(1)
الغليان
تستغرقني كُرَبُ الدنيا: من أدنى بابٍ حتى أبوابٍ عليا فيها تعرف عني بمجاهرها، ما لا أبصر منها في الآفاق، وحتى ما ألمسه مني في أدنى أعماقي، مما يأتيني من فوقُ ومن خلف المرئياتِ، أرى ثم أطيل التحديق إلى كل محيطي، عَلّي أدري ما مصدر ما حل بهذا العالم من غليانٍ، فزهوري وورودي من كل الألوانِ يتهدَّدُها لفح من ألسنة النيران، لا مما تزدان به دنيانا من نورٍ يَعْمُر قلبي حتى بعد غروب الشمس فينابيع النعمة. منها فاضت منذ البدء على كل الأكوان ومنها كان بهاء الأشياء، وألوانٌ تعشقها العين وتحيا فيها الروح، وتفيض ببهجتها ساحاتي بربيع يزهو أشكالاً ثمّ يُطل خريف الحكمة. لكن من أين إذن تترامى نيران الزيفِ؟
وما أدري أيكون الزيف أتى من عمق العالم، أم من تحت جذور ثابتة فينا، ولذلك يؤلمني هذا الزيفُ ومن ينصره، يملأني وعيي المرُّ بما أطبق حولي منه، فطوقني بقيود الظلمة. ليعيش على تخويفي، ويضاعف من عجزي حتى يرغمني ألا أتكلَّم أوْ أبصر أو أتوقع ما ينفعني من جيراني فالدنيا لا تحكمها الرحمة، بل يحكمها الأقوى منه تناهى الزيف إلينا وعلينا امتدت أجنحةٌ الطغيانِ بأقسى ما اسودَّ به ليل مرابعنا الجهمة.
زَرَعَ الطغيان منابت سوء فيها فازدادت كل أويقات الناس سوادا حتى التهبتْ بالنيرانِ، وبأصواتٍ تشهد دمعتها بمواثيقِ الصدق الحرَّى أن الأقوى من أوصل دنيانا إلى الغليان.
27 /07 / 2023
(2)
فرار تحت الشمس
كأنما انسللنا خفية تحت جناح هارب مضى على طريق ظلمات مدن الخراب، لم يرَنا جنّ بها ولا سلالة من بشر أسيرة زمان سردٍ غافل عن دورة تأسرنا منذ وقعنا بين قضبان وجدارٍ شاهق، فالشمس بسياط نارها لم ترحم المدينة الوديعة التي لذنا بها يوما، ولا القصر الذي إليه كانت هجرة الضرورة، حين أحاط ذو رماحٍ بحصارنا، وحدّ من حراكنا، ولم نر على بلاد من أطاع صيحة الجبار، غير من يطير نحو أي داعٍ لجريمة قبَيل فجر، أو بزوغ قمرٍ، ليلَ هدوء سيف وادٍ، في زمان أرهقتنا شمس قصر ظامئٍ به، قد اطفأت عيون ليلنا، وذهبت بماء نهرنا قوى جحيمٍ، وجنود غلظة، لم يسمعوا على بروج قصْرِ النار هذا، أو سواه داعيا لكي يغضوا عن ذبابة تمُرُّ نظراً…
وكان أن دُحِرنا ذات يومٍ كلنا، تحت جناح أعنف القوى، إذ جفَّت الضروع، حيث يبست خيرُ مروج جنّة من حولنا،
عامُ الوباء كان أصعبَ السنينَ،
لم يدع لنا حُلْما ولا احتمال أن يهبنا
الذين كانوا معنا، من عامة الأنصار أو رؤوسهم أجنحةً لكي نطيرْ…
كأننا من ألف ليلة هربنا من مجازر خارقة ضج بها كل مكان…
حين طغى الدَّمُ الذي كنا أسارى أدعيائه،
حتى وصولنا مندفعين في حماسة إلى السماء،
ضعنا، فهل يعودُ فينا خيْرُ نُورٍ؟
أو يحطَّ طائر يحْمِلُ عن أعناقنا همَّ الزمان.
23/07/ 2024
(3)
زِلزالٌ تَحْتَ خُطَايَ
أترفَّقُ في سيري أن يتضايق مني ما تحت الأرضْ،
إذ يتهيأ لي أني أسمعُ ذبذبةً في خفقة أنفاسٍ
أو تنهيدا لا أدري من أيِّ متاهات الأحزان يفيض،
أمْ مصدرُهُ أحياءٌ تتحَرَّكُ في أقنعةٍ تحت ثرىً دون حدودٍ،
وكأنْ لا شيءَ يثير فيها إحساساً حتى تختضّ،
من الرُّعبِ أو الرَّفْضْ
فهل آلمُ مما يعروني أمْ هلْ أجمدُ لَهْ.
وتسائلني في رعبٍ زوبعة لا أدري هل تتفجر في آفاقي
أم هل تهدر في أعماقي مشتعلهْ
كيف إذن لا يهتم بهذا الزلزال سواي؟
والناس أمامي قطعان تمضي مرتحلة
منها من يضحك في جهرٍ أو سرٍّ، وتطيرُ وتنزلُ، لا تدري،
أو تصغي دون شعورٍ، لدبيبٍ تحْتَ الأرض خفيٍّ،
لكن على سطح الأشياء هنا وهناك حروب مصلتة أنصلها مقْتَتِله،
وأنا إذ أمشي يرعبني ما يتحرك تحت خطايْ
والناس على صدر الأرض اندفعت حول العالم تصهل في عجله،
كفراشات يرقص أجملها في بوتقة النورٍ،
ويهوي في النيران كبير وحوش في غابات
يزأر فيها طغيانٌ لا يرتاع لما أكلهْ،
أو ما ينقذ من بعض قبائلها قرن استشعار.
15/06/2023
شاعر مغربي