القدس تضطرب

حجم الخط
0

كم كنا قريبين في الاسبوع الماضي من حريق حقيقي في المسجد الاقصى خلال أحداث الشغب في جبل الهيكل؟ هل يهم ذلك أحدا عندنا أصلا؟ لا في الحقيقة. ما أحلى سنة شتائنا.
رمى المرابطون – وهم بضعة عشرات من الفلسطينيين بعضهم عرب اسرائيليون من أفراد الحركة الاسلامية، جعلوا أنفسهم حُراسا بأجور لجبل الهيكل مما يسمونه «السيطرة اليهودية» – رموا بزجاجات حارقة من داخل المسجد. وأطلقت شرطة اسرائيل ردا على ذلك وسائل تفريق مظاهرات الى داخل المسجد، وتطايرت المفرقعات النارية في كل اتجاه. وما كان ينقصنا سوى أن يشتعل السجاد ويحترق المسجد لينسى العالم الاسلامي كله – شيعة وسنيون معا – الخلاف بينهم ويهبوا الى هنا.
وهم عندنا يُسكنون النفوس ويقولون لنا إن الاضطرابات في جبل الهيكل الى خفوت. كان في عيد العرش حج يهود الى القدس فزاد التوتر هناك شيئا ما، وهذا كل شيء، ولأنه جاء الى القدس في العيد عدد أكبر من اليهود قضت الشرطة بألا يوجد المسلمون تحت سن الخمسين هناك في ساعات زيارة اليهود. صحيح أنه جاء الى هناك ايضا المخلصون لجبل الهيكل ووقع شيء من التحرش، وعدد من اعضاء الكنيست وأنشدوا نشيد الأمل «هتكفاه» بالقرب من المسجد لكن الوضع الراهن محفوظ.

نخدع أنفسنا

كل شيء موهِم. ونحن نخدع أنفسنا. فهذا «الوضع الراهن» الذي يتحرك بطيئا طول الوقت كي لا يغضب اليمين المتطرف قد لا ينشيء مظاهرات في القدس فقط بل قد يطرد الملك الاردني عن عرشه ايضا، ولهذا يغضب على حكومة اسرائيل التي تلعب بالنار في جبل الهيكل لكنها تتظاهر بأن كل شيء تحت السيطرة.
رد نتنياهو أول أمس على الملك الاردني بأن اسرائيل لم تُحدث أي تغيير في جبل الهيكل. وهذا صحيح. فقد صد نتنياهو كل الضغوط المستعملة عليه من اعضاء كنيست ووزراء من اليمين في ائتلافه الحكومي. لكن قضم الوضع الراهن ينشأ من أسفل «ببطء». فقد طلب اليمين المتطرف مثلا أن يُفتح باب آخر الى جبل الهيكل خلال عيد العرش. ورفضت الشرطة هذا الطلب لكن كانت تكفي إشاعة أن اليهود يوشكون أن يفتحوا «باب القطانين» كي يعتقد الشارع الفلسطيني أن فرق أوري اريئيل وموشيه فايغلين العسكرية قد أصبحت تسيطر على جبل الهيكل. وجمع المرابطون زجاجات حارقة وحجارة واستعدوا للسيطرة اليهودية. واستقر رأي الشرطة، وبحق من وجهة نظرها على نقض هذا التنظيم الخطير فدخلت جبل الهيكل في ساعات المساء حينما لم يكن اليهود هناك كي تصنع نظاما. وكان صنع النظام ذاك قد ينتهي الى اشعال الشرق الاوسط.
اذا كانت البؤرة المركزية للانتفاضة المصغرة في القدس هي منطقة جبل الهيكل، فان البؤرة الثانية هي سلسلة جبال شعفاط، في مسار القطار الخفيف، مع تسرب الاضطرابات الى قرى وأحياء في غلاف القدس، وقد بدأت هذه المنطقة تشتعل بعد قتل الفتى محمد أبو خضير. وخلال عملية «الجرف الصامد» كلها أجج رجال حماس النار محاولين فتح جبهة ثانية في مواجهة اسرائيل كي تزيل شيئا من الضغط عن القطاع. وبعد أن انتهت العملية عادت الضفة الى هدوء نسبي لكن منطقة القدس بقيت تشتعل. والشرطة التي حاولت أن تحشد الجهد زادت في الاحتكاك فقط، ففي حي العيسوية وحده اعتُقل في الشهر ونصف الشهر الاخيرين 120 شخصا وأخذ يزداد عنف الشوارع. وأصبح إفساد الممتلكات أمرا يوميا، وليس الحديث فقط عن محطات القطار الخفيف بل عن محطة وقود التلة الفرنسية التي أُحرقت مع عشرات الاحداث الاخرى للاحتكاك الدائم مع أذرع الأمن.
ومن خضم هذه الفوضى ينمو ايضا منفذو عمليات أفراد كالقاتل من سلوان الذي دهس أول أمس تسعة مواطنين نزلوا من القطار الخفيف في القدس وقتل حايه – زيسل وهي رضيعة عمرها ثلاثة أشهر. فهل تأثر منفذ العملية الفرد ذاك أم لم يتأثر بدعوات تحريض حماس في القطاع التي تشجع انتفاضة كاملة في الضفة لحماية جبل الهيكل؟ قد يكون هذا سؤالا اكاديميا مهما. لكن في جو جد ساخن لا يعوزنا متطوعون لعمليات من هذا النوع.

