بيروت: أغلق متظاهرون الإثنين طرقاً رئيسية ومصارف ومؤسسات رسمية غداة تظاهرات حاشدة في مختلف المناطق اللبنانية في الأسبوع الثالث لتحركهم ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحملونها مسؤولية التدهور الاقتصادي في البلاد.
ويأخذ المتظاهرون على السلطات اليوم تأخرها في بدء استشارات نيابية ملزمة لتشكيل حكومة جديدة يريدونها من الاختصاصيين ومن خارج الطبقة السياسية الحاكمة بعد نحو أسبوع من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري أمام غضب الشارع.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، توجه عشرات الشبان والشابات إلى وسط بيروت وعمدوا إلى إغلاق جسر الرينغ الرئيسي بجلوسهم في منتصف الطريق، فيما أغلق آخرون الطريق الدولي بين بيروت وصيدا (جنوب) بالحجارة والرمال.
وتكرر الأمر في مناطق عدة في شمال وجنوب لبنان قبل أن يعمدوا إلى فتح بعضها جزئياً. وأبقت مدارس عدة ابوابها مغلقة الإثنين، بعد أسبوعين من انقطاع الطلاب عن الدراسة نتيجة حالة “العصيان المدني” في الشارع ضد السلطات.
وفي جسر الرينغ، جلست متظاهرة في منتصف الطريق حاملة هاتفها في يدها غير أبهة بشيء، ووضع متظاهر آخر كرسياً وكأنه يجلس في مقهى، وتربع آخرون على الأرض في مجموعة واحدة حاملين العلم اللبناني.
ولم يسمح المتظاهرون سوى بمرور سيارات الإسعاف، غير آبهين بانتشار القوى الأمنية حولهم، قبل أن يعمدوا بعد الظهر إلى فتح الطريق بشكل جزئي.
وفي صيدا، التي استعاض المتظاهرون عن إقفال الطرقات فيها بإقفال المصارف والمؤسسات العامة، رفع متظاهر لافتة كتب عليها “إذا أنت مع الثورة، زمّر” في دعوة لإطلاق أبواق السيارات.
وأفاد مراسل لفرانس برس أن متظاهرين تجمعوا منذ الصباح أمام أفرع المصارف في صيدا، وشركات الكهرباء والمياه والاتصالات والبلدية، وأجبروها على إغلاق أبوابها.
وتكرر الأمر ذاته في طرابلس في شمال البلاد حيث أجبرت مصارف ومؤسسات عامة على الإغلاق.
ومنذ بدء الحراك الشعبي في لبنان قبل أكثر من أسبوعين، اعتمد المتظاهرون استراتيجية قطع الطرق للضغط على السلطات، لما تسببه من شلل عام يمنع الموظفين من الوصول لعملهم.
وقال المتظاهر ستيفن (34 عاماً) في بيروت، والعاطل عن العمل منذ عامين، “نقطع الطرق كورقة ضغط في يدنا للتسريع في تشكيل الحكومة”.
وانتقد ستيفن بطء القوى السياسية في التحرك، قائلاً “كأننا نعيش نحن على غيمة وهم على أخرى، لم يبدأوا استشارات نيابية حتى الآن وكأن لا أحد يسمعنا”، مضيفاً “لا نثق بهم، ولو كنا نثق بهم لما كنا في الشارع”.
وتُعد التظاهرات ضد الطبقة السياسية، التي بدأت في 17 تشرين الأول/اكتوبر غير مسبوقة في لبنان كونها عمت كافة المناطق اللبنانية من دون أن تستثني منطقة أو طائفة أو زعيماً.
ويطالب المتظاهرون بأن يتم تشكيل حكومة اختصاصيين من خارج الطبقة السياسية الراهنة، ثم إجراء انتخابات نيابية مبكرة وإقرار قوانين لاستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد.
وقال المتظاهر يوسف فاضل في بيروت “نطالب بحكومة تكنوقراط.. نحن بحاجة إلى دم جديد”.
وأتى التحرك الإثنين، غداة تظاهر عشرات الآلاف في يوم أطلق عليه المتظاهرون “أحد الضغط” في مناطق لبنانية عدة من بيروت إلى طرابلس شمالاً وصيدا وصور جنوباً.
وهتف الآلاف في ساحة الشهداء بشعار “ارحل” متوجهين إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، فيما حملت مجموعة كبيرة علماً ضخماً للبنان وراحت تلوّح به على وقع الأغاني والهتافات، وسط دعوات لعصيان مدني وإضراب عام وقطع طرق.
وردد المحتجون “ثورة، ثورة” و”اشهد يا لبنان بكرا عصيان” و”الشعب يريد اسقاط النظام”.
وفي طرابلس شمالاً علق المتظاهرون لافتة كتب عليها “مستمرون لإسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب”.
وأتت تظاهرات الأحد بعد ساعات على تظاهرة دعا إليها “التيار الوطني الحر” الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون قبل انتخابه رئيسا، أمام القصر الرئاسي في بعبدا شرق بيروت.
وخلال لقائه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، قال عون الإثنين “لا بد من الحوار مع المتظاهرين من أجل التوصل الى تفاهم على القضايا المطروحة”.
وأضاف أن “من أولى مهام الحكومة الجديدة متابعة عملية مكافحة الفساد”.
وتحت ضغط الشارع، أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 تشرين الأول/اكتوبر استقالة حكومته التي دخلت في مرحلة تصريف الأعمال ريثما تُشكل حكومة جديدة.
ولا يزال المشهد السياسي ضبابياً إذ أنه منذ الاستقالة، لم يبدأ رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة.
وقدم الحريري استقالته مع استمرار التظاهرات رغم ورقة إصلاحات اقتصادية أعلنها في الأسبوع الأول من التحرك الشعبي وبرغم معارضة عون وحليفه الرئيسي حزب الله الذي حذر من فراغ في السلطة.
وقال عدي (30 عاماً) الذي شارك في قطع الطريق الدولي بيروت – صيدا، “لم يبدأوا استشارات حتى الأن، وكأننا نمزح ونلعب، هناك طريقة خطأ بالتعاطي” مع المتظاهرين.
ويشدد المتظاهرون في لبنان على أن “ثورتهم” لا تهدف فقط إلى إسقاط الحكومة وأنهم مستمرون فيها حتى تحقيق كل مطالبهم بتغيير الطبقة السياسية وإنقاذ الوضع الاقتصادي ووضع حد للفساد.
ويشهد لبنان تدهوراً في الوضع الاقتصادي، تجلى في نسبة نمو شبه معدومة العام الماضي، وتراكم الديون إلى 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، تراجعت قيمة الليرة اللبنانية خلال الصيف أمام الدولار، وإن كان سعر الصرف الرسمي لا يزال ثابتاً على 1507، إلا أنه تخطى اليوم في السوق الموازية 1700 ليرة للدولار.
(أ ف ب)