الأهل الكرام
نحيطكم علماً أن اليوم الإثنين دوام عادي.. رحم الله الشهيدة جنى زكارنة، وأسكنها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسُن أولئك رفيقاً، وربط على قلوب والديها».
هذا ما نشر على صفحة مدرسة البنات الأساسية في جنين في الفيسبوك، المدرسة التي تحمل اسم الشهيدة منتهى حوراني.
منتهى عوض حوراني، طالبة ثانوية دهستها دبابة احتلال، قد تكون فخر الصّناعة الأمريكية أو البريطانية، أعدت لمواجهة قذائف وصواريخ أعتى الجيوش المسلحة، ولكنها في جنين أخذت على مسؤوليتها مهمة قمع متظاهرين كان أقصى ما يملكونه حجراً أو زجاجة وإطاراً مشتعلاً، دهستها دبابة الغزاة في 11 نوفمبر- تشرين الثاني من العام 1974 وذلك أثناء عودتها من الدوام المدرسي، كانت تحلم بمستقبلها، تضرّج مريولها الأخضر المقلّم بالأبيض، بالأحمر القاني، وتوقفت حياتها هناك وانطفأ حلمها وتركت وراءها أسرة مكلومة، احتفظت بملابسها في الدولاب، لتطل عليها وتتذكرها.
أذكر قصيدة الشاعر سميح القاسم في رثاء منتهى حوراني، ولوحة الفنان سليمان منصور للطالبة الشهيدة بالمريول المدرسي، التي عُلّقت في معظم بيوت فلسطين.
«قاب قوسين لا، قاب قوس وأدنى
حبقٌ لحمُنا المستباح وليلكٌ
وجنازير دبابة الفاتحين
صدأ في ركام الزمان الهجين
يا حبيبي، وقبلي وقبلك
نوَّر الدَّمُ في مسكب الياسمين
يا حبيبي وعدنا!»
ويختم الشاعر قصيدته
«أنت لن تذهبي
ستكونين مدرسة في جنين
ويكون اسمها: منتهى».
كانت منتهى يومها في مثل سنّ جنى اليوم، ولو بقيت منتهى من أهل الحياة، لكانت اليوم جدَّة في الرابعة والستين، ولها عدد كبير من الأحفاد.
الفرق هائل بين تلك السنين وهذه، فقد كانت منتهى الأنثى الأولى الشهيدة بعد سبع سنوات من احتلال عام 1967، بينما جنى هي الأنثى الشهيدة رقم واحد وستين (61) فقط منذ بداية العام الجاري 2022 من بينهن 17 شهيدة من قطاع غزة، انضممن إلى قافلة الشهداء الطويلة جداً، التي لم نعد نرى بدايتها ولا نهايتها.
بعد حوالي خمسة عقود على استشهاد منتهى حوراني، أصبح جنود الاحتلال ومستوطنوه أشدَّ فتكاً وأكثر استعداداً نفسياً وعملياً وتنفيذاً لقتل المدنيين ومن ضمنهم الأطفال، وهذا يأتي في سياق الفكر العنصري الذي يعمل بترصد وسبق إصرار على قتل الفلسطيني، بغض النظر عن سنِّه وجنسه، في كل فرصة، ممكن أن تستغل كغطاء لممارسة القتل.
وما زال هذا الوحش يعامَل كطفل مشاغب مدلّل في كثير من السّاحات الدولية الأساسية، الأمريكية والأوروبية مثلاً، وإذا طلبوا توضيحاً يكفي أن يزعم مسؤول أمني بأنهم سيجرون تحقيقاً، أو أن خطأ ما قد حدث، أو أن مسلحين كانوا في المنطقة، أو أي كلام يخطر في باله، حتى يتنفس العالم الذي صدع رؤوسنا بالحديث عن حقوق الإنسان الصعداء، وكأنّ الوحش الفاشي قدّم تنازلاً هائلاً يشكرُ عليه ويسجّل في ميزان حسناته الديمقراطية، ويستحق جائزة الجيش الذي يحقق مع ذاته في جرائم يستحيل أن يمارسها جنوده، ومن ثمّ فإن التحقيق هو توطئة لمنح القتلة شهادات براءة تشجيعاً على الاستمرار في النهج ذاته.
