الكاتب المصري سعد القرش بعد كتابه ‘الثورة الآن’: بعض المثقفين استغلوا كتابي في تصفية الحسابات!

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ ـ من محمود قرني: قبل حوالى شهرين صدرت الطبعة الثانية من كتاب الروائي سعد القرش ‘الثورة الآن’.
وهو كتاب لا يقل أهمية عن سرده الروائي من الناحية الجمالية، فالمتعة الخالصة تتحقق بمجرد الانطلاق بين ثنيات تفاصيله الأكثر زخما عن منطقة حميمة في نفوس المصريين تمثلها ثمانية عشر يوما تمتد من الثامن والعشرين من يناير حتى الحادي عشر من فبراير 2011 وهي الفترة التي استغرقتها الثورة المصرية حتى سقوط نظام مبارك وعلى المستوى الموضوعي فقد اعتبر البعض الكتاب تصفية حسابات مع بعض رموز النظام السابق، وممن التفوا حول أعطياته، غير أن القرش ينفي أن يكون قد استهدف شيئا من هذا، لأنه يرى أن الأمر على هذا النحو لا يعدو أن يكون نوعا من الترخص الذي لايليق بكاتب يؤرخ للحظة مفصلية في عمر التاريخ المصري الأكثر طزاجة رغم ما آلت إليه الأمور فيما بعد.
كان القرش قد أنهى في السنوات الماضية ثلاثية روائية مهمة في تاريخ السرد المصري هي (أول النهار) (ليل أوزير) و(وشم وحيد)، وكان قد صدر لسعد عدد من الأعمال القصصية والروائية منها (حديث الجنود) و(باب السفينة) ومجموعتان قصصيتان هما (مرافئ للرحيل) و(شجرة الخلد)، وكتاب في أدب الرحلات عنوانه (سبع سماوات). كما حصل قبل عامين على جائزة الطيب صالح في الرواية العربية .
حول كتابه الأخير (الثورة الآن)، وعوالم القرش الروائية والأسماء التي أدانها كتابه واللحظات المفصلية في كتابته، وما آلت إليه الثورة المصرية بعد فوات عامين أو أكثر على قيامها .. حول هذا وغيره يتحدث سعد القرش وهنا نص الحوار :
* يبدو أنك تسببت في حرج بالغ لبعض من حاول الالتصاق بالثورة في كتابك : الثورة الآن ‘الذي ترصد فيه ما حدث منذ الخامس والعشرين من يناير 2011، هل قدمت فعلا للشهادة للتاريخ بعين الراصد المحايد .. وما الجديد الذي تود إضافته هنا؟
* ليس لدي جديد أضيفه إلى ما سجلته في كتابي (الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير)، الكتاب الآن بين يدي القارئ، ومن حقه أن يقول فيه ما يشاء، ولكني لن أتسامح من مع يتهمني بعدم الدقة. الآن لا أميل إلى حذف شيء منه، أو شرح ما أوجزت، لا أعتذر عن ما كتبت، هو شهادة قررت أن أكتبها لأتطهر من أخطاء، وأسمي الأشياء والأشخاص بأسمائها وأسمائهم، وكان أمامي تجربة جريئة لصافي ناز كاظم حين كتبت (يوميات بغداد 1975-1980) شهادة عن صعود صدام حسين وما ينتظر العراق تحت حكمه. قلت لأصدقائي إنني سأكتب من دون أن أبالي بشيء أو أحد، حتى لو اضطررت لطبع مئة أو مئتي نسخة على نفقتي، وتوزيعها على الناس بالمجان، المهم أن يصدر الكتاب الآن، وفي حياة الذين يتناولهم، ثم تأكد لي أن الله يحبني ويحب الكتاب أكثر مما ظننت.
لست قاضيا لأصدر حكما على شخص أو موقف، وقد تركت الحكم للقارئ وللزمن، واكتفيت برصد تفاصيل من ملامح البعض وتقريبها إلى أبصارهم ـ وهي عليلة فيما يبدو ـ ليروا أنفسهم أو ما غاب من تلك الملامح. أغمضت عيني وكتبت بتجرد تام، أو شبه تام، غير عابئ بإمكان نشر الكتاب هنا وهناك، كنت شاهدا أقسم ألا يكذب، ونطق بالشهادة وقرر ألا يكتمها، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.
