ولأن «الليلة عيد» فقد فشلت محاولاتي في النوم خلالها، مع أنه بدا لي أنه لا جديد هناك، ففي الساعة الثانية فجراً بتوقيت «أم القرى» سيتم وقف إطلاق النار، كما هو مقرر، وقد عاد مذيعو «الجزيرة» ومراسلوها من فلسطين للظهور، ومنذ الساعة العاشرة مساء هذه الليلة، وبعد أيام من الاختفاء القسري غير المبرر، وأحياناً تكون الصور الآتية من هناك عادية، ولا تستوجب هذا الاخفاء للمذيعين لكي تتمدد على الشاشة بالطول وبالعرض، ليظل المذيع فترة دوامه لا يراه المشاهد، إلا عند استلامه للعمل من زميله، أو زميلته، أو عند مغادرته للأستوديو، وتسليم المهمة لغيره!
أربع ساعات تمر في شاشة بدون مذيع «مجرد صوت» وفي الأيام الأخيرة، كان يتم تغييب المراسلين أيضاً، وقد اعتقدت في البداية أن هذا بسبب قصف مكتب الجزيرة في غزة، مما أثر على أدوات النقل المباشر، لولا أن المرسلين سواء من غزة أو الأرض المحتلة ظهروا بظهور عندليب الشاشة عثمان آي فرح في الفترة التي بدأت منذ العاشرة مساء، وامتدت إلى ما بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ومنها إلى قيامي بكتابة هذه السطور، بعد نقل صلاة الفجر من المسجد الأقصى، والاحتفالات بالنصر التي سبقته!
إذا كان هذا التغييب هو نوع من تجديد الشاشة، التي لا أعتقد أنها اشتكت لأحد، فها أنا ذا أعلن بصفتي مشاهداً محترفاً أنها سياسة خاطئة، لأنها تتجاهل أمراً مهماً، وهو أن ما يتسم به مذيعو الجزيرة، أنهم جزء من «وجاهة الشاشة» وهم نجوم وليسوا شيئاً لزوم الشيء أو «سد خانة» وقد ارتبطوا بأسمائهم وشخوصهم بوجدان المشاهدين، لا سيما «السابقون.. السابقون» من جيل النشأة والتكوين منهم، أو من هم في حكم هذا الجيل، وإن لم يكونوا من الذين التحقوا بها في المرحلة الأولى، وهو أمر سبقتهم اليه إذاعة القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، حيث ارتبط المستمع في المذيعين بنبرة الصوت، وكان الأمر جلياً مع التلفزيون المصري في مراحله الأولى، ولم يكن هذا الارتباط قاصراً على المذيعين الذين يقدمون برامج ثابتة، وإنما الارتباط وصل بالإضافة إلى هؤلاء إلى مذيعات الربط، اللاتي كن يظهرن لبضع ثوان بين الفقرات!
ولهذا فقد جرى التعامل مع هذا الجيل من مذيعي الجزيرة، على أنهم شخصيات قابلة للتقليد، ولعل فيصل القاسم هو أكثر من حظي بذلك، ولا يزال هناك من يتبارون في تقليده، ويكفي البحث عنهم عبر اليوتيوب لتقضي ليلة ممتعة مع هؤلاء المقلدين الظرفاء. وتوجد حلقة لأحمد منصور مع الفنان محمد صبحي قلد فيها الجميع، فأبدع في تقليد شخصيتين كانتا من أعمدة الجزيرة في هذا الوقت؛ الراحل سامي حداد، والمتقاعد جميل عازر!
وليس أدل على توافر النجومية وتجاوز فكرة المذيع النمطي، من أن كثيرين يقبلون على مشاهدة الفيديوهات التي يصنعها البعض وتخص جانباً من الحياة الخاصة لمذيعي الجزيرة ومذيعاتها، ولو كان فيديو عن مجرد جنسياتهم!
وعندما يتم اهدار هذا الحضور لسبب أو لآخر، ولإفساح المجال للصورة وعلى أساس أن النجومية للحدث، وباعتبار أن صورة المذيع هي أمر ثانوي، فظني أنه خطأ في التقدير!
وهي ملاحظة على أهميتها، إلا أنني أسوقها لأسباب مرتبطة بشخصي الكريم، وللتخلص من حالة الحماس التي تنتابني منذ نصر الله والشهية المفتوحة في فتح قريب، فالكتابة لا تجوز مع الحماس، حتى لا يتحول الكاتب إلى مجرد «هتيف» في مظاهرة، أو مطرب في فرح، ولا أنكر أن «الليلة عيد» وهي الأغنية التي غنتها أكثر من مطربة، لكن تميزت بها ذات ليلة قبل ثلاثين عاماً الفنانة المعتزلة «ياسمين الخيام» في حفل لا أذكر مناسبته الوطنية، لكني أذكر أنني استمعت لها عبر الإذاعة المصرية!
اعتراف بالهزيمة
لقد بدأت رحى الحرب، ووقفت «الجزيرة» على الجبهة بتسعة من مراسليها في فلسطين، وبالقطع فان خلفهم العشرات من الجنود المجهولين، الذين لا يعرفهم المشاهد بحكم طبيعة عملهم، وهي الكتيبة التي جعلت الرأي العام «في الصورة» على مدار الساعة، ومن وليد العمري إلى وائل الدحدوح، ومن شيرين أبو عاقلة إلى نجوان سمري، ومن جيفارا البديري إلى هبة عكيلة، ومن الياس كرامي إلى سمير أبو شمالة وهشام زقوت.
