عمان ‘القدس العربي’ أثارت عملية ‘تمنراست’ التي قتل فيها عشرة أشخاص من المتشددين الأصوليين الأجانب في الجزائر مجددا حزمة متكاملة من ‘الهواجس’ المتعلقة بما يجري ليس في ليبيا فقط بل في شمال إفريقيا برمته حيث تتزايد الضغوط على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من قبل جنرالات المؤسسة العسكرية لتجاوز حالة ‘إعلان طوارىء’ بإتجاه الإستعداد فعلا لسيناريو ‘التدخل العسكري’.
في تمنراست الجزائرية تم إسترجاع ‘ترسانة’ من الأسلحة الحربية كانت الإشارة الأولى على أن الشرر الليبي وصل إلى الحوض الجزائري في الوقت الذي أثبتت فيه تفصيلات عودة السفير الأردني المختطف فواز العيطان إلى بلاده أن ليبيا تتجه تماما ليس فقط نحو الإنفلات والفوضى الأمنية لكن نحو ‘الحكم الجهادي’.
الحوارات التي تجري حاليا في عمق غرفة القرار الجزائري تختبر عمليا وحسب مصادر مغرقة في الإطلاع تحدثت لـ’القدس العربي’ سيناريوهات العودة للمربع العسكري في المسألة الليبية. يمكن ببساطة بناء إستنتاج ‘جزائري’ حول هذا السياق من تقرير أمني إستراتيجي جزائري إطلعت عليه ‘القدس العربي’ وأشار للكثير من الحيثيات ملمحا ألى أن الرئيس بوتفليقة يقاوم ضغطا من جنرالات الجيش للإتجاه نحو الخيار العسكري التصعيدي ولا يريد أن يبدأ فترته الرئاسية الجديدة بالغرق في مستنقع ‘أمني وعسكري’ كما قال في إجتماع بارز مع أركان المؤسسة العسكرية.
تزامن الهاجس الجزائري مع إعلان وزارة الدفاع الفرنسية عن نشر ثلاثة آلاف عسكري في الجنوب قبالة السواحل الموصلة إلى ليبيا والتحضيرات التي تجري في ‘مالي’ لعودة العمليات العسكرية والإحتياطات الطارئة لخفر السواحل الإيطالي والحراك ‘العربي’ الموازي الذي يحاول ‘إثبات الحضور’ في سياق الملف الليبي الملتهب.
الإفراج عن السفير الأردني المختطف في مقايضة مع عضو تنظيم القاعدة السجين في عمان محمد درسي والتقدم الواضح في الأرض لتنظيم ‘أنصار الشريعة’ ..ومقتل جنرال المخابرات الليبية سليمان سنوسي وإعلان مختار مختار مع مجموعته الإنضمام إلى الظواهري في ليبيا، كلها أحداث ومعطيات وردت في التقرير الجزائري الذي أشارت له ‘القدس العربي’ في سياق إستعراض دائرة الخيارات الإستراتيجية في الواقع الموضوعي .
هذه التطورات خيارات ضاغطة على القرار السياسي الجزائري وكل القراءات الإستراتيجية الجزائرية تتحدث عن إنتقال مفاجىء وسريع للحرب المفتوحة في ليبيا قريبا مما يعني أن العين الجزائرية ينبغي أن تسهر على الأمن الداخلي.
في التفاصيل والحيثيات ألقى بوتفليقة خطابا وصف فيه عملية ‘تمنراست’ بأنها ‘إحباط لهجوم خارجي’ ثم قام بدعوة الشعب لمساندة الجيش الوطني الشعبي مما اعتبره مراقبون إشارة تحضير لـ’سيناريو ما’.
في رأي التقرير أن كل هذه المعطيات لا يمكن أن يقع تزامنها بمحض الصدفة، بل تؤشر على تلقي الجزائر ودول غربية تقارير أمن سرية للغاية، تحذر من انتقال الفوضى من ليبيا إلى تونس ومن عودة الجماعات السلفية الجهادية المتشددة لممارسة نشاطها في شمال مالي.
