أي نص له مقدمات، تساهم في تشكيل الدلالات في البنية الكلية للكتاب، فهي تندرج تحت ما يصطلح عليه « Paratext أو «العتبات النص» التي عنيت أبحاث النقد المعاصر بدراستها، وأسهم الوعي النقدي الجديد في إثارة علاقة العتبات والنصوص المحيطة أو المجاورة أو الملحقة بالنص المركزي، فصار مفهوم عتبات النص مكونا نصيا أساسيا ودالا وله دور كبير في رسالة النص المركزي.
وقد أشار ميشيل فوكو في كتابه «حفريات المعرفة» إلى أهمية التعامل مع الكتاب وفهم خطابه بمراعاة كثير من النصوص والآثار التي تحيط به؛ فحدود كتاب ما من الكتب ليست أبدًا واضحة بما فيه الكفاية، وغير متميزة بدقة، فخلف العنوان والأسطر الأولى والكلمات الأخيرة، وخلف بنيته الداخلية وشكله الذي يضفي عليه نوعا من الاستقلالية والتميز؛ ثمة منظومة من الإحالات إلى كتب ونصوص أخرى، لقد ذكر فوكو هذا الطرح وهو يناقش الفرق بين الكتاب والأثر، وأنه يتعين علينا دراسة الكتاب كوحدة واحدة، واعتبار أن هذه الوحدة متغير ة ونسبية، ولا تنشأ إلا داخل حقل خطابات متشابك.
لقد نبّه فوكو إلى أهمية عدم إغفال أي نصوص أو إحالات يشملها الكتاب والتعامل معه كوحدة مادية واحدة، بدراسة كل ما فيها، فالرؤية التقليدية السائدة من قبل تركّز على النصوص الأساسية في الكتاب، بالتركيز ـ مثلا – على نص القصة أو الشعر فقط، بدون النظر إلى الهوامش والعناوين الجانبية. كما أشار إلى عدم التسليم بالكتابات أو المجموعات (الكتابية) التي جاءتنا بمنظومة وسياق تاريخي ما، فعلينا أن نضعها فورا على محك السؤال، وإعادة تفكيكها من أجل معرفة جديدة، ومحاولة بنائها بناء جديدا، والنظر في إمكانية ردها إلى مكان أرحب وأوسع يسمح بتنظيرها.
وهذا يعني عدم اليقين بأي تأويلات ومفاهيم مسبقة، وإعادة النظر في أي كتابات بنظر جديد، والسعي إلى قراءتها ضمن سياقات معرفية وثقافية وفكرية مختلفة، ومساءلتها، ما يساهم في الكشف عن المسكوت عنه، وإعادة بناء الدلالة الظاهرة ومناقشة ما هو دارج معرفيا عنها.
وكان جيرار جينيه من أوائل من تطرقوا إلى هذا الموضوع، في أبحاثه عن تطوير الآليات النقدية الإجرائية، من أجل الانتقال من مجال النص المغلق إلى النص الشامل، فلم يعد الاهتمام مقتصرا على النص الأساسي وحده، بل تعداه إلى الاشتغال على النصوص الموازية له، التي هي: «عبارة عن ملحقات نصية وعتبات نطأها قبل ولوج أي فضاء داخلي كالعتبة بالنسبة إلى الباب، وكما قال جينيه: إحذروا العتبات».
مقدمة الكتاب ـ كمفهوم – تختلف عما يسمى «الاستهلال» الذي يمثّل مطلع النص أو استهلاله، فالاستهلال هو الجملة الأولى التي قد تكون عبارة طويلة أو الصفحة الأولى منه.
وبتعريف أوضح فإن العتبات تعني: مجموع النصوص التي تحيط بمتن الكتاب من حواشٍ وهوامش وعناوين رئيسية وفرعية وفهارس ومقدمات وخاتمات وغيرها من بيانات النشر المعروفة، التي تشكل في الوقت ذاته نظامًا إشاريًا ومعرفيًا، لا يقل أهمية عن المتن، الذي يخفره أو يحيط به، بل إنه يلعب دورًا مهمًا في نوعية القراءة وتوجيهها.
