القائمة العربية المشتركة والانتخابات الإسرائيلية المقبلة

بعد فشله في الوفاء بالموعد النهائي لإقرار الموازنة الإسرائيلية؛ أعلن «الكنيست» الإسرائيلي في الثاني والعشرين من كانون أول / ديسمبر الماضي، حل نفسه وتحديد موعد انتخابات مبكرة في آذار/ مارس المقبل؛ وهي الرابعة خلال عامين، لتدخل الساحة السياسية الإسرائيلية من جديد في تحولات قد تطيح بشخصيات وأحزاب بعينها؛ لكن الثابت أن الصراع والمنافسة خلال الانتخابات الإسرائيلية القادمة سينحصر بشكل رئيسي وجوهري بين اليمين الإسرائيلي واليمين الاستيطاني المتطرف؛ وستتشكل بعد الانتخابات حكومة أكثر يمينية منذ إنشاء إسرائيل.
وهنا يطرح سؤال وبقوة حول مكانة ودور القائمة العربية المشتركة في المشهد الإسرائيلي لجهة تحسين ظروف الأقلية العربية وصمودها في وطن الآباء والأجداد.

النظام السياسي

ثمة خصائص يتصف بها النظام السياسي في إسرائيل، تتضح قبل كل انتخابات، ومن بينها أن الائتلافات والتكتلات تحصل عادة بين أحزاب من طيف سياسي واحد له مواقف متقاربة. وتتآكل أكثر التكتلات مع مرور الوقت، أو تتم عملية اندماج بين أحزابها المختلفة، خاصة عند تشكيل قوائم لخوض الانتخابات العامة. فحزب العمل الذي قاد إسرائيل لسنوات طويلة كان محصلة سلسلة طويلة ومعقدة من الاندماجات بين أحزاب المعسكر اليساري، في حين تشكل «الليكود» من ائتلاف أحزاب اليمين والوسط مع بعض أفراد حزب العمل الذين انشقوا عن حزب العمل وأيدوا فكرة أرض إسرائيل الكاملة، وقد سطع نجم تجمع «الليكود» بعد فوزه في انتخابات صيف عام 1977 الأمر الذي أتاح بعد ذلك التاريخ للأقلية العربية وأحزابها المختلفة دخول اللـعبة الانتـخابية في إسـرائيل.
ومع صعود الأحزاب الدينية الشرقية والغربية ممثلة بحركتي «شاس» و«المفدال» إلى واجهة العمل السياسي في عقد التسعينيات من القرن الماضي، باتت الخريطة السياسية حتى انتخابات الكنيست 22 في نيسان /ابريل 2020 تتشكل من عدة أطياف رئيسية هي: تكتل حزب العمل وحلفاؤه، تكتل «الليكود» و حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، فضلاً عن الأحزاب الدينية، الغربية والشرقية، إضافة تكتل الأحزاب العربية التي خاضت انتخابات الكنيسيت السابقة بقائمة مشتركة مشكلة من عدة أحزاب عربية.
واللافت حصول تحولات في المشهد السياسي الإسرائيلي بعد حل الكنسيت وتحديد موعد انتخابات مبكرة في آذار/ مارس المقبل، وقد تجلى ذلك في التشظيات وإعادة تموضع لشخصيات إسرائيلية؛ حيث انشق جدعون ساعر عن حزب الليكود في الثامن من كانون أول/ ديسمبر الماضي وسحب معه النائبة «يفعات شاشا- بيطون» بعد عدة أيام، كما سبقهم في ذلك من إئتلاف «كاحول لافان «تسيفكا هاوزر ويوعاز هندل من كتلة «ديريخ ايرتس» لكن الاخطر على نتنياهو كان انشقاق حليفه المقرب «زئيف إلكين» في الثالث والعشرين من كانون أول / ديسمبر المنصرم؛ وإصداره بيانا بمثابة لائحة اتهام لنتنياهو.