لم يسبق أن علقت على رأي كتبه ناقد في رواية لي، إذ تنتهي علاقتي بما أكتب حين تصير السطور كتابا من حق أي أحد أن يقول فيه ما يشاء، إلا أنني فوجئت بعد صدور كتاب (الثورة الآن) بما يمكن أن تفسره نظرية الإسقاط في علم النفس، إذ يسقط إنسان ما أفكاره على كتابي، ويستنطقه أحيانا بما ليس فيه، حتى إن أحدهم كتب أن ‘كتاب الثورة الآن يفضح المثقفين المتحولين الذين نافقوا مبارك ثم نافقوا العسكر’، وهذا عبث، إذ توقف الكتاب عند 11 فبراير 2011 بمجرد خلع مبارك، قبل أن يحكمنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهكذا لم يتطرق الكتاب إلى حكم العسكر على الإطلاق .
* وهل فعلا قصدت ان يكون الكتاب كشفا متعمدا لعورات من ادعوا الثورة ؟
* اكتفى البعض باستخدام الكتاب منصة لإطلاق السهام على من يريد تصفية الحسابات معهم، كأن الكتاب فقط ساحة لسباب المثقفين. لست شتاما ولا سبابا ولا لعانا، وأرفض التطاول أو الهجوم على مريض أو سجين أو ميت أو قليل الحيلة، أو ضعيف القوة أو هين على الناس، ولا أدل على ذلك بأنه حتى الذين قابلوا مبارك، ثم خرجوا من عنده وصمتوا لم أذكرهم بكلمة، فليست مقابلة رئيس الجهورية جريمة، ولكن العيب أن تتزلف إليه وتتملقه في مقالات وأنت تعلم عنه الكثير، أو يفترض أنك تعلم، أو يجب أن تعلم وتصدق، فالرائد لا يكذب أهله ثم تلاحقه بالنقد والتجريح بعد خلعه، هذه شجاعة بأثر رجعي لا تليق بكاتب يفترض أن يكون أكبر من أن يعلن انتصاره على جثة.
أما كتابي (الثورة الآن) فهو قصيدة في مدح المثقفين النبلاء، فهو مهدى إلى عبد الوهاب المسيري، جمال حمدان، محمود أمين العالم، عبد العظيم أنيس، محمد عفيفي مطر، أحمد مستجير، أحمد نبيل الهلالي، محيي الدين اللباد، محمد السيد سعيد، فاروق عبد القادر، محمد عودة، وغيرهم ممن انتظروا طويلا هذه الولادة الجديدة لمصر. وفي الكتاب تسجيل لمواقف مثقفين نبلاء دعوا إلى الثورة أو بشروا بها، ولم يمسكوا العصا من المنتصف حين كان عليهم الاختيار بين الشعب والدكتاتور.
* أراك تخليت بعض الشيء عن كثافتك اللغوية المعهودة في أعمالك الروائية والقصصية .. ماذا يعني ذلك بالنسبة لك ؟
* كان يعنيني أن تكون الكتابة لائقة بالثورة، وتقترب من إبداعها وعفويتها، كتابة ‘في’ الثورة لا ‘عن’ الثورة التي تابعها العالم، ويعرف عنها تفاصيل كثيرة، ولكن الكاميرات لم تقترب من ملامح الناس في الميدان، وكيف اقتسموا الحلم والخوف والليل والسيجارة والرغيف وكوب الشاي والضحكة، وكيف يأمن شاب على زوجته أو حبيبته في الزحام، لأنها بين إخوته الذين لا يعرف أسماءهم.
كتبت يوميات الثورة حتى مساء الأربعاء 16 فبراير 2011، فجر الخميس 17 فبراير حين غادرت القاهرة إلى الخرطوم، متسللا وأنا أخجل أن أقول لأحد إنني فزت بجائزة الطيب صالح عن روايتي (أول النهار)، وإنني أغادر ميدان التحرير 48 ساعة فقط، لم أخبر أحدا بالجائزة، فالفرحة بالثورة أكبر، ولكن الصديقين هشام علوان والبهاء حسين، من دون أن يتفقا، اقترحا علي أن أستبعد أي يوميات بعد 11 فبراير. قدرت أن الكتابة بعد خلع مبارك أصابها فتور واطمئنان ويقين، ولم أتردد في الحذف حتى لا أسيء إلى جلال الثورة التي يجب أن تكون الكتابة عنها أكثر احتراما.
