اللاذقية… أول مرة

حجم الخط
0

لم يكن يوم الجمعة الخامس من تموز/يوليو يوماً غريباً على مدن سورية، فمدينة اللاذقية كغيرها تنال نصيبها من الانفجارات المدوّية والمتتالية، بينما سُحب الموت والدمار والخراب تحل وترتحل وتنهمر في عموم سورية، واللاذقية بشواطئها وجمالها وتاريخها تقف عاجزة عن فهم حاضرها ومصيرها، فهل أصبحت ربوعها وسهولها هدفاً ومقصداً لفصائل الثورة السورية، كما ادّعى حكّام دمشق، أم أصبحت سماؤها فريسة مشروعة ومباحة لسلاح الطيران الإسرائيلي، أم أن شواطئها الجميلة لا بد ان تتعكّر بغواصات الدولفين الإسرائيلية من دون رقيب أو حسيب.
ضُربت اللاذقية أول مرة لكنها في سورية نظام الأسد مثل كل مرة، ومثل حماة وحمص وحلب التي ضُربت ألف مرة، فإسرائيل تضرب وتصمت، تختار المكان والزمان والهدف، مؤكدة للرئيس السوري، ومن تخندق وراءه في خندق الصمود والممانعة المزعوم، بأن بلاده مكشوفة للخارج بينما هي مشغولة بالداخل، وأن تدمير الأسلحة المخلّة بالتوازن اعتمادا على المنظومات الاستخبارية هي من صميم عقيدة الترسانة الإسرائيلية، أما أمريكا فتُسارع بصحافتها ومسؤوليها لكشف النقاب عن ذلك، وربما بأكثر وأسرع مما تريده وتهضمه إسرائيل، لكن النظام السوري كعادته وبعد فترة مشهودة من الإنكار والتكتّم تتلوها مرحلة من التشكيك والتأرجح، ثم لتطُلّ أدواته السياسية والإعلامية المتأهبة للخطابة والتنظير، تؤكّد وتلوّح بالرد الاستراتيجي السوري، من دون الاكتفاء بالرد التكتيكي المتوقع، فتطوى الصفحة انتظاراً لصفحة أخرى يحدّدها قادة وجنرالات إسرائيل.
ما جرى في اللاذقية وما نُشرت تفاصيله من توجيه سلاح البحرية الإسرائيلية وللمرة الأولى لضربة مدمّرة لمجموعة من صواريخ (ياخنوت) الروسيّة المضادة للسفن، التي تسلّمها النظام السوري مؤخراً، يجعلنا نسأل عن عجز وانكفاء القيادة السورية عن تنفيذ وعودها وتهديداتها المسجّلة والمكرّرة حول عزمها وقدرتها على الرد الساحق الماحق على الاعتداءات الإسرائيلية، أم أن قدرة النظام وتغوّله وصدقه بوعوده لا يكون إلا رداً على مئات وعشرات الآلاف من الأبرياء والمنكوبين، وهل سياسة التعتيم الإعلامي والتستّر على مجريات الأحداث ما زالت تنفع في عالم محصور بوسائل المراقبة والمتابعة والاتصال، تلك التي تسبق وترصد وتواكب الحدث أينما كان.
قد تُفهم ممارسة النظام السوري لسياسة ضبط النفس اتجاه إسرائيل وغيرها من الدول ذات الأجندات السياسية والعملياتية على ارض سورية، فالرئيس السوري يُدرك طائعاً أم مرغماً قدرة إسرائيل وقوتها، وأن ساعة الردّ الموعود من قبله قد تحدّد ساعة انهيار نظامه وتكسّر أعمدة وأركان حكمه من دون رجعة، وضع إيراني محصور مقلّم الأظافر والأذرع، بالإضافة لحزب لبناني يتيم ومشلول، رغم إطلاقه العبارات المتصاعدة والخطب الرنانة بدل الصواريخ ذات الأجندات غير اللبنانية، لكن ما لا يُفهم ولن يُفهم هو التسبب المباشر أو غير المباشر بمقتل مئة ألف سوريٍ قضوا أمام عالمٍ ليس بالأعمى أو الأصم. بلد يبني فيه الطغاة والمرتزقة والمارقون حصونا من الطائفية والتجبّر، وملايين النازحين والمشردين والثكالى يُغرقهم الحزن والفقر والضياع، بينما عيون اللاذقية ترتكز على شواطئها الرملية، تنظر البحر بعين مريضة، وعين أخرى تعشق الخلاص والدفء والسلام، في بلد لا بد وان تعود سماؤه وأرضه وماؤه من اليه جديد.

‘ كاتب اردني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية