على سوق التنقيب والاستخراج والتي تتهمها تركيا بالعمل ضمن أجندة سياسية. 

يضاف إلى ذلك، رغبة تركيا في الوصول إلى مزيد من الاكتشافات سواء في البحر الأسود أو البحر المتوسط، ويمكن أن تشكل الخبرات الجزائرية إضافة مهمة للجهود التركية لا سيما وأن تركيا تنوي التنقيب في مناطق خلافية مع اليونان وغيرها وترفض الشركات الغربية المشاركة فيها. 

ورغم أن تجربة تركيا حديثة في مجال التنقيب والاستخراج، إلا أن أنقرة عملت على برنامج استراتيجي في العقد الأخير من أجل بناء أسطول ضخم من سفن التنقيب بات يحتوي على عدد من أهم السفن بالعالم ،ويمتلك إمكانيات ضخمة يمكن أن تشكل إضافة مهمة لتركيا والجزائر في آن واحد، وهو ما تجسد في الاتفاق على تأسيس شركة مشتركة للقيام بعمليات التنقيب. 

هذه الشركة يمكن أن تساعد البلدين في القيام بعمليات تنقيب مشتركة في المناطق الاقتصادية الخالصة لتركيا والجزائر، إلا أن الأولوية الأكبر تبدو لتركيا الساعية للإعلان عن اكتشافات مهمة في شرق البحر المتوسط، الذي يشهد صراعاً كبيراً على موارد الطاقة، وسط إيمان تركي بوجود كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في مناطقها الاقتصادية لم يتم كشفها حتى الآن بسبب ضعف الخبرات التركية ورفض الشركات الغربية التعاون مع تركيا في هذا المجال، لا سيما وأن جميع الدول الأخرى المطلة على شرق المتوسط أعلنت عن اكتشافات كبيرة للغاز. 

إلى جانب ذلك، يأتي الاتفاق التركي الجزائري عقب أسابيع فقط من الاتفاق التركي الليبي الذي يمكّن البلدين من العمل المشترك للتنقيب عن الغاز والنفط في المناطق الاقتصادية لهما، وهو ما يجعلها ساحة عمل متوقعة لهذه الشركة التي لم يكن لديها مخاوف من العمل في المناطق المتنازع عليها. كما أن تركيا يمكن أن تكون ممرا محتملا لإيصال صادرات الغاز والطاقة وحتى الصادرات التجارية الجزائرية إلى أوروبا المتعطشة لأي كميات من الغاز. 

وفي مؤشر على حجم الاهتمام الذي توليه الجزائر للعلاقات مع تركيا وخاصة في مجال الطاقة، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الوزير التركي الذي شدد على أن علاقات بلاده المتواصلة مع الجزائر “آخذة في الارتقاء”، مشيراً إلى أن علاقات التعاون التركية الجزائرية “ترتقي بشكل ملموس في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية”، مؤكداً على أن أردوغان وتبون “لديهما توجيهات لرفع مستوى العلاقات الثنائية”. وقال وزير الطاقة التركي: “حجم التجارة بين بلدينا الذي سيسجل حوالي 5 مليارات دولار، ربما يصل إلى 10 مليارات دولار، وهو الهدف الذي حدده الرئيسان للسنوات المقبلة. 

من جهته، أفاد وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، أنه بحث مع نظيره التركي تطوير وتنفيذ كافة المشاريع التي تم تحديدها في اللجنة الاقتصادية المشتركة، مشيراً إلى أنهما بحثا أيضا مشاريع في مجال البترول والمنتجات النفطية والتعدين، وأكد أن الشركات التركية قامت أيضا بدراسة فرص القيام باستثمارات مشتركة في قطاع المحروقات مع سوناطراك. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية