دخلت القاهرة أسبوعها الثاني في ظل الحظر المؤقت الذي فُرض على النشاطات الفنية والإبداعية، فأرجأ كل المناسبات الاحتفالية إلى إشعار آخر لتبقى الأجواء خالية من الضجيج والصخب فتُصبح هادئة في طبيعة الحال، ولكنها تفقد بعضاً من رونقها، لا سيما في الفترة المسائية، حيث تغلق المحال التجارية أبوابها في الساعة السابعة مساءً خوفاً من الغرامة المالية الباهظة.
وقد التزمت نسبة كبيرة بقرار الحظر في مناطق وسط البلد وبعض المناطق القريبة من قلب العاصمة، بينما استمرت بعض الأحياء الأخرى في الأيام الأولى للحظر على عهدها في ممارسة الحياة اليومية بشكل شبة طبيعي لولا المخاوف من تفاقم الأزمة وتفشي العدوى وفق تصريحات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي لعبت دوراً رئيسياً في إحاطة الغالبية العظمى من الناس بالخطر فأدركوا مؤخراً عواقب عدم الالتزام.
وعلى أثر هذه المخاوف بدا ليل القاهرة مختلفاً إلى حد كبير، فبعد السهر والسمر تغيرت الصورة فصارت أقل جاذبية فلا حفلات غنائية ولا مقاهي ولا رحلات نيلية ولا طقوس مهرجانية ولا معارض تشكيلية، ركود كامل ومحاولات يائسة للبحث عن بدائل لقتل الوقت وكسر حالة الملل، فدار الأوبرا وهي الصرح الثقافي الأشهر والأكبر والحاوي لعدد من الصنوف الفنية والنشاطات المتنوعة باتت خاوية على عروشها، مجرد بناية فخمة فارغة تماماً من الرواد والزائرين.
وكذلك الحال في دور العرض السينمائية والمسارح وكافة قطاعات الفنون، فهناك ثمة شلل كامل في الحركة الفنية أدى إلى أزمات حقيقية في الدخول المالية للعمالة المؤقتة التي تعتمد على العائد اليومي كبعض الفئات الفنية والعمالية والكومبارس، وهؤلاء ليس لهم غطاء مادي أو اقتصادي يحميهم في أوقات الأزمة وحال امتداد فترة التوقف إلى آجل آخر.
ما يلفت النظر في تقييم الأزمة هو الخوف الشديد الذي بات يساور تلك الفئات ويهدد حياتهم بشكل حقيقي، خاصة أن إجراءات صرف مُستحقات العمالة غير المنتظمة التي أقرتها الحكومة المصرية ربما تأخذ بعض الوقت، أو تشمل فئة دون الأخرى وتقتصر فقط على العاملين المُثبتين والمتقاضين لرواتب محددة، وتتجاوز العمالة العشوائية والمُندرج تحتها العشرات أو ربما المئات من البسطاء من ذوي الاحتياجات الضرورية.
في هذه الظروف الصعبة لا يمكن اعتبار المهن الإبداعية ترفيهية يمكن التعويض عنها بأعمال أخرى، بل أنها مهن حقيقية يتوقف عليها مصائر الآلاف من العاملين فيها، كعمال الديكور والإضاءة والإكسسوار والملابس والكوافير وعمال الصيانة والنظافة وغيرهم من صُناع الصورة السينمائية والمسرحية والجنود المجهولين في طابور العمل اليومي الشاق.
إن الحالة الفنية والإبداعية هي نتاج صناعة كاملة متكاملة لها شروطها ومقدراتها والمتخصصون فيها، ولا يُناط بها النجوم والنجمات فقط باعتبارهم الواجهة والعناصر المُسلطة عليها الأضواء، حتى وإن كانوا مهمين في أوراق اللعبة التسويقية للمُنتج الفني وأساسيين في عملية المراهنة الموسمية، لكن في كل الأحوال ليسوا وحدهم من يشكل الصورة الفنية أو تقوم عليهم الصناعة الاقتصادية بالغة الأهمية.
لقد تحولت مشكلة الأنشطة الفنية المتوقفة بفعل الأزمة الصحية إلى قضية حقيقية تترتب عليها أزمات متوالية كالبطالة وتعليق عملية التوزيع داخل وخارج البلاد، فضلاً عن أزمات أخرى مؤجلة تتصل بباقي الدفعات من أجور النجوم الحاصلين على مقدمات مقابل البطولات في عدد من الأفلام والمسلسلات والظهور أيضاً في البرامج الرمضانية التقليدية لزوم التسلية والفكاهة، وهذه النوعية من البرامج تمثل بصفة خاصة مادة أساسية في احتياج القنوات الفضائية بوصفها مضمونة الربح وجاذبة للمشاهدين والمعلنين على حد سواء، وهو ما يجعلها من الأهمية بمكان في حساب المكسب والخسارة.