الازمة بين اسرائيل والولايات المتحدة ليست فقط نتيجة الصفقة التي بدأت تتبلور مع ايران؛ هي وليد مباشر للاستراتيجية السياسية التي بلورتها اسرائيل في السنوات الاخيرة. فقد تطلعت اسرائيل لجعل مسألة النووي الايراني مسألة دولية موضوعة على طاولة القوى العظمى. طالبنا بصدارة دولية، طالبنا بعقوبات دولية، طالبنا ان تأخذ القوى العظمى المسؤولية وتدير معركة ضد ايران حول طاولة المباحثات واذا كان بوسعهم في ميدان المعركة أيضا. أردنا ان يكون العالم المتنور والمسؤول مستعدا لان يستثمر المقدرات وان يضحي بالارواح لتحقيق الهدف. وقد استجاب العالم لمطلبنا وأخذ الصدارة من أيدينا. حتى هنا كان النجاح حليفنا. اعتقدنا أنه سيكون بوسعنا ليس فقط ان نحمل العالم الى الفعل بل وايضا ان نبقي لانفسنا القدرة وسيكون من سيقول: الصلاحية للرقابة على نشاط القوى العظمى، والحكم اذا كانت تفعل ذلك كما ينبغي، وعند الحاجة التدخل في ظل الفعل من أجل اصلاح ما يحتاج الى اصلاح. هنا وهناك نجحنا، ولكن عندما نقترب من السطر الاخير نصطدم بوضع جد مركب، نشأ بناء على رأينا. رئيس الوزراء نتنياهو أعلن على الملأ وأمام العالم بان الصفقة المتبلورة هي خطأ تاريخي. واسرائيل لن تكون ملزمة بها، كما حذر. وهو محق. اسرائيل غير ملتزمة بالصفقة ليس لانها جيدة أو سيئة بل لان اسرائيل قررت مسبقا بانها لن تطالب بمكانها على طاولة المباحثات. لقد أودعت اسرائيل مصيرها في المفاوضات التي تعرفها هي بانها تتعلق بموضوع ‘وجودي’ في ايدي وصي، وافترضت انه سيعمل حسب توجيهاتها. لقد نشأ وضع تدير فيه ايران مفاوضات مع ست قوى عظمى على موضوع مصيري لكل دول الشرق الاوسط بغياب تلك الدول. ولا تدعى اي دولة، ولا تحضر اي دولة ولا تلتزم أي دولة بالنتائج. هذه وصفة لسلسلة مواجهات لا تنتهي بين الولايات المتحدة ودول المنطقة. والان، عندما تتقدم المفاوضات بين ايران وبين القوى العظمى، يسحب الامريكيون معارضتهم لانضمام ايران الرسمي لمجموعة الدول التي يفترض بها أن تبحث وتحسم في مصير سوريا. لاسرائيل حدود مشتركة مع سوريا، ولكنها لن تجلس على طاولة المفاوضات على مستقبل النظام في دمشق، بينما ايران التي ليس لها حدود مشتركة مع سوريا ولكن قواتها تعمل في سوريا علنا ستنضم الى العصبة المحترمة التي استبعدت اسرائيل نفسها عنها. ينبغي الافتراض بانه هنا ايضا تتوقع اسرائيل من الولايات المتحدة أن تحرص عليها، وهنا ايضا ستصاب بخيبة الامل. لاسرائيل وللولايات المتحدة منظومة علاقات مميزة ومحظور علينا التخلي عنها. ولكن ‘لا توجد وجبات مجانية’، وحانت اللحظة التي تطالب فيها اسرائيل بمكانها على الطاولة التي تبحث فيها، بهذا الشكل او ذاك، مواضيع تتعلق بمصيرها. اذا كانت اسرائيل، على حد قول رئيس الوزراء، وحدها هي المسؤولة عن مصيرها، فعليها أن تحقق هذه المسؤولية على الطاولة الدبلوماسية ايضا وليس فقط في ميدان المعركة. يسافر رئيس الوزراء هذا الاسبوع الى موسكو، التي تورد سلاحا على حافة تحطيم التعادل لايران وسوريا. وهو يأمل بان يساعد الرئيس بوتين على تخريب ما يبدو له كركض للرئيس اوباما الى اذرع ايران. وفي نفس الوقت فان اصدقاء اسرائيل في مجلس الشيوخ الامريكي- بمن فيهم اولئك من المعسكر الجمهوري يقفون خلف السناتور السابق، وزير الخارجية جون كيري. وصحيح حتى الان يبدو أن جهود نتنياهو لاثارة مندوبي الجمهور الامريكي ضد الرئيس لم تنجح. فماذا يأمل رئيس الوزراء تحقيقه في موسكو وما هو الثمن الذي يكون مستعدا لان يدفعه لقاء ذلك؟ وماذا ‘بالنسبة للزيارة الطارئة او التوجه العاجل الى الصين؟ فهي التي زودت ايران بمنشأة الفصل في اصفهان، والتي بدونها ما كان بوسع الايرانيين ان يصلوا حتى حافة القدرة التي نريد ان نمنعها. الصين هي موردة هامة لايران في مجال الصواريخ ايضا. فما معنى صمت نتنياهو الصاخب في كل ما يتعلق بهذه الدولة؟ على اسرائيل ان تطالب بمكانها على كل طاولة تبحث بمصير منطقتنا. عليها أن تسعى الى وضع لا يكون فيه لايران بديل غير الجلوس امام اسرائيل على المستوى السياسي. اذا بقيت اسرائيل دوما خارج الغرفة، فانها ستبقى مع بديل واحد فقط لتحقيق اهدافها. فهل هذا ما سعت اليه منذ البداية؟ وهل الى الابد ستسود الحراب؟