أخذت القضية السورية منعرجا جديدا بعد الاقتراح الذي قدمته روسيا والمتمثل في وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيدا لتدميرها، مع التزام نظام الأسد بمعاهدة دولية تحظر إنتاج أو استخدام هذه الأسلحة. وقد لقي هذا الاقتراح قبولا من النظام السوري ومن ورائه إيران، مثلما لقي قبولا من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. إلا أن هذه الخطة لم ترض دول مجلس التعاون الخليجي، التي باركت مشروع التدخل العسكري في سورية وأبدت استعدادا لتحمل نفقاته. أما ‘الجيش السوري الحر’ ومن ورائه ‘الائتلاف السوري المعارض’ المدعوم خليجيا وتركيا وأمريكيا، فقد وجد نفسه في التسلل بعد أن طارت الكعكة من فمه، باعتبار أن التدخل العسكري الأمريكي – الغربي ضد نظام الأسد أصبح مستبعدا. أما الجانب الإسرائيلي فقد أبدى نوعا من الارتياح الحذر، إذ أشادت بعض القيادات السياسية في الحكومة الإسرائيلية بـ ‘ثمار’ التهديد العسكري الأمريكي، الذي أجبر النظام السوري على تقديم تنازلات بتخليه عن الأسلحة الكيماوية، كما أضاف مسؤولون سياسيون إسرائيليون أنه من الواجب اتباع نفس الخطة ضد النظام الإيراني في ما يخص برنامجه النووي. ما يمكن استنتاجه من التطورات الأخيرة للقضية السورية، أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تدور في فلك ذلك التعامل النمطي الذي يقوم على أساس (إسرائيل الطاقة الإرهاب). ففي الأيام الأخيرة شهدنا تلك النظرية الكلاسيكية البسيطة التي تقوم على أساس ذلك الأوتوماتيزم النمطي المتمثل في، أمن إسرائيل في خطر ـ اللوبي الصهيوني يضغط ـ الولايات المتحدة تستجيب وتتحرك. فالائتلاف السوري المعارض المدعوم خليجيا وتركيا وأمريكيا وجد نفسه في التسلل، باعتبار أن نفوذه يبقى رهين الأوكسجين الذي تجود به التقاطعات مع مصالح الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل. خطة وضع الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية لقيت ترحابا من الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري ومن ورائه إيران، باعتبارها مثلت نقطة التقاء لمصالح هذه الأطراف، فالرئيس أوباما وجد منفذا للخروج من الأزمة بحفظ ماء الوجه، وطمأنة إسرائيل على أمنها، واتقاء شر اللوبي الصهيوني الذي يزداد شراسة ولا يتردد في استعمال شتى الضغوط السياسية والمالية والاقتصادية العنيفة عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، الذي يعتبر خطا أكثر من أحمر. أما روسيا فلقد وجدت منفذا لتفادي ضربة عسكرية ضد النظام السوري الذي قد يفقد توازنه وينهار وبالتالي القضاء على النفوذ الروسي في المنطقة. التطورات الأخيرة وعلى الرغم من أنها أجبرت الأسد على تقديم تنازلات في ما يخص الأسلحة الكيماوية، إلا أنها أعادت الروح إلى النظام السوري للخروج من العزلة الدولية النسبية، واسترجاع مشروعيته التي اهتزت خلال الأشهر الماضية. فالسماح للأمم المتحدة بالإشراف على عملية جمع الأسلحة الكيماوية السورية، والتوقيع على اتفاقية دولية تحظر إنتاج أو استخدام هذه الأسلحة، كلها عوامل تساهم في إعادة الروح لنظام الأسد على المستوى الدولي باكتساب مشروعية كاملة أمام الأسرة الدولية. وتبقى مسألة التفريط في الأسلحة الكيماوية السورية ضربة موجعة لمحور الممانعة في المنطقة، فالسلاح الكيماوي هو سلاح الفقراء، باعتباره يضاهي السلاح النووي من حيث قدرته على إحداث توازن في موازين القوى، خاصة مع إسرائيل التي تعتبر القوة النووية الوحيدة في المنطقة. ولكن يبقى السؤال مطروحا حول جدية النظام السوري في الالتزام الحقيقي بوضع كامل ترسانته الكيماوية أمام المراقبة الدولية، فالنظام السوري بارع في المراوغة ومدعوم من أذرعته المتمثلة في حزب الله وإيران. فليس من السهل التفريط في هذا الكيماوي الذي يمثل مضاهاة للنووي الإسرائيلي. هذه الصفقة بين روسيا والولايات المتحدة والمتمثلة في احتواء الأسلحة الكيماوية السورية، لا تعني أن القضية السورية في طريقها إلى الحل، فالمسألة ما زالت معقدة، بسبب الانفلاتات العسكرية التي تسبب فيها المحور الإخواني الوهابي المدعوم تركيا وخليجيا وأطلسيا وأمريكيا. فالفاعليات المذهبية الطائفية مازالت رائدة وستبقى رائدة على مسرح الأحداث على المستوى المتوسط والبعيد، ولن يقدر أحد على إخمادها بسهولة. كما بينت لنا هذه الصفقة أن شعارات حقوق الإنسان والسلام والديمقراطية التي تسوقها الولايات المتحدة ليست إلا ذريعة لخدمة مصالحها وضمان أمن إسرائيل، فما دام الدم الذي يسيل سورية، ومادام الخراب يصيب سورية، وما دام أمن إسرائيل مضمونا، فلا مانع من أن تتواصل الأزمة حتى تُدمّر سورية شعبا ودولة وحضارة وتاريخا .