الكتاب يستعيد لحظة نادرة التأم فيها المصريون على هدف واحد، حلم واحد، بأساليب متقاربة، قبل أن ينجح العسكر بالاتفاق والتواطؤ مع الإسلاميين في تقسيم الشعب إلى فسطاطين، في فتنة استفتاء 19 مارس 2011.
* ومع كل الحنق الذي أصاب البعض من كتابك ‘الثورة الآن’ إلا أنه لقي احتفاء واسعا ربما ؟
* الكتاب شهادة، ولا ينتظر الشاهد جزاء ولا شكورا، ولكني فوجئت بمقالات تشيد به، منها وصف كاتب بحجم وقيمة علاء الديب للكتاب بأنه ‘عمل كبير ومحير.. الفصل الأول من تراجيديا مصرية عصرية تكتبها عين نظيفة، وقلم قادر شريف’، وفي المقابل تحفظ البعض أو صمت، لأنني كنت قاسيا على صديق أو ‘عريت’ صديقا، وانتقصت من تاريخه، ولم أكن معنيا بتاريخ أحد، وإنما بتسجيل موقفه من قضية محددة في لحظة محددة.
وبعد صدور الطبعة الثانية فسر لي هذه الأمور، الأستاذ عبد العال الباقوري حين كتب: ‘ولعل مقدمة سعد القرش الطويلة والعميقة والجريئة هي التي جعلت كثيرين يتجنبون الكتابة عن هذا الكتاب البديع. ويبدو أنه توقع هذا…’.
* هل ساعدت الطبعة الشعبية للكتاب على هذا الانتشار والوصول ومن ثم التأثير؟
* تأكد لي أن الله يحبني ويحب الكتاب أكثر مما ظننت’ إذ صدر الكتاب عن هيئة قصور الثقافة بسعر زهيد، ثم صدرت طبعته الثانية عن (الكتب خان) بحماسة من السيدة كرم يوسف. وحظي بإشادة نبلاء بعضهم لم يرد اسمه في الكتاب.
فصل الخطاب في هذا الأمر: انتهيت من الكتاب، ولست مستعدا لشرح ما أوجزت، أو التعليق على ما لا يستحق، ومن يبحث عن الفضائح أو النميمة فعليه أن يلتمسها في كتاب آخر.
* ثمة تأثر في سردياتك وحكاياتك في الكتاب بالتقنية الروائية .. هل ترى ذلك ؟
* يقودني كتاب (الثورة الآن) إلى الرواية، وقد شرعت في كتابته من دون أن أدري أين أصل؟ ولا ماذا أكتب؟ وقلت إنني يجب أن أكتب ما رأيت أو سمعت، أو كنت طرفا فيه أو شاهدا عليه. بدأت تاركا نفسي للقدر، وأنا قدري فيما تقودني إليه الكتابة، وأتبع شخوص أعمالي، حتى لو كانوا أصدقاء، وقد دمعت عيني حين راجعت ما كتبته عن المخرج التونسي مصطفى الحسناوي والفنان صلاح مرعي.
*فزت بعدة جوائز في السنوات الماضية .. ما الذي تعنيه الجوائز بالنسبة لك ؟
* يمكن من خلال منح جوائز أو حجبها أن تختبر مدى صدق أو كذب أو تدليس الجهات المنظمة وضمائر لجان التحكيم، ولكن الجوائز بالنسبة لي فرصة لانتعاش اقتصادي مؤقت، وسداد ديون قديمة، واستعادة بعض الثقة بيقظة ضمائر. وقد سافرت كثيرا، ولم يحدث مرة واحدة أن سافرت على نفقة أي مؤسسة مصرية، والدعوات تأتي من جهات ليست مضطرة لدعوتي أو دعوة غيري، وليست مستفيدة من حضوري، ووسط الزحام فزت عام 2009 بجائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة من المركز العربي للأدب الجغرافي (ارتياد الآفاق) عن كتابي (سبع سماوات.. رحلات في الجزائر والعراق والهند والمغرب وهولندا ومصر)، وفازت روايتي (أول النهار) بالجائزة الأولى في مسابقة الطيب صالح للإبداع الكتابي في دورتها الأولى 2011.