ولا شك في أن مقدمة الكتاب ـ كمفهوم – تختلف عما يسمى «الاستهلال» الذي يمثّل مطلع النص أو استهلاله، فالاستهلال هو الجملة الأولى التي قد تكون عبارة طويلة أو الصفحة الأولى منه، وعلى شيء من التوافق بين مفرداتها وغايات العمل وأهدافه ونسيجه، وتكاد تساهم وتحدد مسار العمل الفني كله. فوجه الاختلاف أن المقدمة سابقة لمتن الكتاب نفسه، أما الاستهلال فهو البداية الأولى لمتن الكتاب، وفي كليهما دور دلالي، ولكن لا بد من التفرقة بين دور الاستهلال بوصفه مطلع المتن/ النص الأساس في الكتاب، والمقدمة التي تحوي خطبة المؤلف ومراميه. وإذا كان الكتاب مترجما فسنجد مقدمة خاصة للمترجم، تضاف إلى مقدمة المؤلف. وإذا أخذنا كتاب «كليلة ودمنة» نموذجا، فإننا نجد مقدماته تؤدي جزءا من الدور المناط بالاستهلال، فالكتاب – طبقًا للنسخة العربية المترجمة عن الفارسية وهي مترجمة من قبل عن اللغة السنسكريتية القديمة في بلاد الهند – يشتمل في واقع الأمر على أربع مقدمات، تساهم في الدوري الدلالي للاستهلال، كونه يشكّل مفتاحا للولوج إلى النص، وجذب انتباه القارئ إلى الموضوع بأدوات كلامية حسنة وبأسلوب تعبير مثير، وتقدم تلميحا بأيسر القول عمّا يحتويه النص عبر تقديمه روابط عضوية ومضمونية للمحتوى، ما يشوّق القارئ إلى متن الكتاب وقصصه وعالمه العجيب. لأنها ـ وكما سنرى ـ تحوي الكثير عن ظروف تأليف الكتاب، وأهدافه، وفلسفته، بجانب سبل ترجمته من اللغة الهندية القديمة إلى الفارسية ثم من الفارسية إلى العربية، ونكتشف في كل مقدمة إضافة دلالية ومعرفية تساهم في إنارة متن الكتاب. فالمتن ينقلنا مباشرة إلى زمن موغل في القدم في التاريخ الهندي، بقصصه التي تتخذ من رحاب بلاد الهند وطبيعتها المتميزة ميدانا لأحداثها، ونجد فيها امتزاجا وتداخلا بين العمران البشري والغابات والجبال، وقد تعمّد «بيدبا» المؤلف أن يسجل الأمكنة والبلدان بأسمائها الحقيقية، ويذكر أسماء البشر، ويطلق على الحيوانات أوصافا وأسماء مأخوذة من سياق القصة، وبعضها احتفظ بالاسم الهندي ذاته.
كما تساهم المقدمة في تقديم معلومات وأفكار مسبقة، عندما يكون النص ملغزا وملتبسا في بعض مفرداته أو أعلامه أو تكون الشيفرة التي صيغ فيها النص ضاعت واندثرت فيتعذر الوصول إلى المغزى كاملا والغرض من إنتاج النص، وأيضا الغرض من ترجمته، فتكون هناك حاجة لوجود نوع من النصوص الموازية (أو السابقة) تشكل شروحا وتفسيرات وإيضاحات للنص. وهو ما توافر بوضوح في مقدمات «كليلة ودمنة»، فما إن يفرغ المتلقي من قراءة المقدمات إلا ويكون ملما بظروف إنشاء الكتاب، وعالمه، ومجتمعه، ومرامي كل من المؤلف والمترجمينِ (الفارسي والعربي )، وعصوره المختلفة.
٭ اكاديمي من مصر
ورد تحت عنوان (القراءة الدلالية للعتبات النصية) أن هدف الموضوع مناقشة الفرق بين الأثر وبين الكتاب،
وأضيف لها كمنتج من المنتجات الانسانية، في إقتصاد أي دولة في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني/الرقمي،
الناتج عن الجيل الرابع من الثورة الصناعية التي أنتجت الكتاب، في حين الأثر يتركه الإنسان نفسه في ما هو حوله،
بدون منتج ذو عائد اقتصادي مربح في أي سوق للتبادل التجاري، بين منتجات ثقافة الأنا (الرجل) ومنتجات ثقافة الآخر (المرأة)،
لن يمكن تكوين أسرة أو شركة أو دولة، للوصول إلى لغة ثقافة النحن كأسرة ذات منتجات إنسانية،
ومن ضمنها الأثر والكتاب نفسه الذي تريد فك أسرار/دلالة/شفرة معاني لغة قاموس المُنتج، من أجل استيعاب فهمه بشكل أوسع، وإعادة صياغته بطريقة جديدة مختلفة.??
??????