لقد وافق نتنياهو على وقف اطلاق النار من طرف واحد، لأنه لا يريد أن يقدم تنازلات للمقاومة الفلسطينية، لكن هذا اعتراف منه بالهزيمة، ولهذا خرجت المظاهرات العارمة من غزة، والضفة، والقدس، ورام الله، وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة تحتفل بهذا النصر، في ليلة اختفى فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو اختفاء لا تخطئ العين دلالته، فلم يعلن أن المهمة انتهت، وكيف يعلن هذا ولم يحقق شيئاً من أهدافه المعلنة على تواضعها، ومنها كما قال وليد العمري، القضاء على إثنين من قيادة المقاومة، وهما يحيى السنوار، ومحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام!
قبل هذه الحرب كان نتنياهو يتصرف على أنه لا يقدر عليه أحد، ولهذا اندفع في إجراءات عنصرية في «راس العامود» وفي حي «الشيخ جراح» وفي القدس بالاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى، فانطلق الصاروخ الأول للمقاومة، فأصبح هشيماً يابساً تذروه الرياح، وحاول بكل جنون تركيع المقاومة، وتحقيق أي نصر، واندفع يهدم المنازل، ووصل الأمر حد قصف بناية يقع فيها مكتب قناة الجزيرة ومكاتب إعلامية أخرى، بحجة أن الصواريخ تخرج من هذه البنايات التي يقطها مدنيون، ولهذا جعلها أهدافاً له، وجاء الطعن في هذا الادعاء من الصحافة الإسرائيلية؛ فكتب الكاتب الإسرائيلي يوسي جوربتش: هذا كذب؛ لا يمكن اطلاق الصواريخ من داخل مبنى دون أن يتم تدمير هذا المبنى، فاطلاق الصواريخ من أماكن مفتوحة!
لكن نتنياهو كان يريد باستهدافه لأكبر قدر من المدنيين والبنايات أن يُحدث الصدمة والرعب وأن يحقق نصراً خاطفاً، فلم يكن له ما أراد بل إن صواريخ حماس وصلت إلى تل أبيب وعزلت الكيان الإسرائيلي باستهداف المطارات، وهرول الإسرائيليون إلى الملاجئ، وسقطت هيبة القبة الحديدية، ومألات هذا الرد الجسور ستتحدد في قادم الأيام، عندما يحزم كثير من الإسرائيليين حقائبهم ويتركون هذه الأرض إلى غير رجعة!
موضوعية وليد العمري
ربما لا يروق «وليد العمري» للبعض، لأن أداءه يفتقد للعاطفة، لكني أراه مما يُسمع له في هذه الأحداث، لأنه ملم بالملف الماما كاملاً، لذا فانه يقدم الى جانب الأخبار تحليلاً للمشهد، وفي هذه الليلة قارن بين الحروب السابقة في 2008، و20012، و2014، وكيف أن هذه المرة مختلفة عن هذه المرات، لأن فصائل المقاومة في كل مرة كانت تقبل بالضغوط المصرية فتقرر وقف الحرب، ولا شيء من جانب إسرائيل، لكن في هذه المرة، فإن إسرائيل هي من جنحت للسلم!
بطبيعة الحال لم يقل العمري ذلك لأن «جنحت للسلم» صياغة مشايخية، تشبه منشورات افيخاي أدرعي الناطق، هذه الأيام، بشكل يوحي أن «أدمن» صفحته هو الواعظ الإماراتي وسيم يوسف! فوليد قال إنها المرة الأولى التي تعلن إسرائيل فيها وقف إطلاق النار على غير المرات السابقة.
وكان هذا النصر هو السبب في أن تكون «الليلة عيد» وأن يستقبل الفلسطينيون دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بالخروج للشوارع، وترديد تكبيرات العيد، ولم تنقل هذا النصر المبين سوى الجزيرة الأم، والجزيرة مباشر، والتلفزيون العربي، أما الجزيرة الإنكليزية فقد كانت كقناة مصر الإخبارية، ليست هنا، وكأن الموضوعية هي في تجاهل احتفالات كهذه، أو في التعامل معها في الحدود الدنيا، إنها كمن يظلم ليشتهر بالعدل، ومن لا يهتم ليُعرف بالمهنية!
ورغم أن أنصار السيسي على الـ»سوشيال ميديا» كانوا يتعاملون مع وساطته على أنها تجعل منه «صاحب الليلة» إلا أن قنواته كانت في حزن «العربية» و»الحدث» فلم تهتم بهذه الاحتفالات إلا في نشرة الأخبار وكخبر عابر، ولم ينقص هذه القنوات سوى إقامة سرادق على روح الصديق نتنياهو وقد مات سياسياً. بينما كانت الفضائية المصرية تعرض مسرحية «سك على بناتك» والأولى المصرية تعرض مسرحية «الجوكر»!
فالليلة عيد، لكن عندهم كان هناك مأتم في العائلة. ولا عزاء للسيدات!
صحافي من مصر
بسم الله الرحمن الرحيم: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) التوبة
أنا أعتبر بأن قناة الجزيرة الإخبارية, وجريدة القدس العربي, من أعمدة المقاومة الفلسطينية!
فدورهما الإعلامي لا يقل أهمية عن بطولة المقاومة الباسلة بفلسطين!! ولا حول ولا قوة الا بالله
حياك الله سليم بك
مبدع كالعاده
لماذا لا نرضى بالحقيقة الناصعة، تقديم الفيديوهات المباشرة من قناة الجزيرة لإطلاق صواريخ المقاومة ساهم في كشف المواقع التي انطلقت منها وبالتالي أعان العدو على رصدها وتدمير الابراج والمساكن والطرق، بينما لم يقع مثل ذلك في جانب العدو حيث أظهرت الفيديوهات ٱثار الدمار في غزة فحسب.