القتل وعقابه

حجم الخط
1

كحجم التوقعات بالخير، هكذا حجم الالم. فقد كتب بياليك يقول: «ثأر دم طفل صغير لم يخلقه الشيطان بعد»، غير أن ألم الامهات خلقه هنا مرات عديدة جدا.
في دولة تكون فيها احداث الارهاب جزءاً من صفحات التاريخ يعود من الصعب هز الكيانات. من الصعب ايجاد بياليك الذي يهز أمة كاملة. والماضي يفيد بان الالم في اسرائيل هو لزمن قصير، أما النسيان فلزمن طويل. وها هو مع ذلك كان يخيل أمس انه توجد لحظات تبقى تحز في اللحم.
في يوم الاحد ليلا تجمعت الناس في الميدان وقد اختير المكان بعناية، ووصل المغنون بعد مداولات وتفكير في كيفية التوجه الى المركز الاسرائيلي. كان هذا حدث خاص، مختلف عما عرفناه في الماضي. صور الفتيان رفعت فوق المنصة، ولكن الحدث لم يكن لهم بل للاخرين الذين لم يعرفوهم أبدا. فقد صلى الحاضرون إذ لم يكن شيئا آخر يفعلوه. غنوا معا إذ كان مريحا الايمان بان عزفا معينا لا يمكن وقفه.
أمس انقلبت الصلوات الى شكاوى، والمعزوفة الحزينة الى رد اسرائيلي معروف.
على مدى 18 يوما طويلا دارت المعلومة عن موت الفتيان في جهاز الامن وأسر تحرير الصحف. لم يكن ممكنا قول كلمة امام الامهات. فالايمان الساذج جرف وراءه أمة كاملة. وتبدد العقل أمام تلك العيون التي تطلعت الى الامل.
لم يوحد الاختطاف كل شعب اسرائيل، رغم الاحاديث عن الوحدة. ففي الديمقراطية لا يمكن خلق أصوات موحدة. وبقيت الهوامش هوامش كعادتها وشعلة القبيلة اتسعت فقط بشكل مؤقت.
السياسة على الجانبين جاءت بحقنة عالية منذ الايام التي تلت الاختطاف. وهي ستواصل المجيء في الايام القادمة ايضا. هذا هو سبيل السياسة، فهي تتجاوز المشاعر، تمتطيها طول الطريق نحو صندوق الاقتراع.
هذا الروتين حطمه أمس النبأ العسير عن العثور على الجثث. والحزن الذي يغمر القلوب يخلق لحظات من الصمت المشترك. والمشاعر هي مصدر فخار ولكنها ايضا جزء من المشكلة التي تواجهها حكومة اسرائيل.
الدولة لا تثأر انطلاقا من البطن، بل تثأر انطلاقا من الرأس. وهذا يسمى ميزان الردع. الدم يؤدي الى مزيد من الدم. ومع ذلك لا يكون مفر أحيانا. وأمس اجتمع المجلس الوزاري الامني كي يشق طريقه بين تلك المشاعر وذاك المنطق. وعرف اعضاؤه جيدا بان هذا اليوم لا بد سيأتي والمشاعر ستتفجر.
كان سهلا على السياسيين أن ينجرفوا خلف الصلوات والتمنيات – وسيكون صعبا اكثر عليهم أن يهضموا النتيجة المأساوية. وأمام حكومة اسرائيل توجد اليوم قيود أكثر مما توجد امكانيات. الجبهة حيال غزة لا تتغير بسبب ألم وطني. وهكذا ايضا الحاجة للحفاظ على قدرة الحكم لابو مازن. فالصراع بين الاسلام المتطرف والاسلام المعتدل هو صراع تضطر اسرائيل الى اختيار جانب فيه. لا يوجد هناك أخيار، بل اشرار أقل فقط.
معظم الفلسطينيين يكرهون اسرائيل. وهم يفرحون بالاختطاف وبالالم الذي يليه. وهذا يستدعي الصحوة من الحالمين بالسلام والحالمين بالضم الشامل للفلسطينيين.
المأساة لا تغير الواقع الاسرائيلي. لا توجد خطة بعيدة المدى، بل مصالح مؤقتة فقط. وفي هذه اللحظة المصلحة هي جباية الثمن وتهدئة المنطقة. جباية الثمن هي جزء مما هو متوقع في الشرق الاوسط، وتهدئة المنطقة هي جزء مما ينبغي.
منذ بداية الحملة نجح الجيش الاسرائيلي في أن يمس بالبنى التحتية لحماس في المناطق، وقد قام هو بالعمل نيابة عن ابو مازن. هذا لا يكفي لخلق الردع. يتبقى في يد اسرائيل أدوات عقاب ناجعة: هدم المنازل، الاعتقالات، سحب الامتيازات من السجناء. الهدوء يرتبط بالقدرة الاسرائيلية على استخدام قوتها ضد مخربين أفراد. دون هذه تتبقى لاسرائيل الادوات الثقيلة، التي معناها التصعيد.
منذ أمس رفع رجال «هموكيد» – مركز حماية الفرد التماسا الى محكمة العدل العليا ضد هدم منزل زياد عوض الذي قتل باروخ مزراحي. اذا استمرت اعمال الهدم والعقاب لمزيد من المخربين فسترفع التماسات اخرى. وما يمكن الان عمله بسهولة، سيكون أكثر تعقيدا في المستقبل. هذا الردع يجب أن يقدم وهو ساخن.

يديعوت 1/7/2014

يوعز هندل

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dr. abufahd UK:

    عزيزي يوعز هندل / بعد إختطاف الطفل الفلسطيني ( 16 عاما مثل أطفالكم الثلاثة صباح اليوم) و قتله و حرق جثته بجانب مدينة دير ياسين ( المعروفة تاريخيا لسفاحيكم قتلة العصابات الصهيونية) . هل ستعيد كتابة و نشر نفس المقال عالية مرة ثانية ولكن بطريقة مختلفة ؟.

إشترك في قائمتنا البريدية