الليبرالية المصرية بين دور الدولة الاقتصادي وأجندة الحقوق والحريات

إذا كان اليسار المصري يقارب الدعوة إلى الحوار الوطني موظفا مدخل الخطر ومقولات الأزمة كما أشرت في الأسبوع الماضي، فإن المدخل الآخر الذي يتبناه الليبراليون المصريون هو مدخل الفرصة الرابط بين الحوار وبين انطلاق مصر إلى آفاق إيجابية جوهرها التنمية المستدامة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
تدور الصياغات الراهنة لليبراليين المصريين، وبعضهم قريب من النخب الحكومية وبعضهم الآخر فاعل في تشكيلات سياسية معارضة، وبعضهم الثالث حاضر في الفضاء العام بكتابات صحافية وإسهامات إعلامية، في فلك البحث عن سبل تعظيم مساحات الحرية السياسية واحترام حقوق الإنسان والحد من سطوة الدولة على المجتمع دون تهديد لتماسك مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية.
كذلك يربط الليبراليون بين معالجة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للحالة المصرية الراهنة وبين استكمال التحول نحو الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق وحتمية تراجع دور الدولة وتخارجها من ملكيتها الواسعة للأصول الاقتصادية والتوجه نحو خصخصتها (وثيقة ملكية الدولة نموذجا). ويعني التراجع الاقتصادي للدولة تغير مسؤولياتها تجاه المواطنين والمجتمع بحيث تقتصر على مد شبكات الأمان والضمان الاجتماعي (ممثلة حاليا في برنامج تكافل وكرامة وبرنامج حياة كريمة)، وسياسات التشغيل في مشروعات البنية التحتية ومشروعات العصرنة والرقمنة ورسمنة الاقتصاد غير الرسمي التي لا تستطيع سوى الدولة القيام بها.
ينتظر الليبراليون المصريون من الدولة أيضا، وفيما خص مسؤولياتها الاجتماعية تجاه المواطنين، التركيز على قضايا نوعية وقطاعية ذات صلة بتحديث البنى المجتمعية مثل تمكين المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وإصلاح النظم التعليمية وخلق مجتمع المعرفة، والإصلاح الديني.

ينتظر الليبراليون المصريون من الدولة أيضا، وفيما خص مسؤولياتها الاجتماعية تجاه المواطنين، التركيز على قضايا نوعية وقطاعية ذات صلة بتحديث البنى المجتمعية

أما كل ما يتجاوز هذه المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية، إن المتعلق بالتخلص من معضلات الفقر والتهميش والبطالة أو تقليل الفجوات الفاصلة بين الفقراء ومحدودي الدخل وبين الأغنياء وميسوري الحال وتسريع معدلات الحراك الاجتماعي حماية لتماسك الطبقة الوسطى، فيرى الليبراليون حتمية تركه لاقتصاد السوق وآليات عمله الكثيرة.
وإذا ما اعتمد الليبراليون المصريون مدخل الفرصة في مقاربتهم للحوار الوطني ودفعوا إلى الواجهة بسردية أمل في الحاضر والمستقبل، حينها سيستطيعون الربط بين الانفتاح السياسي والإصلاح الضامن للحقوق والحريات وبين تراجع الدولة اقتصاديا واجتماعيا لما يعنيه التراجع من استعادة المجتمع من قبضة الدولة المسيطرة وتنشيط لأدوار القطاع الخاص والمجتمع المدني وفئات المواطنين ومبادراتهم الأهلية.
فالدولة الأب التي ينتظر منها كل شيء، ويفترض أن تبسط شباك أمنها المجتمعي الشامل على رعاياها، تلك الدولة هي دولة تجرد هؤلاء، فرادى وجماعات، في ذات اللحظة التي تبسط بها شباكها الشاملة من المبادرة الخاصة ومن الحريات السياسية والمدنية.
سيدفع مدخل الفرصة الليبراليين إلى البحث عن دولة قوية وتنموية تشبه دولة ما بعد الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في بعض دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، ودولة الإنجاز الاقتصادي وشرعية الاستقرار المجتمعي في عديد الدول الآسيوية وبعض دول شرق وغرب إفريقيا خلال العقود الماضية. بعبارة أخرى، سيدفع مدخل الفرصة إلى البحث عن دولة قوية وتنموية تتراجع لكي ينطلق المجتمع سوقا خاصا ومجتمعا مدنيا وحياة سياسية ومواطنين ذوي حقوق وحريات ومبادرات فردية وجماعية.
سيدفعنا مدخل الفرصة إلى البحث في قضايا الحقوق والحريات والمساواة والعدالة التوزيعية وتكافؤ الفرص وشبكات الأمان والضمان الاجتماعي من بوابة البحث عن توازن توافقي بين حتمية إخلاء الدولة لعدد من مساحات الفعل السياسي والقبول بتعددية فاعليها وتراجع دورها الاقتصادي والاجتماعي واستناده إلى النخب التكنوقراطية المستنيرة، وبين تقدم القطاع الخاص والمجتمع المدني والمبادرات الأهلية لشغل الفراغات الناشئة عن تراجع الدولة في ظل شراكة تنموية.

كاتب من مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابوعمر:

    كل الليبيراليون في الكون خدمو شعوبهم الا الليبيراليون العربان.

إشترك في قائمتنا البريدية