* حدثني عن مفهومك للكتابة حبك للسفر .. وكيف أثر ذلك على كتاباتك في فن أدب الرحلة خاصة أنك حصدت جائزة في هذا المجال ؟
* آخذ الكتابة بجدية، و لم أتردد في حذف فصول من (الثورة الآن)، لأنها تفتقد الحد الأدني اللازم لكي تكون ‘كتابة’، ولست موظفا عند القارئ أو الكتابة لكي ألزم نفسي بشيء، ‘أكتبها وإن ما كتبتهاش أنا حر الطير ما هوس ملزوم بالزقزقة’ كما قال صلاح جاهين. حتى أدب الرحلة أعتبره فائض محبة. لم أضبط نفسي مضطرا لقول ما لا أريد. أستبق الزمن ناظرا إلى الأمام مئة عام، وأضع نفسي مكان قارئ لم يولد بعد، سيكون قاسيا في حكمه، وأتفادى أن يصفني بالكذب حين يقرأ لي شيئا عن بلد لم أحبه بقدر كاف يحملني إلى الكتابة عنه. زرت بلادا جميلة، أو تبدو كذلك، ولم تلتقط نفسي الإشارة، تلك الذبذبة الخاصة بروح المكان. وتأجلت الكتابة، إلى حين أو إلى الأبد. كما تكررت زيارتي لبلاد لم تتجاوز العين إلى قلب يجب أن يفيض بمحبتها أولا، وقد كتبت فصول كتابي (سبع سماوات) بتلقائية عقب كل رحلة. فكرت في إعادة كتابتها تمهيدا لنشرها في كتاب، ثم تراجعت؛ ففي إعادة النظر في الكتابة الطازجة لا تكون الرحلة هي الرحلة، ولا أنا أنا، بل شخصا آخر يكتب عن رحلة الرحلة والذات بعقل منهجي بارد، وبطبعي لا أحب البرود، في البشر أو الكتابة التي أحبها متوهجة حية نابضة بالدماء.
* هل كانت تلك العلاقات الانسانية والجغرافية المعقدة ذات علاقة وثيقة بثلاثيتك الملحمية الروائية التي تكشف عن جانب أليم في حياة هذه الأمة ؟
* تأخذني الكتابة (يوميات، رحلة، قصة، رواية) إلى حيث تريد. بدأت كتابة القصة وآخرون قد سبقوا ونشروا مجموعات قصصية في نهاية الثمانينيات، وكنت معنيا بكتابة متأنية، وقد سألت بهاء طاهر في إحدى زياراته للقاهرة، في تلك الفترة، لماذا هو مقل؟ فقال إن ابن المقفع عاش بكتابين، وكان يؤنسني في تلك الرحلة آمال بالقدرة على التحقق، إذ صدرت مجموعتا إبراهيم فهمي وخيري عبد الجواد (القمر بوبا) و(حكايات الديب رماح)، وكان رفاق تلك المرحلة في نهاية الثمانينيات: عبد الحكيم حيدر وعبد المنعم الباز وصفاء عبد المنعم وسيد عبد الخالق يكتبون قصصا تنشر في صحف ومجلات، وهناك آخرون اختفوا من المشهد.
قلت إن الكتابة تأخذني إلى حيث تشاء، وتجعلني جزءا من المشهد الروائي، ثم أندهش أحيانا مما كتبت، وقد دمعت عيني قبل فترة حين أعدت قراءة مشهد في (أول النهار) لهند التي بلغت الستين ومازالت تحتفظ بفطرتها وسذاجتها وهي تروي لعمتها كيف قضت مشهد الحب مع زوجها الذي لم يلبث أن سقط عاريا من فوق السطح ليموت.
