حتى ساعة كتابة هذه السطور تجاوز العدد 600 توقيع على رسالة مفتوحة إلى الفرع الأمريكي من رابطة الكتّاب الدولية PEN International، تطالب المنظمة باتخاذ موقف أكثر قوّة تجاه الحرب الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، كما تدين «صمت» الفرع عن «الصحافيين والكتّاب والشعراء الذين قتلتهم إسرائيل». الموقعون على الرسالة يعملون في ميادين الكتابة الأدبية المختلفة في الولايات المتحدة، ولا مفاجأة في أنّ غالبية ملموسة بينهم تنتمي إلى أصول أفرو – أمريكية بالنظر إلى أنّ هذه الشريحة تحديداً تتصدر مظاهر الاحتجاج على حرب الإبادة الإسرائيلية.
والرسالة المفتوحة تلك لم تعبّر عن واحدة من طرائق الاحتجاج العديدة فقط، بل كانت أيضاً ردّ فعل طبيعياً إزاء تخلّف الفرع الأمريكي عن اللحاق بمواقف الغالبية الساحقة من فروع الرابطة على نطاق عالمي، وفي أوروبا على وجه الخصوص؛ بحيث لاح، تباعاً ومنذ ابتداء العدوان الإسرائيلي، أنّ الـPEN الأمريكية أشبه بجزيرة منعزلة عن التيار العامّ التضامني لكتّاب العالم بأسره، من جهة أولى؛ وأنه من جهة ثانية، يكاد ينسخ خطاب التبرير الذي تعتمده الإدارة الأمريكية أو مجموعات الضغط المناصرة لدولة الاحتلال هنا وهناك في الولايات المتحدة.
والرسالة لا تبدو متسامحة أو تصالحية مع الفرع الأمريكي حين تبدأ سطورها الأولى هكذا: «نطالب الـPEN بالردّ على تهديد إسرائيل الإبادي بحقّ أرواح الكتّاب في فلسطين، وضدّ حرّية التعبير في كلّ مكان. ونطلب من فرع أمريكا بياناً رسمياً بصدد 225 شاعراً وكاتباً مسرحياً وصحافياً وباحثاً وروائياً قُتلوا في غزّة، وتسمية قاتلهم: إسرائيل، الدولة الصهيونية الاستعمارية التي تموّلها حكومة الولايات المتحدة». وتمضي فقرة لاحقة إلى نبرة أشدّ إدانة: «تواصل PEN أمريكا إدامة حالة دولة – أمّة فاشية، وبات هذا خطيراً على نحو خاص بالنظر إلى أنّ المنظمة بالغة الحرص على تعريف المواطنة الأدبية وحرّية التعبير. فأية حرّية هذه التي تحميها الـPEN إذا كانت، بمعزل عن البيانات الصحافية المدفونة على الموقع، قد التزمت الصمت إزاء صحافيين وكتّاب وشعراء قتلتهم إسرائيل؟».
وفي التطرّق إلى عواقب ثقافية وتربوية وتعليمية مباشرة ناجمة عن حرب الإبادة الإسرائيلية، لم تغب عن الرسالة نبرة السخرية من معايير الفرع الأمريكي المزدوجة، فقالت فقرة أخرى: «نطالب الـPEN بأن ما تتحلى به من حماسة وحمية حول حظر الكتب في الولايات المتحدة يجب أن تبديه أيضاً وبصراحة إزاء النفوس البشرية الفعلية في فلسطين. وإذْ تصعّد PEN أمريكا حملتها ضدّ حظر الكتب وحرّية التعبير داخل الجامعات على امتداد الولايات المتحدة، فإنّ قوى الاحتلال الصهيوني خرّبت أو دمرت 372 منشأة تعليمية، بما في ذلك كلّ جامعة، ومكتبة غزّة البلدية التي خدمت كمركز ثقافي ومكتبة للأطفال. هذا إلى جانب استهداف الفنانين والشعراء والكتّاب».
الفاضح أنّ ردّ قيادة الفرع الأمريكي على هذه الرسالة المفتوحة كان إصدار بيان يقول: «نأمل في أنّ المفاوضات متعددة الجنسيات الجارية الآن سوف تقود إلى وقف إطلاق للنار متفق عليه، وإنهاء الضربات القاتلة، والتوصل إلى قرار يمكن أن ينقذ الأرواح في المنطقة، ويحفظ الثقافات الغنية والمتنوعة، ويعبّد الطريق نحو سلام دائم يتيح حرّية الإبداع للجميع». واضح بالطبع، أنّ هذه اللغة الدبلوماسية الخجولة يمكن بالفعل أن تجري على لسان جون كيربي منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي؛ وليس فرع منظمة كتّاب عالمية يعود تأسيسها إلى سنة 1921 في لندن، وحضر مناسبة إطلاقها أمثال جون غالزورذي وجوزيف كونراد وجورج برنارد شو وهـ. ج. ولز. وليست كذلك لغة منظمة تسعى إلى توطيد الصداقة والتعاون الفكري بين الكتّاب أينما كانوا، وتشدد على دور الأدب في تنمية التفاهم المشترك في عالم الثقافة، وتناضل من أجل حرّية التعبير، وتنطق بالنيابة عن كتّاب مقموعين أو سجناء وأحياناً قتلى دفاعاً عن آرائهم؛ كما تنصّ أهداف المنظمة.
وكي لا يعود المرء إلى زمن طويل مضى في صدد علاقة فرع PEN الأمريكي بالقضية الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي؛ ثمة موقف المنظمة، الخجول بدوره، حول قرار متحف إشكنازي للفنون، في جامعة إنديانا، إلغاء المعرض الاستعادي للتشكيلية الفلسطينية سامية حلبي، الذي كان من المقرر افتتاحه يوم 10 شباط (فبراير). إنها «استهانة مقلقة بحرّية التعبير»، قال بيان الفرع الأمريكي، تعليقاً على حدث يجري الإعداد له منذ ثلاث سنوات، لفنانة تبلغ من العمر 87 سنة، وتقيم في الولايات المتحدة منذ 50 سنة ونيف؛ وتمّ إلغاؤه استجابة لضغوط عضو مجلس النواب الأمريكي جيم بانكس، وبذريعة مكافحة العداء للسامية في الجامعات الأمريكية. وكلّ ما ارتفع إليه خطاب احتجاج الفرع الأمريكي على فعل الإلغاء كان إبداء الأسف لأنّ إدارة جامعة إنديانا «تحرم المجتمع الجامعي ومنطقة بلومنغنتون عموماً من فرصة معايشة وتثمين تجربة فنية نابضة ورائدة».
لا عجب، والحال هذه، أن تستخلص الرسالة المفتوحة: إذا كان الفرع «عاجزاً عن الارتقاء إلى مهمته في الحماية وتوفير المنبر ومنح الصوت لأولئك الكتّاب الذين تُعرّضهم للتهميش قوى شائنة، فخير له أن يحلّ نفسه»؛ أو على الأقلّ، ألا يقول همساً وحياءً ما يجب أن يُقال عالياً صريحاً.