تابعت أغلب النقاشات التي تخاض حاليا في المغرب حول لغة تدريس العلوم. ورغم تضارب الآراء، واختلاف منطلقاتها الفكرية والأهواء التي تطبع بعضها، أعتبره نقاشا مهما شريطة ألا يكون فقط من أجل النقاش. فبدون الخروج بخلاصات عملية بأقل التكاليف، وبدون تحقيق رؤية منسجمة مع التطلعات المغربية ليكون لها موقع في العصر لا تكون لتلك النقاشات فائدة.
في كتابه «هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية» يجيب سكوت مونتغمري، إن الإنكليزية هي تلك اللغة، ولكنه في الوقت نفسه يقدم إشارات لطيفة لا يمكن الانتباه إليها، مفادها أن لغة العلم السائدة اليوم لا يمكنها أن تستمر أبد الآبدين. ويضرب أمثلة من اللغة اليونانية والعربية قديما. وما بداية فرض الصينية نفسها على العالم سوى مؤشر للتحول. إن سيادة حضارة ما على المستوى العالمي يؤدي إلى فرض لغتها، فمن أين استمدت الإنكليزية عالميتها؟ يجيب الكاتب نفسه بكلمة واحدة: «الفضاء الشبكي» هو الذي جعلها أداة التواصل العلمي لأكثر من تسعين في المئة. وبذلك فحجم المعلومات العلمية وأضخم قواعد البيانات الأساسية وأكثرها في أي حقل علمي يتم بواسطتها. ويؤكد من خلال كل هذا أن سيادة الإنكليزية كرسته أحداث غير علمية. نقول هذا لمن يتصور أن العربية للدين والأدب؟ حتى الإنكليزية لغة دين وأدب، فلماذا باتت لغة العلم على الصعيد العالمي؟
إن ما أعطى الإنكليزية مكانتها العالمية تشكل مع قوة أمريكا العسكرية والاقتصادية. أما الحضور العلمي فقد جاء بسبب تلك القوتين، وفي خدمتهما. وما الثورة الرقمية سوى وليدة الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، إذا اتضح لنا هذا نؤكد أن استعمال الإنكليزية وليد شروط قوة أمريكا، وهو يعكس الطموح السياسي والاقتصادي للهيمنة. وما خلا ذلك أحاديث.
لم نتساءل قط من يصنع البرمجيات الناطقة بالعربية؟ ما موقع العربية في برمجيات المؤسسات الرسمية في الدول العربية؟ وما مدى تطور البرمجيات العربية بالقياس إلى اللغات الأخرى؟
حين نقارن وضعية اللغة العربية في المغرب ومعه العالم العربي، نجد الوضع مختلفا. فتراجعها راجع لتراجع مستعمليها، وتخلفها تعبير عن تخلفهم. إن الطبيب والاقتصادي والإداري الذي درس بالفرنسية أو غيرها، ولا يعرف العربية لا يمكن أن يكون مغربيا، كما أن المهتم بالإسلاميات والآداب والإنسانيات والعلوم الاجتماعية، الذي لا يعرف إلا العربية ليس جديرا بأن يكون باحثا مغربيا. إن الباحث في الطبيعيات والإنسانيات، في الدول المتقدمة يعرف لغته جيدا، إلى جانب الإنكليزية، لذلك نرى أن المغربي مطالب بأن يكون ملما بلغته الوطنية الكتابية (العربية) التي يمكن أن يتواصل بها، ليس فقط مع المغاربة لكن مع الناطقين بها في الوطن العربي وغيره. إلى جانب اللغة الأجنبية (الفرنسية) التي درس بها، علاوة على الإنكليزية التي هي لغة عالمية. إن المتعلم المغربي مطالب بأن يلم بهذه اللغات الثلاث شفاهيا وكتابيا، إذا كان عندنا طموح تطوير البحث العلمي حقيقة. وحسب التخصصات يمكن التعرف على اللغات الأوروبية الأخرى. فطالب الفلسفة الذي لا يدرس الألمانية لا يمكن إلا أن يكون ناقصا. والشيء نفسه يمكن قوله عن المتخصص في التاريخ، والآداب في علاقاته بتخصصه، الذي يستدعي معرفة الفارسية أو التركية أو العبرية. كما أن الانفتاح على اللغات الشرقية: الصينية والكورية والهندية، يمكن أن يكون مهما في علاقاتنا بالعالم.
