«القدس العربي» تعاين صوراً وشهادات من التكافل الاجتماعي لمساعدة ضحايا الزلزال شمال غربي سوريا

هبة محمد
حجم الخط
1

إدلب – حلب – «القدس العربي» : بعدما أدار العالم ظهره لهم، وتأخرت المساعدات الدولية عن المنكوبين بفعل الزلزال المدمر، أدرك السوريون أنهم وحيدون مجدداً في الميدان أمام هذه الكارثة، متهمين الأمم المتحدة بأنها قد ارتكبت جريمة ويجب محاسبتها عليها.
وعمّق التجاهل الدولي لدى أهالي إدلب المنكوبة في شمال غربي سوريا، حس التكافل والتعاون، فتضافرت جهودهم رغم نكبتهم، وساهمت فرق التوعية التي شكلها طلبة الجامعات في ريفي إدلب وحلب بشكل طارئ وعلى عجل، بمساعدة المتضررين من الزلزال والوقوف إلى جانب الدفاع المدني في عمله الذي فاق إمكانياته.
شكّل الطلاب عدة لجان لجمع التبرعات، كما عملوا على تقديم الاستجابة السريعة للمتضررين، ويقول مدير شبكة همم الطلابية فراس الحسين من جامعة «حلب الحرة» – وهي شبكة تجمع عشرات الفرق التطوعية من طلبة الجامعات في الشمال السوري – لـ«القدس العربي»: كنا حريصين على تقديم المساعدة بأضعف الإمكانيات، وتفاجأنا بحجم التبرعات لنا، مما زاد نشاطنا فتوجهنا بسرعة مع ساعات الزلزال الأولى إلى مناطق الضرر، وانقسمنا لعدد من الفرق الميدانية، فقسم منا ساهم في عمليات رفع الأنقاض عن العالقين برفقة الدفاع المدني، وقسم آخر عمل على تجهيز قوافل مساعدات تحتوي على خيم ولباس وطعام، وقسم ساهم بتقديم الرعاية الطبية للمصابين وهم من طلبة كليات الطب البشري.
ويتابع نوصل الليل بالنهار وهناك مئات المتطوعين يشاركون الدفاع المدني مع غياب المساعدات الدولية، همتنا عالية جداً، انتشرنا في مناطق جنديرس والأتارب، سرمدا، جسر الشغور، بسنيا بحارم، وسلقين، في كل مرة نطلب فيها سيارة للتطوع ومساعدتنا في إسعاف جرحى أو إيواء الناس، وعلى الفور يتم تلبية النداء، بينما نعمل بأقصى طاقتنا رغم عظمة الاحتياجات.
وقدم فريق «همم شبابية» استجابة لـ2600 عائلة متضررة من الزلزال، تركزت الخدمات على مساعدة الدفاع المدني في انتشال العالقين تحت الأنقاض، وتوزيع مواد تدفئة ومواد غذائية وتوصيل عائلات مشردة إلى مراكز الإيواء، وهو واحد من عشرات الفرق التطوعية المحلية التي عملت على مساعدة المتضررين من الزلزال.
ولم تتوان الطالبات عن تلبية النداء، فقد عمل الكثير من المتطوعات على مساعدة المتضررين من الزلزال.

مطبخ ميداني

آيات أحمد من جامعة إدلب، تروي لـ«القدس العربي» كيف لبت الطالبات في المنطقة المنكوبة نداءات الاستغاثة، وتقول: هرع طلاب وطالبات الجامعة في إدلب، لتلبية نداء المساعدة والاستغاثة، فتوجه الطلاب إلى مراكز الضرر على الفور، بينما نحن الطالبات أسسنا مطبخاً ميدانياً داخل الكليات، لإعداد الطعام وتجهيز وجبات للمتطوعين في أماكن رفع الأنقاض وفي المشافي والمراكز الطبية، ضمن ساعات طويلة من العمل المتواصل، فالمسؤولية تقع على عاتق الكل، ولا يجب أن نبخل بأي جهد في خدمة أهلنا المتضررين.
في حين شكّل عمار جابر من ريف حماه، فريقاً تطوعياً من أبناء المخيم الواقع في منطقة الدانا شمال إدلب، ويقول عمار وهو مدير المخيم لـ«القدس العربي»: عرضت المساعدة لعدة أشخاص متضررين من الزلزال، واستقبلناهم في مخيمنا المتواضع، ولم نكتف بذلك، بل قمنا بتجهيز ثلاث سيارات تحمل خيماً واسفنجات وأغطية ومواد غذائية، وتوجهنا بها إلى مدينة سلقين، بعد العلم بوجود 150 عائلة تجلس في العراء في هذا الجو البارد، بالإضافة للتبرع بالدم من قبل أبناء المخيم في المشافي والمراكز الطبية القريبة.