لم تكن الطفلة جنى عصام زكارنة عائدة من مدرسة، ولم تكن في مظاهرة، كانت قد صعدت إلى سطح منزلها لتنزل عنه قطتها المشاغبة لولو، خشيت أن يقرّر جنديٌ إطلاق النار عليها، لم تفكّر بأنها هي بنفسها قد تكون هدفاً لأربع رصاصات، اثنتان منها للرأس واثنتان للصدر، ربما كانت خائفة، ولكنها لن تترك لولو في الخطر وحيدة على السّطح.
لولو، تعالي انزلي، تعالي هنا.. انزلي! أحسن ما يطخّك الجيش.
جنى كانت تحبُّ قطتها كثيراً، وعلى فكرة، لولو اسم جميل لقطة، تأخذها في حضنها، تطعمها، تسقيها وتمشّط شعرها، وتهتم بأن تكون في مكان دافئ وآمن، مثل كثير من الفتيات اللاتي يتخذن من قططهن أفضل الصديقات، ويشعرن براحة وطمأنينة معهن، تلعب معها، تختبئ وراء الباب أو تخفي وجهها تحت اللحاف، لتفاجئها بصرخة ما أو ابتسامة لتراقب ردة فعلها.
سقطت جنى على السَّطح البارد الرّطب، وانسكب دمها وفاضت روحها، ولم يكن هناك من شعر بما حدث، ووقفت (لولو) وحيدة إلى جانب صديقتها مذهولة وحائرة، تموء محاولة بأن توقظها، لكن أنفاس جنى توقفت، ولولو أدركت بأن صديقتها لم تعد قادرة على الاستجابة، لولو عرفت أن مكروهاً حدث لجنى، حزنت لولو، وصار مواؤها بكاءً، وربما شعرت بوخز ضمير، وحمّلت نفسها مسؤولية ما حدث لصديقتها.
بحسب العقيدة الإسلامية، ستشهد أيدي المجرمين وأرجلهم عليهم في يوم القيامة، كذلك سيكون للضحايا كلمة وشهادة، فهل ستشهد يدا الجندي وعيناه على جريمته؟! وهل ستشهد الشهيدة على من حرمها شبابها وسرق منها عمرها!؟ وهل ستشهد لولو على الجريمة وتواجه القناص وتموء بوجهه ناطقة، أنت قاتل، أنت سفّاح ومجرم وحقير، كنت تعرف أن صديقتي طفلة، وكنت متأكداً بأن لا علاقة لها بسلاح ولا مسلحين.
كتبتُ مرّة عن قطة طردتها من بيتي بسبب تصرّف لم يعجبني منها، رغم اعتراض أولادي وابنتي بشكل خاص، ولكن القطّة عادت بعد خمسة أيام بعدما فقدت اثنين من صغارها، وسبَّبت لي تأنيبَ ضمير شديداً، فاعتذرت لها وقرّرت أن أبقيها في بيتي حتى آخر أيامها.
عندما أحكي هذه القصة للأطفال، أرى التأثر والحزن على ملامحهم، ثم فرحتهم بالنهاية السعيدة، أفتح المجال للطلاب للحديث والسؤال، فيمطرونني بتجاربهم الشخصية مع قطط أو كلاب، وحتى عصافير، عاشت أو تعيش معهم، ولكثيرين منهم مغامرته وعلاقته الخاصة مع حيوان، وقصة قد تكون حزينة أو ظريفة أو مثيرة للتأمّل، فالحيوانات الأليفة جزء لا يتجزأ من حياة البشر، وحتى من تاريخهم، ولبعضها أهمية أكثر من غيرها في المواصلات والحروب مثلاً، وفي الأبحاث العلمية، إضافة إلى المتعة والتسلية والخدمات الكثيرة التي لا تحصى التي تقدمها للإنسان.
شعوب كثيرة خلّدت كلباً أو حصاناً أو غيرها من الحيوانات، بتمثال في مكان عام أو بوسيلة أخرى.
تستحق لولو أن تبقى في الذاكرة، إضافة إلى الثكل الذي أصيبت به العائلة والحي والمدينة والمخيم والشّعب، لولو أصبحت يتيمة وحزينة، لتنضم إلى قطط وكلاب وبهائم كثيرة أخذت حصّتها من المعاناة والحزن تحت وطأة جرائم الاحتلال التي لا تحصى ولا تغتفر.
أين شعارات حقوق المرأة ؟
و كأن الصهاينة مغفور ما تقدم من جرمهم و ما تأخر !
تباً للغرب المنافق , أليست فلسطين كأوكرانيا ؟ أليس الإحتلال مشترك على أراضيهما ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
كل دول العالم تعمل لنفسها جيش بعد قيامها عدا الكيان الصهيوني الذي هو عن جيش أقيمت له دولة. جيش يستبيح كل المحرمات : يقتل ويدمر ويعتقل… دون حساب ويدرك أن العالم المنافق يقف خلفه .