لا أشك في أن الكثيرين سوف لا يختلفون مع هذا التوجه العام، لكنه يحتاج إلى تعميق وتوضيح، فإذا كان مونتغمري يؤكد على أن الإنكليزية صارت لغة عالمية، فبسبب كونها باتت لغة الرقامة. فكيف يمكننا دخول العصر الرقمي بدون اللغة العربية؟ إن معرفة المتخصص في كل ما يتصل بالرقميات، كمصطلح جامع، بالإنكليزية ضرورة. لكن بماذا يفيد مجتمعنا إذا لم يكن يعرف العربية جيدا؟ هذا هو السؤال الجوهري؟
الجواب في رأيي لا يتعدى كونه تقنيا، يفتح حانوتا لإصلاح العتاد، وبيع البرمجيات، أو وسيطا بين مطوري البرمجيات العالمية والوطن الذي ينتمي إليه. لكنه لن يكون أبدا منتجا للمعرفة. يرتبط إنتاج المعرفة بصناعة البرمجيات في كل الحقول المعرفية ومجالات الحياة اليومية.
لم نتساءل قط من يصنع البرمجيات الناطقة بالعربية؟ ما موقع العربية في برمجيات المؤسسات الرسمية في الدول العربية؟ وما مدى تطور البرمجيات العربية بالقياس إلى الفرنسية والإنكليزية وغيرها من اللغات مثل الصينية والروسية والهندية والكورية والتركية؟
من ينتج هذه البرمجيات التي لا نستغني عنها في حياتنا؟ وما هي الدول العربية الأكثر إنتاجا للبرمجيات العربية؟ ولن أتساءل عن الموقع الذي تحتله الدول العربية في براءة اختراع البرمجيات، التي بدأنا نجد الصين وروسيا تحتلان مكانة رئيسية عالميا، في حين بدأت تتراجع أمريكا على هذا المستوى، فهذا سؤال بعيد جدا عن الحلم بله الواقع. وإذا قارنا بين دول المغرب العربي، ذات الفرنسية كلغة ثانية، نجد دول المشرق العربي متطورة جدا في مجال الرقميات بالقياس إلى الدول المغاربية. ويبدو لنا هذا بجلاء في جامعاتنا التي نجد منصاتها متخلفة جدا، ويمكن قول الشيء نفسه عن المواقع الرقمية لكل المؤسسات الرسمية في الوطن العربي. الانفتاح اللغوي ضرورة. وتطويع العربية لتكون رقمية هو المدخل الطبيعي لاحتلال مكانة رئيسية في إنتاجنا للمعرفة العلمية.
٭ كاتب مغربي
المسؤولون لدينا لا تهمهم لغة العلم و لا لغة السيادة الوطنية
–
فكلاهما واضح و جلي ما يهمهم سوى تنفيد املاءات فرنسا
–
رغم تعارضها مع مصالح البلاد و العباد و لنا في فرض الساعة
–
الصيفية طول السنة حجة و دليل على قولنا
–
تحياتي
احسنت استاذ سعيد يقطين، بارك ا لله بك، هذا مقال توعوي وضروري لكل مثقف وأداري الاهتمام به وقراءته بتمعن، وفهم دلالاته ومصطلحاته، لأن الزمن سري الخطو، ونجد أنفسنا متخلفين يوما بعد يوم، والعرب او البلاد العربية ركن هام في معادلات السلم والأمن الاجتماعي والاقتصادي والسيادي
مقال جيد . الحل في الارادة السياسية والضغط الشعبي حتى تأخذ العربية مكانتها الطبيعية وهي جديرة بذلك .