في الطريق الى القاهرة

أفضت الانتفاضة المصغرة في اثناء ذلك الى تشكل كل المجموعات الفلسطينية التي تعمل في جبل الهيكل، من اعضاء الحركة الاسلامية الاسرائيلية الى نشطاء حماس في شرقي القدس ورجال «حزب التحرير» – وهو حزب اسلامي دعا الى انشاء خلافة اسلامية قبل تأسيس داعش بسنين كثيرة – ونشطاء فتح، ثم العاملين في الأوقاف. وأصبح جبل الهيكل هو المكان الوحيد الذي تتعاون فيه حماس وعرب اسرائيل وممثلو السلطة الفلسطينية معا في جانب المتراس نفسه.
لكنهم عندنا لا يتأثرون لأننا لا نرى أنه توجد على الارض علامات تشهد على ازمة أمنية كبيرة في الضفة القريبة جدا. يوجد في الحقيقة قطيعة سياسية مطلقة لكن يلاحظ تحسن في العلاقات الاقتصادية، بل يوجد تحسن في التنسيق مع اجهزة الأمن الفلسطينية وينتقل قدر أكبر من المعلومات من جانب الى آخر. وصحيح أن اسرائيل لم توافق لهم على زيادة سلاح خفيف كما طلبوا لكنها سمحت للاجهزة في مقابل ذلك بأن تتسلح بوسائل لتفريق المظاهرات. وتُمكن اسرائيل الاجهزة من العمل في مناطق مثل «إتش 2» في الخليل، وتسجل الاجهزة نجاحات في مجال وقف اموال الارهاب وتوقيف صانعي الوسائل القتالية، فلماذا نشتكي؟ بل إنهم نجحوا في صد تنظيمات حماس لمظاهرات بسبب الاحداث في القدس. وهكذا يقولون في جهاز الأمن إن الضفة بعد «الجرف الصامد» هادئة ما عدا القرى في غلاف القدس وأحياءً في القدس. وهي هادئة جدا حتى إن ذلك غير طبيعي.
ليس ذلك هدوءً بل هو يأس. فما عادوا في السلطة الفلسطينية يُصدقون أي شيء لا مبادرة كيري القديمة ولا الجديدة. وهم يتهمون اسرائيل والولايات المتحدة بالخداع. وأصبح أبو مازن ورجاله يتصرفون وكأنه لم يعد يوجد عندهم ما يخسرونه. سيخرجون في نهاية هذا الشهر الى القاهرة لمحادثات مع مصر ومع اسرائيل في التسوية الدائمة في قطاع غزة. ويعلم الوفد الفلسطيني مسبقا أنه لن يحصل من اسرائيل على أية موافقة خطية على أي مسار يمنح حماس ميزة ما. وقد استدخل من قبل أن اعمار غزة سيتم بحسب معايير حددتها اسرائيل دون التوقيع على أية ورقة ملزمة. ولا يوجد ما يتم الحديث فيه أصلا عن ميناء أو مطار. وقد اعتقدت السلطة الفلسطينية أن المصريين سيُدخلونها الى غزة من الباب الرئيس. واصبح واضحا لهم اليوم أنه حتى الشرطة الزرقاء في غزة لن تكون في ضمن مسؤولية رام الله. قد ينجحون في ادخال موظفين في مستوى متوسط الى مكاتب متفرقة في حكومة حماس. وتتباحث حماس وفتح اليوم في شروط وضع رجال السلطة في معبري كرم أبو سالم وإيرز، لكن حكومة الوحدة ليست أكثر من وهْم.
حيثما توجه أبو مازن ورجاله وجدوا الطريق مسدودا أمامهم. ولو كان عرفات حياً في هذه المرحلة لاتجه الى مواجهة مسلحة. إتخذ أبو مازن قرارا مختلفا واتجه الى نضال شامل في الساحة الدولية، في كل جبهة وفوق كل منصة ممكنة. وهو لا يعلم الى أين يفضي ذلك النضال، لكنه يحاول أن يزلزل اسرائيل الى أن تُلزم نفسها بالانسحاب الى حدود 1967. ونشك في أن يكون أبو مازن نفسه يؤمن بأنه سينجح. لكنه هو والعاملون معه يعلمون أن الجمهور في الضفة ينظر اليهم على أنهم يبيعون القضية الفلسطينية مقابل ملذات الحكم. واذا لم يفعلوا شيئا فان أجل السلطة محدود. ويقرأون في جهاز الأمن هذه الصورة قراءة جيدة لكنهم لا يفعلون مع ذلك أي شيء. ولا يهم أحدا تختفي السلطة أم تبقى. لكن حينما يحترق بساط في جبل الهيكل ونستيقظ من سبات الدب سيتبين لنا أن النظام في الاردن يتضعضع وأن السلطة الفلسطينية لم تعد موجودة لأننا محوناها، لكن ذلك سيكون متأخرا جدا. وربما آنذاك حينما ننظر الى الشرق ونرى الاسلام المتطرف بالقرب منا سندرك كم كنا وما نزال حمقى ومستكبرين.

يديعوت 24/10/2014

اليكس فيشمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية