المؤسسات لإنقاذ ربيع مصر وتونس

حجم الخط
5

(1) اقتدى نظام بينوشيه مصر الجديد بحكومة بوش وإعلامه حين أصبح التلفزيون الرسمي يزين شاشته بشعار دائم (وبلسان إنكليزي مبين) يؤكد أن مصر في حالة حرب على الإرهاب. وهذا فأل غير حسن لأصحاب هذه الدعاية، لأن حرب بوش على الإرهاب انتهت بهزائم منكرة في العراق وأفغانستان. ولكن الأهم هو أن هذه هي كلمة حق أريد بها باطل. فمصر هي اليوم بحق في قبضة نظام إرهابي ينطبق عليه التعريف الدولي للإرهاب، وهو ارتكاب العنف في حق الأبرياء من أجل إرسال رسالة سياسية وإجبار الدولة او المجتمع على ما يخالف إرادتهما الحرة. وهذا هو ما يتعرض له الشعب المصري اليوم، حيث أن الجماعة الإرهابية التي استولت على الدولة تريد أن تبث الرعب في قلوب أفراد الشعب حتى ينزلوا على إرادتها بعد أن أخذت مصر رهينة.

(2)
تونس أيضاً تتعرض للإرهاب، ولكن ليس من الدولة وإنما من فئات مجتمعية، بعد أن شهدت تحالفاً موضوعياً بين قتلة ينتسبون زوراً وبهتاناً إلى سلفنا الصالح، وبين إرهابيين بـ ‘الزي المدني’ ينتسبون (زوراً كذلك) إلى الديمقراطية. هؤلاء يقتلون، وأولئك يحملون النعوش لممارسة الإرهاب في حق الشعب وفرض إرادة الأقلية عليه. وقد كان هذا شأن مصر في عهد مرسي، سوى أن القتلة وحملة النعوش هناك كانوا نفس الجهة. فقد أقسم هؤلاء أن يدمروا مصر حتى لا يحكمها غيرهم. وقد حققوا نجاحاً باهراً في التدمير.

(3)
أذكر أنني كنت قد كتبت على هذه الصفحات، وتحديداً في السادس والعشرين من مارس الماضي، أسجل هذه الحقيقة، وأطلب صراحة من إخوان مصر الخضوع لهذا الابتزاز حفاظاً على مصر، واتباعاً لسنة الأم التي تخلت عن طفلها في حضرة النبي سليمان لخصيمتها حرصاً عليه. فقد كان من الواضح أن المعارضة كانت تريد تمزيق مصر وصوملتها، وهو أمر كان ينبغي تجنبه مهما كان الثمن.

(4)
قلت حينها إن المرحلة لم تكن مرحلة حكم هذا الحزب أو ذاك، بل مرحلة إعادة تأسيس لكيان الدولة، وهي مهمة يجب أن يشارك فيها كل المصريين. ولم تكن تلك مرحلة ‘تحقيق أهداف الثورة’ (أياً تكن هذه الصفة الهلامية)، كما لم تكن من واجبات السلطة عندها إصلاح الاقتصاد ومعالجة مشاكل مصر المزمنة. فنحن في مرحلة انتقالية الأولوية فيها لسن دستور توافقي، وإرساء أسس الديمقراطية، وتهيئة الجو للانتخابات. وليس هناك كبير اختلاف على هذه المسائل بين الإخوان وخصومهم.

(5)
‘نفس الأمر ينطبق على تونس، ولكن بدرجة أقل. فليست مهمة الحكومة الانتقالية هنا هي تحسين الوضع الأمني أو إصلاح الاقتصاد، وإنما وضع أسس سليمة لنظام ديمقراطي سليم. هذا يعني إعطاء الشعب حق اختيار حكامه وخلعهم، ووضع ضوابط تمنع الدولة، أياً كان من يديرها، من العودة إلى ممارسات العهود السابقة المظلمة، أو ما هو أسوأ كما نشهد في مصر اليوم.

(6)
لقد كان خطأ مرسي الأكبر أنه اعتقد أنه كان يحكم مصر، في حين أنه لم يكن، كما أكدت من قبل، سوى رئيس جمعية طوعية مقرها القصر الجمهوري. أما الدولة، ابتداءً من الجيش والشرطة والأجهزة والأمنية، ومروراً بالقضاء والنيابة العامة والبيروقراطية، وانتهاء بالإعلام والاقتصاد، فقد كانت في يد غيره. وقد يكون ما يسمى الحكومة التونسية حالياً أحسن حالاً، ولكن ليس بكثير. وعليه فقد كان واجب مرسي أن يستغل ما لديه من سلطات تشريعية لتعزيز حقوق المواطن تجاه مؤسسات الدولة، وتقييد سلطات الدولة في التغول على حريات المواطنين. وهذا هو بالضبط ما يجب أن تنصرف إليه جهود حكام تونس اليوم.

(7)
في مصر كما في تونس، يجب أن يكون التركيز على قواعد الحكم لا على هوية من يحكم. فليس المهم أن يعود مرسي أو أن يبقي العريض، وإنما المهم هو تفكيك بنية الدولة الإرهابية. فلو عاد مرسي اليوم إلى السلطة فإنه لن يكون أقدر على مواجهة الإرهاب المزدوج من قبل المؤسسات الإجرامية من داخل الدولة وخارجها، خاصة بعد أن تحالف الطرفان. وعليه فإن من الواجب على ‘حملة دعم الشرعية’ في مصر أن تحول إسمها إلى ‘حملة تعزيز الديمقراطية’، وأن تقود حملة لهذا الغرض تدعمها قطاعات عريضة من الشعب المصري كما حدث في الخامس والعشرين من يناير.

(8)
في مصر كما في تونس، قامت الثورة من أجل إنهاء الطغيان وتعزيز كرامة الوطن والمواطن. وقد تحقق هذا الغرض إلى حد كبير في تونس، حيث لا يشتكي أحد من قمع. والواجب هو الحفاظ على هذه المكاسب وعدم القبول بأي وضع يهدف إلى العودة إلى الوراء. وإذا احتاج الأمر إلى الذهاب إلى انتخابات جديدة فليس هناك ما يمنع ذلك، ولكن لا يجب أبداً السماح بسلطة لا تستمد شرعيتها من الشعب ولا تلتزم قواعد الديمقراطية. أما في مصر، فهناك ضروة لنضال شرس من أجل تفكيك الدولة الإرهابية واستعادة وتعزيز المكاسب الديمقراطية. وليكن الشعار ليس عودة مرسي أو ‘الشرعية’، وإنما تأسيس الشرعية من جديد على قاعدة حكم القانون، والإصلاح الشامل لجهاز الدولة من قضاء وشرطة وأمن وبيروقراطية وجيش، مع حظر تدخل الجيش في السياسة تحت أي ذريعة.
(9)

أعداء الديمقراطية في العالم العربي لا يريدون حريات ولا حقوق إنسان ولا انتخابات حرة كما يزعمون. وعليه فإن مواجهتهم يجب أن تكون بتحديهم عبر تقنين الحريات والدعوة إلى انتخابات. فليتحد أنصار الديمقراطية حول قواعد دستورية تعزز الحريات، وليقال لمن يعارض ذلك: هيا نحتكم إلى الشعب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hadib:

    عتقد ان الصواب لم يحالفك عندما انتقدت اطروحة الكاتب الامريكي من اصل هندي: فريد زكريا The Rise of Illiberal Democracy، التي شدد فيها علي اهمية الاقتصاد وقدمه في الاهمية علي الديمقراطية. الثورة المصرية ليست من اجل الحرية او الديمقراطية، وانما هي ثورة اقتصادية ينطبق عليها الأثر القائل: (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه). راجع مقال فورن افيز بعنوان Who Will Save Egypt? Cairo’s Economic Disaster and Those Fighting to Fix It. اعط العسكر فترة ثمانية اشهر الي عام وسوف تراهم يكتون بالجمرة التي امسكوا بها. ما عجل بيوم الحساب في مصر هو محاولة البنك المركزي الامريكي انعاش الاقتصاد بطبع للدولارات، مما ادي الي رفع اسعار الخبز وغيره من ابسط مقومات قوت الشعب المصري. واظهر سوءات المؤسسة العسكرية الاقتصادية لجنرالات مبارك ورأسمالية المحاسيب crony capitalism التي يديرونها.

    وبالمناسبة تلفزيون العسكر لا يستخدم لسان انجليزي مبين وانما اشتر: ففي الخلفية يعرضون شعار Egypt Fighting Terrorism، والصحيح هو Egypt Fights Terrorism او Egyptian war on terror كما يقول الامريكان.

    أخيرا: اسمح لي ان اختلف مع نصيحتك لاشقائنا التونسيين، فمن حسن حظهم ان عدد جنود جيشهم حوالي الخمسين الف مما يعني انهم لا يعانون من سيطرة الجيش علي الاقتصاد كما هو الحال في مصر والسودان.

  2. يقول عبدربه خطاب:

    ليت كل الثوار العرب يسلكون هذا المسار فورا ” ‘حملة تعزيز الديمقراطية’، ” وليس حملة عودة الشرعية رغم ان المقصود منها فعلا عودة النظام الديمقراطي لتحقيق اهداف ثورات الربيع العربية. كل الدلائل تشير الى امكانية تكاتف كل القوى المناهضة للأستبداد . ولعل استمرار سلمية المظاهرات الحاشدة – رغم اساليب الطغمة الحاكمة الوحشية- هو السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر .

  3. يقول laid:

    انا مع الاخ عبد الوهاب التاسيس لدولة المؤسسات الحقيقية و القانين الحقيقية التي ترعى الحريات و منها سياتي الخبز و النماء ثم اننا نحن نريد الكرامة نحن عرب لا نعيش مع الضيم و الاستبداد

  4. يقول AKODAD:

    يظهر جلياً أن هدف مافيا الدولة العميقة إفشال الربيع العربي: لا للحوار لا للإنتخابات نعم للفوضى. لقد حققوا بعض أهدافهم في مصر بتحرير زعيمهم من قبضة العدالة ومصادرة حقوق المصريين وترهيبهم بالقتل والسجون.الإخوة في النهضة تخلوا عن جميع حقوقهم حفاظاً على سلامة تونس لكن هؤلاء الخونة بغيضهم ليسوا مرتاحين رغم كل التنازلات وأظنهم لن يرتاحوا إلا حينما يجدون من يعينهم على زج قادة النهضة في السجون فلعنةالله على الخائنين.

  5. يقول نسركوش:

    دولة المؤسسات ليس لها ادنى علاقة بفكر الاخوان المسلمين القائم على البشر وقدراتهم الخارقة(المرشد)
    اعداء الديموقراطية والانسانية نفسها هم الاخوان المسلمين والديموقراطية وعي وسلوك وندعوك لقصة من الاثر وهم يستشهدون حتى بالقران لتمرير افكارهم الملتوية.. يقال ان النبي سليمان العظيم جاءته امراتان تتنازعان في طفل فامر سليمان بشق الطفل الى نصفين بينهما..التي ليست ام الطفل قبلت بهذا الحل المدمر والمخزي وام الطفل قالت دعه لها انه ليس ابني وهذا هو الفرق بين الحكم الحالي في مصر(ام الطفل) والام المزيفة(الاخوان المسلمين)..الاخوان المسلمين فاجرين وارادو احراق مصر عندما خرجت الملايين ترفضهم وهذا ما لم يفعله حسني مبارك لحرصه على مصر ولا علي عبدالله صالح لحرصه على اليمن..والاخوان المسلمين تنظيم وليس حزب لذلك ليس لهم ادنى علاقة بالديموقراطية بالمعايير الغربية وانهم يعيشون في دولة افتراضية تسمى(وهمستان الاسلامية) والازمة التي يعاني منها الاخوان المسلمين ليست سياسية بل فكرية والعنف جزء اصيل من فكرهم وشعارهم سيفين لعجزهم عن مواجهة الحجة بالحجة والديموقراطية الحاكمية للشعب وفي الشريعة الحاكمية لله
    الديموقراطية قاعدتها احزاب حقيقية والشمولية قاعدتها تنظيمات
    الديموقراطية قائمة على المواطنة والشريعة قائمة علي الوصاية الحاكم على المحكوم المسلم على الذمي والرجل على المراة وليس هناك ادنى علااقة بين الدولة المدنية والشريعة والاخوان المسلمين

إشترك في قائمتنا البريدية