يسود الاعتقاد بأن الحرب الروسية ضد أوكرانيا تساهم في تعزيز صفوف الغرب، غير أنها جاءت لتبرز استمرار وجود تيارين وسط هذا الغرب، الأول وهو أنكلوسكسوني يتخذ مبادرات دون باقي شركائه في أوروبا، وتيار آخر تائه من دون بوصلة جيوسياسية واضحة، فاقم منها ارتباطه بالمواد الأولية من روسيا، سواء الطاقة أو المعادن الثمينة المستعملة في الصناعات الجديدة مثل السيارات الكهربائية.
ونظريا، تساهم الحرب الروسية ضد أوكرانيا التي تقترب من شهرها الثاني في إعادة بناء الغرب، بعد الهزات التي تعرض لها طيلة حكم رئاسة الأمريكي دونالد ترامب، هذا الأخير الذي أضعف الروابط الأطلسية إبان رئاسته. وتتجلى عملية إعادة ترميم الغرب في الموقف الذي يبدو للوهلة الأولى موحدا ضد روسيا من خلال دعم قوي لأوكرانيا، ثم العقوبات الاقتصادية التي تستهدف تدمير الاقتصاد الروسي.
وهكذا، فالعقوبات الاقتصادية التي تعد السلاح الوحيد «الفعال» في يد الغرب لم تحقق الإجماع وسط أعضائه، بل بدأت تخلق الشك والريبة المتبادلة. تضغط واشنطن بدعم من لندن على دول الاتحاد الأوروبي بقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، بدءا من النفط والغاز الى الأسمدة الزراعية ووقف الاستثمارات. غير أن بعض الدول الأوروبية ترى في هذا «التطرف الاقتصادي» في العقوبات وبالا على اقتصادها الوطني، وهي التي تريد الخروج من الركود الذي خلفته جائحة فيروس كورونا. فمن جهة، لا تريد ألمانيا ودول أوروبا الشرقية الاستغناء عن النفط، خاصة الغاز الروسي حتى لا تتأخر عجلة الإنتاج، إذ أن وقف استيراد النفط يعني تراجع الاقتصاد الألماني بأكثر من 20%، أي قرابة عشرة نقاط أكثر من تأثير الجائحة خلال السنة الأولى، لاسيما في ظل عدم وجود بديل للغاز الروسي. ومن جهة أخرى، لا تريد فرنسا سحب استثماراتها من روسيا، وهي التي تعد الأكثر استثمارا في هذا البلد، ما يمنحها بعض الامتياز الجيوسياسي توظفه حاليا في الاتصالات بين الرئيس إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين. ولا يمكن الحديث عن تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي، من دون مقاطعة صادرات النفط والغاز. وعليه، بقدر ما تتأثر روسيا بالعقوبات بقدر ما تنعكس سلبا كذلك على ما يمكن تسميته الجناح الأوروبي للغرب أو «الجناح الشرقي للغرب» مقابل عدم تأثر الجناح الغربي للغرب المكون من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة. غير أن الشكوك الحقيقية هي التي تمتد إلى المجال العسكري بين الجناح الأوروبي للغرب والجناح الأنكلوسكسوني. خلال سبتمبر الماضي، أقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا على إزاحة فرنسا من اتفاقية الغواصات مع أستراليا التي كانت أكبر صفقة في تاريخ الأسلحة بما يفوق 37 مليار يورو. وتعني هذه الصفقة اتفاقا عسكريا بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا لتأسيس حلف «يوكوس» لمحاصرة الصين. ارتكب هذا التحالف الأنكلوسكسوني ثلاثة أخطاء وهي: الأول، وهو قرار واشنطن بيع أستراليا غواصات نووية في وقت يوجد اتفاق بين الدول الكبرى على عدم بيع هذه الغواصات، الأمر الذي قد يشجع على تكرار هذه الصفقة من دول أخرى. ثانيا، طرد فرنسا من اتفاق يوكوس وهي الدولة الأوروبية التي تتوفر على جزر في منطقة الهادي – الهندي وتعاني من الضغط الصيني. ثالثا، استبعدت الدول الثلاث الحلف الأطلسي من اتفاق يوكوس، وهو ما يعني خلق جناح عسكري على هامش الحلف، وحدث هذا في وقت كانت واشنطن تعرقل تأسيس جيش أوروبي موحد تحت ذريعة عدم إضعاف الحلف الأطلسي، الذي يجب أن يكون المظلة العسكرية للغرب برمته.
تعتبر الدولة العميقة الأمريكية، فرنسا وألمانيا شريكين رئيسيين، بينما تحتفظ لبريطانيا وأستراليا وكندا بصفة الحليف الإستراتيجي
وفي الوقت الذي ترتفع أصوات تطالب بضرورة تعزيز الحلف الأطلسي على مستوى القوة العسكرية والاشتراك في الإنتاج العسكري، فاجأت واشنطن الجناح الأوروبي للغرب بالإعلان رفقة بريطانيا وأستراليا يوم 6 إبريل الجاري عن بدء تعاون جديد بينها لتطوير أسلحة فرط صوتية ومضاداتها، بالإضافة إلى منظومات حربية إلكترونية. ويبرز بيان قادة الدول الثلاث «تعهدنا اليوم بدء تعاون ثلاثي جديد حول الأسلحة فرط الصوتية والمضادة لها وإمكانات حربية إلكترونية، بالإضافة إلى توسيع تشارك المعلومات وتعميق التعاون في الابتكار في مجال الدفاع». وشكل هذا الإعلان ضربة قاسية لكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا ونسبيا إسبانيا، لأنها دول رئيسية في الحلف الأطلسي وترى كيف يعمل الثنائي لندن -واشنطن على تهميش أوروبا من مخططات عسكرية كبرى ومنها تصنيع صواريخ فرط صوتية. وتعد الصواريخ فرط صوتية، أي التي تتجاوز على الأقل أربع مرات ونصف المرة سرعة الصوت، أكثر من 5000 كلم في الساعة، أساسية للردع العسكري الآن ومستقبلا. وحققت روسيا سبقا في هذا المجال، وتليها الصين، بينما الغرب في وضع متأخر. وكانت روسيا قد استعملت خلال مارس الماضي لأول مرة في تاريخ الحروب صاروخين فرط صوتيين لضرب ذخيرة عسكرية أوكرانية.
وبهذا، تكرر واشنطن تجارب سابقة في تعاملها مع ما يسمى عائلة «الغرب» حيث كانت قد لجأت خلال العقود الماضية إلى تأسيس أكبر شبكة تجسس في التاريخ وتسمى «أشلون» ضمت كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا للتجسس على العالم، ومن ضمن ذلك على الدول الغربية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وانكشفت هذه الشبكة بداية التسعينيات، وتعد من أكبر فضائح التجسس في التاريخ. وتأتي هذه التطورات في خضم الحرب لتؤكد وجود فريقين في الغرب، الأول وهو الغرب الأنكلوسكسوني المكون من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا ونيوزيلندا، ويوجد بين أعضائه تحالف تاريخي وثيق يخضع للتصور العربي «في السراء والضراء» ويوجد فريق ثان وهو الأوروبي المكون من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهو من دون بوصلة جيوسياسية، وتجمعه بالفريق الأول علاقة «الشراكة» وهي أقل من التحالف. وتعتبر الدولة العميقة الأمريكية، فرنسا وألمانيا شريكين رئيسيين، بينما تحتفظ لبريطانيا وأستراليا وكندا بصفة الحليف الإستراتيجي. وتعتبر واشنطن أن ما يسمى «الغرب الأوروبي» متردد في حسم اختياراته الاستراتيجية الكبرى، فهو ما زال يهادن روسيا ويعتقد في بناء علاقة حوار متينة معها، ويتبنى الاستراتيجية نفسها مع الصين. في حين يعتقد البيت الأبيض بضرورة تبني سياسة تقترب من القطيعة.
نظريا، الحرب الروسية ضد أوكرانيا تعزز من وحدة الغرب، لكن عمليا تزيد من الشرخ الصامت والمعلن عنه في بعض الأحيان، لأن الأمر يتعلق بغرب أوروبي وغرب أنجلوسكسوني بأجندات مختلفة نسبيا.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
” وتعتبر واشنطن أن ما يسمى «الغرب الأوروبي» متردد في حسم اختياراته الاستراتيجية الكبرى، فهو ما زال يهادن روسيا ويعتقد في بناء علاقة حوار متينة معها، ويتبنى الاستراتيجية نفسها مع الصين. في حين يعتقد البيت الأبيض بضرورة تبني سياسة تقترب من القطيعة. ” إهـ
هذا الكلام صحيح !
ها هي روسيا تغزو حليفة الغرب أوكرانيا , وها هي الصين تنوي غزو حليفة الغرب تايوان !! ولا حول ولا قوة الا بالله
تمطر في موسكو .. لا تنسى مظلة ☔
هههههههه سبحان الله العظيم العيون الزرقاء على موعد مع أيام سوداء
اللهم انصر المقاومة في جنين واكسر اللهم شوكة المحتل اللعين إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا أبدا أبدا آمين آمين آمين يارب العالمين