كنت أريد كتابة عمل عن شخص يحمل صفات خارقة، تؤهله ليكون دكتاتورا، ويتمكن من السيطرة على قرية متخيلة لمدة نصف قرن، مع صعود محمد علي، ورأيت أن أكتب فصلا تمهيديا يبدأ من منتصف القرن الثامن عشر، فانتهى بي الأمر، وقد فوجئت برواية (أول النهار) مكتوبة، وأنني غير قادر على مواصلة الكتابة، قبل أن أصل إلى الدكتاتور أو إلى عام 1805 حين حكم محمد على البلاد.
وكتبت عن هذا الدكتاتور في الجزء الثاني (ليل أوزير) التي انتهت بالقرية تحترق بمن وما فيها، ولا ينجو إلا (إدريس) الشاب الذي قال لا. وقد رأيت هذه النهاية الدامية مساء موقعة الجمل حتى فجر الخميس 3 فبراير 2011 في ميدان التحرير، وقال لي صديق ‘هذه هي النهاية التي كتبتها في ليل أوزير’، وفي الجزء الثالث (وشم وحيد) ظل الشاب وحيد يبحث عن عمه (إدريس) طوال الرواية، ثم فقد فيه الأمل .
* هل ثمة خلفية معرفية دفعتك لولوج هذا العالم الملحمي .. لاسيما أن هناك موقفا واضحا من العالم ؟
* كنت مشغولا بالتاريخ الاجتماعي، وهو شبه مجهول، وكنت مشحونا بمقدمة كتاب طارق البشري (المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية) وفيه يسجل أن أي مشروع حضاري لا يكتب له النجاح إذا احتقر إنسان، ومحمد على كان يحتقر المصريين بالفعل ويعتبرهم رعاعا وأجراء باعتباره الملتزم الوحيد الذي يملك الأرض ومن عليها.
* وهل ما زلت ترى الثورة بنفس العين التي رأيتها بها في لحظة انطلاقها ؟
* الثورة يمكن أن يطلق عليها ‘الثورة’ بألف لام التعريف إذا حكمت منذ يومها الأول، حتى هذه أيضا يمكن ألا تصبح ثورة إلا بعد سنوات. ما جرى مثلا صباح 23 يوليو أن الضباط الأحرار حكموا البلاد، وخرج الملك إلى المنفى، ولكن البلاد ظلت في ‘حالة ثورة’، رغم رحيل آخر جندي بريطاني عام 1954، حتى نهاية 1956، وخروج البلاد منتصرة سياسيا من العدوان الثلاثي، هنا تخلصت الثورة من كل القوى المعادية لها.
ما بدأ يوم 25 يناير 2011 لم ينته بعد، وقد أضعنا ثلاث فرص ذهبية.. الأولى حين كنا سذجا، وانسحبنا من الميدان صباح 12 فبراير، وخدعنا الإخوان حين هتفوا ‘الشعب يريد إخلاء الميدان’، ولعلهم يقصدون الميدان في عموم البلاد إلا منهم لا ميدان التحرير، كما ضاعت فرصة إزاحة رئيس فقد شرعيته خلال أحداث القصر الرئاسي (4 / 7 ديسمبر 2012)، أما الفرصة الثالثة فهي اليوم، اليوم وليس غدا، ولعل وزير الدفاع يفعلها، وإن تباطأ فلا استبعد أن يفعلها ضباط أحرار غيورون على الجيش ومستقبل مصر. هذه لحظة فارقة لن تتكرر في تاريخ البلاد، فالشعب غاضب والجيش أكثر غضبا، والرئيس المجرم وجماعته العنصرية يحرصون على شركائهم الإرهابيين. تحرك الجيش ليس انقلابا على الشرعية
لأنها انتهت منذ 12 نوفمبر 2012، وسيكون القرار للشعب بعد نزول الجيش وبدء
المباراة من الأول: مجلس رئاسي مدني ودستور غير طائفي قبل الانتخاب.
بعد حملة ‘تمرد’ التي اصابت الإخوان وأنصارهم بالهوس، تتجدد الآمال بقوة؛ فالثورة فكرة لا تموت، هي في الشارع، عصية على التطويع، قادرة على تصحيح مسارها، وتصويب أخطائها، إيمانا من حملة الراية بأن التاريخ لا يرجع إلى الوراء، والثورات أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية