رتابة الحملة الانتخابية سببها غياب الأحزاب الكبرى عن هذا الاستحقاق وقلة عدد المترشحين نتيجة شروط الترشح التي قطعت الطريق على الكثيرين، ولرفض ترشح من رغبت المحكمة الإدارية في إعادتهم إلى السباق الانتخابي.
تونس ـ «القدس العربي»: رغم كل الجدل القانوني والسياسي الذي أثاره تنقيح القانون الانتخابي في تونس مؤخرا، تفتح اليوم صناديق الاقتراع أمام الناخبين التونسيين لاختيار ساكن قصر قرطاج الجديد، وذلك بعد موجة من التقييمات والآراء حول هذا التنقيح المثير للجدل في الساحة السياسية التونسية، بين معترض عليه، ومؤيد له، ومتحفظ، ولكل أسبابه التي تدفع به إلى اتخاذ هذا الموقف أو ذاك.
ودخل أساتذة القانون والعلوم السياسية على الخط مع إمضاء عريضة تحت عنوان «لا لهدم ما تبقى من دولة القانون» في محاولة أخيرة عشية الانتخابات لمراجعة قانونية لهذا التعديل الذي جاء في وقت صعب ودقيق تمر به البلاد وفي ظل انقسام سياسي كبير.
ومن المواقف اللافتة أيضا كان إعلان الرابطة التونسية لحقوق الإنسان على لسان رئيسها بسام الطريفي أن تنقيح القانون الانتخابي قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية عمل لا يستقيم قانونا ولا من ناحية الأخلاق السياسية، التي لا تقبل تغيير قانون اللعبة أياما قبل الموعد الانتخابي.
القضاء العدلي
ونصّ القانون الذي نشر بالجريدة الرسمية التونسية، على تعديل نظام الطعون الانتخابية بتغيير الاختصاص من القضاء الإداري إلى القضاء العدلي وذلك بتعلة ضمان وحدة القضاء الذي يتعهد بالنظر في النزاعات الانتخابية. كما منع القانون الجديد أي جهة قضائية تونسية غير تلك التي نص عليها، أي محكمتي الاستئناف والتعقيب العدليتين، أن تتعهد أو تواصل التعهد بالنزاعات والطعون والقرارات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2024.
وبالتالي فإنه لو تقدم أحد المترشحين إلى السباق الانتخابي بطعن للمحكمة الإدارية، وتعهدت المحكمة المشار إليها بالنظر في هذا الطعن أو في أي قرار متعلق بانتخابات سنة 2024 فإنها تكون قد خالفت القانون ويكون قضاتها عرضة للتبعات العدلية. ونتيجة لذلك أيضا لا يجب أن تنظر في النزاعات والطعون الانتخابية سوى محكمتي الاستئناف والتعقيب وهما المنتميتان إلى القضاء العدلي وذلك بعيدا عن القضاء الإداري الذي يُتهم من قبل أنصار الموالاة بعدم الحياد وبعزمه وضع البلاد في حالة من الفراغ السياسي بعد الانتخابات.
تحركات احتجاجية
يصر المنتقدون لهذا القانون، وهم منتمون بالأساس إلى المعارضة وإلى منظمات حقوقية وأستاذة قانون دستوري وعلوم سياسية وغيرهم، على أن تنقيح القانون الانتخابي لا يجب أن يتم خلال سنة الانتخابات فما بالك أن يتم الأمر قبيل أيام من موعد الاقتراع وخلال أيام الحملة الانتخابية. وبالتالي فإن ما حصل حسب هؤلاء هو جريمة تمس من مصداقية العملية الانتخابية وتتعارض مع المعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة وتسيء لصورة تونس في الخارج وهي التي كانت مثالا يقتدى به في مجال الديمقراطية والحقوق والحريات.
وخرج المعترضون في وقفات احتجاجية سابقة ويواصلون تحركاتهم السلمية احتجاجا على ما حصل من تنقيح للقانون الانتخابي في ظل غياب المحكمة الدستورية العليا التي بامكانها النظر في مدى ملاءمة القوانين مع دستور البلاد. ويرى بعض هؤلاء أن المجتمع يجب أن يبقى حيويا يقظا يتصدى لكل محاولات الهيمنة التي قد تحصل من هذا الطرف السياسي أو ذاك، لأن صاحب السلطة، من حيث المبدأ بقطع النظر من يكون، ميال للاستبداد بها وهو ما يؤكده التاريخ، وبالتالي يجب التصدي إلى كل انحراف بالسلطة قد يحصل في هذا المجال.
لقد اعتبر عدد من أساتذة القانون والعلوم السياسية ينتمون إلى مختلف كليات الحقوق التونسية، أن مصادقة مجلس نواب الشعب على تنقيح القانون الانتخابي تمس بما أسموه «مبدأ الأمان القانوني» ومن استقرار الوضعيات والثقة في التشريع، كما أنها تمس برأيهم بمبدأ الاستشراف التي تقتضي أنه لا يجوز تغيير قواعد الرهان الانتخابي في السنة الانتخابية وذلك حسب المعايير الدولية. واعتبر الأساتذة أن سحب اختصاصات القضاء الإداري وإسنادها للقاضي العدلي يخرق نظم الازدواجية القضائية وينال من الثقة المشروعة للمتقاضين في العدالة خاصة وأن المجلس الأعلى للقضاء المؤقت رفض تنقيح القانون الانتخابي، لأن ذلك يقوض برأيهم الثقة في القضاء.
وأشار هؤلاء إلى أن مصادقة البرلمان على تنقيح القانون الانتخابي قبل الانتخابات بأسبوع يعتبر مخالفة صريحة للمبادئ التي تقوم عليها دولة القانون. كما اعتبروا أن إسراع رئيس الجمهورية لختم هذا القانون يتناقض ودوره كضامن لعلوية الدستور في غياب المحكمة الدستورية العليا، كما أن انخراطه بكونه مرشحاً للرئاسية في مسار تعديل القانون يمس من نزاهة العملية الانتخابية.
الحفاظ على الجوهر
بالمقابل يرى أنصار الموالاة أنه لم يقع المس بالشروط المتعلقة بالمترشحين ولا بشروط الترشح وبالتالي لم يقع المس بجوهر القانون الانتخابي وتم الاكتفاء بتغيير الجهة القضائية التي تنظر في النزاعات والطعون والقرارات المتعلّقة بالانتخابات. وبالتالي لا يعتقد هؤلاء أن ما قاموا به يتعارض مع المعايير الدولية ولا يمس من مصداقية الانتخابات ولا بشفافيتها أو بنزاهتها وذلك خلافا لما تدعيه المعارضة والمنظمات الحقوقية والمحتجون في شارع الحبيب بورقيبة وفي باردو أمام مقر البرلمان.
كما اعتبر هؤلاء أن المحكمة الإدارية لم تكن محايدة وفيها قضاة على صلة قرابة وعمل مع بعض الملاحقين من أجل قضية التآمر على أمن الدولة وغيرها، وهو ما استوجب سحب اختصاص النظر في الطعون الانتخابية منها. واعتبر هؤلاء أنه كان على قضاة المحكمة الإدارية المعنيين التجريح في أنفسهم وعدم مواصلة النظر في المادة الانتخابية باعتبار عدم توفر الحياد فيهم، وأن مواصلتهم هو خطأ مهني منهم ما كان يجب أن يحصل.
أنشطة انتخابية
وللإشارة فقد قام المرشحون، سواء بصورة مباشرة أو من خلال القائمين على حملاتهم، بمئات الأنشطة الانتخابية أغلبها تخص الرئيس قيس سعيد وزهير المغزاوي، بينما قام المرشح عياشي الزمال من خلال القائمين على حملته بأنشطة قليلة تعد على أصابع اليد وذلك بسبب وجوده وراء القضبان. وشملت هذه الأنشطة المتعلقة بالحملة الانتخابية الرئاسية الندوات الصحافية واللقاءات والتحركات الميدانية سواء بالنسبة للمترشح نفسه أو للساهرين على حملته الانتخابية، وتوزعت التحركات على 27 دائرة انتخابية موزعة على كافة أنحاء البلاد.
ورغم وجود هذه التحركات الانتخابية للمرشحين فإن البلد لم يشهد الحركية المطلوبة في مثل هكذا موعد يتعلق بحملة لانتخاب شاغل المنصب الأرفع في البلاد وصاحب أهم الصلاحيات التنفيذية والذي يحدد السياسة العامة للحكومة والتوجهات العامة للسياسة الخارجية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. فدستور سنة 2021 وخلافا لدستور سنة 2014 ركز في تونس نظاما رئاسيا وأعطى الأهمية لرئيس الجمهورية عوضا عن رئيس الحكومة مثلما كان الحال بمقتضى دستور سنة 2014 الذي أقر نظاما مزدوجا هو أقرب إلى النظام البرلماني.
ويرى البعض أن رتابة الحملة الانتخابية سببها غياب الأحزاب الكبرى التي ليس لديها مرشحين لهذا الاستحقاق وأيضا بسبب قلة عدد المترشحين مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة وذلك نتيجة لكثرة شروط الترشح التي قطعت الطريق على الكثيرين ونتيجة لرفض ترشح من رغبت المحكمة الإدارية في إعادتهم إلى السباق الانتخابي. كما أن تواجد المرشح عياشي الزمال في السجن ساهم في عدم قيامه بحملته الانتخابية على الوجه الأكمل، حيث قضت محكمة تونسية بسجن الزمال 3 سنوات في 4 قضايا ليصل مجموع الأحكام الصادرة بحقه إلى 12 عاماً، فضلاً عن منعه من الاقتراع.