رحم الله كل شهداء وشهيدات فلسطين المحتلة.
مقال رائع رغم السخط والوجع فيه !! المجتمع الدولي أصم عندنا يتعلق الأمر بأطفال فلسطين !! أصبح عاديًا أن يقتل الأطفال وتستباح طفولتهم ، هم من صدعونا بانسانيتهم لا تشملنا نحن الشعوب المستضعفة المحتلة !! رحم الله شهدائنا الكبار والصغار منهم أما الاحتلال ومناصريه فإلى مزابل التاريخ …هذا الشعب لن يثنيه موت ولا اغتيال ..أما الشعوب ترى وتشاهد ولا تتخذ أي خطوة فهي شريكة وفاعلة في هذه الجرائم ..
مقاله رائعه كاتبنا ، فحياة الطفل الفلسطيني تتلخص بالدمع والدماء والجراح وآلآلام….. هذا الطفل الذي مازال يعاني من ممارسات الإرهاب الإسرائيلي منذ سنين، عاش خلالها كل صور المعاناة والشقاء لكنه استطاع أن يصبح رقما صعبا في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوني بعد أن فجر بسواعده التي لا تحمل سوى الحجارة أعظم انتفاضة شهدتها البشرية في وجه قوة محتلة خلال القرن العشرين. هذا الطفل الذي عاش وولد في الخيام، ولم يتعود على الشبع، وتذوق مرارة فقد الأحبة والأهل خلال غارات المحتل المتواصلة وشاهد منزله الصغير تهدمه جرافة الاحتلال، وحرمه منع التجوال من الوصول إلى مدرسته وسلبته رصاصات الجنود أعز أصدقائه، هذا الطفل مازال يملك الكثير من طفولته رغم كل هذا الحزن والألم، مازال يحلم بأن يعيش طفولته كسائر أطفال العالم.
هذا ولا يعتبر القتل والفتك والتعذيب الجسدي فقط مناحي المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون في حياتهم اليومية، بل أيضًا العذاب النفسي الناجم عن الروتين المرهق نفسيًا الذي يعيشونه، والذي يعد أحد وسائل التعذيب الذي يتعرضون له يوميًا.( يتبع)
( تكمله ثانيه ) فالدولة المحتلة تقتل وتعذب الأطفال الفلسطينيين وتقدمهم للمحاكم العسكرية وتزج بهم في غياهب السجون الإسرائيلية لسنوات طوال بحجة حماية أمنها وتفصيل استراتيجيات الردع لديها لكبح التطلعات الفلسطينية في العودة والتحرير وهذا مخالف للمادة (37-أ ) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1989 والتي جاء فيها:- “تكفل الدول الأطراف ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشر سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم”.
إذا فمنظومة حقوق الطفل التي تعترف بها المواثيق الدولية، تكاد تكون منتهكة، بشكل كامل من الاحتلال الإسرائيلي، والانتهاكات بحق الأطفال مضاعفة حيث يفتقر الطفل الفلسطيني لأبسط حق، نصت عليه المادة السادسة من الاتفاقية الدولية وهو الحق في الحياة، إذ يتعرض الأطفال الفلسطينيون لعمليات إعدام ميدانية عشوائية، وحياتهم مهددة بالخطر كل لحظة دون حسيب أو رقيب.( يتبع)
( تكمله اخيره ) في نهاية تعقيبي على مقالتك الاكثر من رائعة كاتبنا ألخص بأنه من حق أطفال فلسطين علينا أن نوفر لهم الحماية القانونية تحت الاحتلال، ونضع الآليات اللازمة لتفعيلها، وأن نعمل أيضا على تطوير وتنمية قدرات الطفل الفلسطيني وتأهيله تعليمياً ونفسياً وثقافياً في مواجهة الاحتلال، و توفير بيئة حامية وداعمة لنمو وتطور الطفل في مجالات النمو الخمسة (اللغوية، والحركية، والعقلية، والاجتماعية، والعاطفية).
ولكن من المؤكدأن الأطفال في فلسطين يولدون رجالاً، نعم هم رجال، لا يخافون الموت، هم رجال بعمر الزهور أجسادهم الصغيرة تحمل هماً كبيراً، وبإذن الله سوف تشرق شمس الأمل قريباً عليهم وسوف يعيشون بحفظ وأمان.