الأحزاب العربية

وبعد إعلان «ساعر» تشكيل حزب جديد بمسمى «أمل إسرائيل « وحصد أكثر من عشرين مقعدا في الكنيسين؛ حسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية، فإن الساحة الإسرائيلية ستشهد مزيداً من التشظيات والانقسامات؛ فضلاً عن تشكيل أحزاب ضمن قوائم ائتلافية تخدم التوجهات السياسية؛ محاولة للاستئثار بنسبة عالية من أصوات الناخبين الإسرائيليين عند الانتخابات.
على الرغم من دخولها المعترك السياسي الإسرائيلي منذ عام 1977، لكن الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست أو خارجه لم تستطع تحقيق آمال الأقلية العربية، سواء في جانب العدالة الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية. وثمة أحزاب عربية في إسرائيل، فقبل انتخابات عام 1977 م، شكل «راكاح» مع عناصر عربية وطنية مثقفة وعناصر يهودية يسارية جبهة لخوض الانتخابات، ودعيت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وتم اختصار اسمها باللغة العبرية بكلمة واحدة «حداش» أما التجمع الوطني الديمقراطي؛ فقد تمّ تأسيسه عام 1995 إثر اتحاد عدة حركات سياسية عربية – أبناء البلد – القائمة التقدمية للسلام – وحركات سياسية أخرى، يدعم التجمع حل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بها، والمتمثلة في إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس، وإزالة كل المستوطنات، وحق العودة للاجئين.
يعمل التجمع على وقف مصادرة الأراضي، والاعتراف بالتجمعات العربية غير المعترف بها، وحل قضية المهجرين، بما في ذلك حقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم والمبادرة لإقامة قرى ومدن عربية جديدة على ما يسمى بأراضي الدولة، إضافة إلى تأسست الحركة العربية للتغيير في 1996 بمبادرة من الدكتور أحمد الطيبي المستشار السابق للرئيس الراحل ياسرعرفات، وكانت هذه الحركة بدايةً مدعومة من الفئة الباقية من الحركة التقدمية؛ فضلاً عن ذلك تأسست الحركة الإسلامية عام 1971 على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، لتصبح بعد سنوات جناحين شمالي وجنوبي، وقد منعت إسرائيل نشاط الجناح الشمالي قبل عدة سنوات.

الخريطة الحزبية المقبلة

مع قرب حملة الانتخابات الإسرائيلية المبكرة وتفاقم العنصرية الإسرائيلية، ستشهد الساحة السياسية الإسرائيلية ولادة أحزاب أكثر عنصرية لكسب رضى التجمع الاستيطاني الإسرائيلي الذي يتنكر للحقوق الفلسطينية برمتها؛ وسيكون الصراع والتنافس محتدما بين اليمين الإسرائيلي الليبرالي واليمين الاستيطاني المتطرف، حيث تشير استطلاع الرأي إلى استحواذ كل من المعسكرين المذكورين على (48) مقعدا في الكنيسيت المقبلة.
وستتشكل الخريطة الحزبية الإسرائيلية المقبلة من بقايا الليكود وحزب جدعون ساعر «أمل إسرائيل» الذي يعتبره سياسيون من الليكود اليميني العميق؛ فضلاً عن حزب العمل وحزب إسرائيل بيتنا وتجمع أبيض أزرق؛ فضلاً عن بقايا تحالف «حركة ميرست» اليسارية وحزب «إسرائيل الديمقراطية» الذي شكله رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، ثم تحالف حزب العمل مع حزب غيشر، هذا إضافة إلى الأحزاب العربية التي ستخوض انتخابات آذار/ مارس القادم بقائمة مشتركة، وهي التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية، والحركة العربية للتغيير، مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي تضم في صفوفها الحزب الشيوعي الإسرائيلي أيضاً، حيث ستخوض القائمة انتخابات الكنيست 23.

أجندة عنصرية

ومع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة؛ ستتشكل أحزاب إسرائيلية أكثر يمينية كانعكاس مباشر وجدلي لتفاقم العنصرية في التجمع الاستيطاني الإسرائيلي، وتبعاً لذلك ستحمل الأحزاب الإسرائيلية، التي ستخوض الانتخابات؛ وبشكل خاص «حزب أمل» الذي شكله ساعر، في جعبتها أجندة عنصرية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المعروفة. وستكون الحكومة الإسرائيلية المقبلة أكثر يمينية في تاريخ دولة الاحتلال، وفي سلم أولوياتها تسريع الاستيطان في القدس والعمل على تنشيط الاستيطان في عمق الضفة الغربية، وخاصة في منطقة الأغوار لفرض السيطرة والسيادة الإسرائيلية مستغلة الانحياز الأمريكي المطلق للرؤى والتصورات الإسرائيلية.
والسؤال المطروح هل ستبقى القائمة العربية المشتركة مهمشة في الحياة السياسية في إسرائيل وأسيرة الأجندة الخاصة والضيقة للأحزاب والتكتلات المكونة لها؛ أم ستنظم صفوفها برؤى حقيقية مشتركة، بغرض تحقيق مزيد من القضايا المطلبية للأقلية العربية على الصعد كافة؛ التي تواجه معركة وجود بعد إصدار إسرائيل خلال العقد الأخير رزمة من القوانين العنصرية، والتي كان أخطرها قانون القومية اليهودي.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اسعد الله اوقاتك:

    موضوع جدير بالقراءة اسعد الله أوقاتك بكل خير وسعادة

إشترك في قائمتنا البريدية