لذلك يتحدث الجزائريون، خصوصا في الجيش ومصالح الأمن، عن تحديات أمنية غير مسبوقة وبعد عودة الجماعات السلفية الجهادية لممارسة نشاطها في مالي وليبيا وإحتمالية تجهيزها لعمليات نوعية في فصل الصيف قررت فرنسا فيما يبدو ‘طمأنة’ حلفائها في المنطقة ووصلت الرسالة للجزائريين.
مصالح الأمن كانت قد حذرت مؤخرا من تدهور الأوضاع في إقليم ‘أزواد’ حيث لم تتمكن القوة الفرنسية، بإعتراف باريس، من تدمير المخزون الكبير للأسلحة بيد الجهاديين السلفيين في مالي، وعمدت وزارة الدفاع الفرنسية إلى تخفيض قواتها في شمال مالي قبل انتهاء المهمة، إذ لم تتمكن القوات الفرنسية من تدمير مخزون السلاح الهائل لدى التنظيمات والفصائل السلفية الجهادية، وكذا مخابئ هذه الجماعات في جبال إيفوغاس تيغاغرار وأجلهوك وإيزوغاك.
كما أن القوات الإفريقية والمالية لم تتمكن من سد الفراغ الذي تركه انسحاب القوات الفرنسية من إدارة العمليات العسكرية في المناطق الساخنة في شمال مالي، وهو ما قد يعيد المنطقة إلى المربع الأول، لمنع تسلل الجهاديين إلى جبال بودخاننشر.
كل ذلك يحصل في خاصرة الجزائر، ومع إنفلات الوضع الأمني في ليبيا تقرع الغرف الأمنية الجزائرية كل أجراس الأنذار وهو ما لفتت النظر أليه صحيفة مهمة مثل ‘الخبر’ نقلت عن مصدر أمني مطلع أن قوات الجيش الوطني الشعبي العاملة في ولاية خنشلة، انتشرت عبر حدود الولاية مع ولايات الوادي، تبسة وبسكرة، لمنع تسلل الإرهابيين إلى جبل بودخان الذي يؤوي عددا كبيرا من الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وحسب الصحيفة كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستيكية تم وضعها على حدود الولاية مع الولايات الجنوبية، بما فيها القوات الجوية لمراقبة الوضع العام على الحدود.
وتقوم القوات الجوية الجزائرية في سياق المراقبة، باستطلاع يومي، بالليل والنهار، على الحدود مع دولتي تونس وليبيا، فيما تُركت مهمة الاستطلاع على باقي الحدود مع دولتي النيجر ومالي لقوات الجيش العاملة في ولايات إليزي وتمنراست وحتى أدرار.
الحرب الوشيكة بهذا المعنى وفي التقدير الجزائري أصبحت الآن عبئا أمنيا جزائريا وخيارات الرئيس بوتفليقة في ضوء الواقع الموضوعي وضغط الجنرالات تبدو ‘ضيقة جدا’ وغير متنوعة .
والتقارير تتحدث عن حرب أهلية وشيكة طويلة الأمد في ليبيا وهي تقديرات لا تختلف معها بعض القوى في المعادلة الليبية نفسها مثل المؤتمر الوطني الذي يتحدث بوثائقه عن أطنان من الذخيرة ونحو20 مليون قطعة سلاح خارج إطار الشرعية في ليبيا.
الأخطر في الحرص الجزائري هو إحتمالية إنتقال الفوضى الليبية الجهادية عبر ‘الجارة تونس ‘خصوصا بعد إثبات تحكم جهاديين تونسيين في مفاصل أساسية من قيادة وهياكل التنظيمات الجهادية في ليبيا .
تونس ..الرخوة في مقابل المشهد الليبي هي الخاصرة المقلقة .
بسام البدارين
هؤلاء القيادة العسكرية العليا للجمهورية وليسوا الجنرالات قليلا من الاحترام