هاربة من نار النظام

وتتجلى صور التكافل الاجتماعي بأبهى صورها في شمال غربي سوريا، فالكل أعلن استنفاره، نجدةً للدفاع المدني السوري، ومساعدته بانتشال العالقين تحت الأنقاض، وإيواء المشردين في العراء في الطقس البارد، وإسعاف الجرحى الى المشافي والمراكز الطبية، حتى النساء والأطفال ساهموا بتجهيز وتوزيع الطعام للمتطوعين.
نجت إخلاص عمر موسى المهجرة من مدينة سراقب مع عائلتها من تحت الأنقاض في مدينة أرمناز غرب ادلب، على وقع الزلزال الذي ضرب المنطقة، وهي أرملة ولديها أربعة أولاد وابنتان، تقول اخلاص التي تمشي على عكاز رباعية: « تعرضت لإصابة بالغة في عام 2013، فقد سقط صاروخ في منزلي في سراقب، فأصبت بعاهة دائمة فقدت فيها قدمي وعيني، بقيت في تركيا لمدة ستة أشهر تحت العلاج، بعدها نزحنا من سراقب في 2019 الى بلدة أرمناز غرب إدلب، لمدة ثلاث سنوات، ندفع آجار المنزل رغم ضيق الحال، بسبب صعوبة السكن في المخيم لوجود عاهة وعجز»
وتروي لـ«القدس العربي» حالتها مع دقائق الزلزال الأولى، تقول:» عشنا ساعات من الرعب لا أتمناها لإنسان، فعند حدوثه بعد أنا كنا نيام، بدأ السقف وكأنه سيسقط علينا، وبدأت الحجارة تتهاوى فوق رؤوسنا، هربت جميع عائلتي الى الشارع وأنا لم أستطع التحرك بسبب عجزي، وقلت لأولادي: اتركوني واهربوا، دبروا حالكم، فعاد إليّ أحد أولادي وقام بحملي إلى الشارع». مضيفة أنها عاشت ساعات فيها الكثير من الخوف والبرد وتحت المطر بين أشجار الزيتون، الى أن جاء الصباح، لتشاهد حارة كاملة في أرمناز قد سُويت بالأرض.

مخيم «الراحمون»

تحت المطر استطاع أحد أبناء إخلاص التواصل مع مدير مخيم الراحمين في بلدة حربنوش، بعد سماع تسجيل صوتي لمدير المخيم عبر أحد الغرف عن استعداده لاستقبال المتضررين من الزلزال في مخيمه. تقول إخلاص: كانت درجة الحرارة 4 تحت الصفر، ذهبنا لمخيم الراحمون، وكان مدير المخيم قد جهز لنا خيمة وفيها فرش وأغطية وتدفئة وجمع بعض الطعام من سكان المخيم، مع العلم أن المخيم وضعه جداً سيء وأهله بوضع اقتصادي متردٍ، ولكن الناس فيها خير لأهلها رغم ضيق الحال».
يقول خالد العمر مدير مخيم «الراحمون» لـ«القدس الـــعربي»، استقبلنا في مخيمنا 90 عائلة، فالحال صعب على الجميع، لكن اليوم هناك أولوية لإيواء الناجين من الزلزال في هذا البرد القارس، ولن نبخل على أهلنا بأي جهد، فقد تقاسمنا معهم الخيمة ورغيف الخبز.
تعرضت مدينة أرمناز لدمار كبير في المنازل والبنى التحتية، فيقول خالد محمد وهو أحد المتطوعين المسعـــفين:» هــناك حارات بأكملها تدمرت في أرمناز عــلى رؤوس ساكنيها، حيث بلغت أعداد الوفيات فيها وحدها 155 ومئات المصابين الذين يتلقون العلاج، نحن في حالة مأساة كبيرة أصابت البلدة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    بارك الله في الشعب الفلسطيني الكريم الشهم ?✋

إشترك في قائمتنا البريدية