المؤسسة العسكرية المصرية ومشكلات سيناء

حجم الخط
0

السلطة العسكرية في مصر لم تستوعب دروس الماضي. فهي تنتهج سياسة ‘كسر العظم’ من دون وجود أي أفق للحوار، أو جمع الأطراف على كلمة سواء. وهذا الخطأ يتضح بشكل صارخ في سيناء، حيث يُدفع الجيش المصري بتعزيزات عسكرية إلى هذه المنطقة الحساسة، في ظل غياب تام للحلول السياسية. ومن الواضح أن الجيش المصري يرمي من وراء هذه العملية الأمنية إظهار قبضته الحديدية، في رسالة واضحة إلى الأطراف الداخلية، بأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على فرض الأمن، وإحلال السلام، وإدارة البلاد من الألف إلى الياء. وهذه رسالة بالغة الخطورة لأنها تنسف النظام السياسي المصري برمته، وتجعل الأطراف السياسية متفرجين، لا أكثر ولا أقل. مما يؤدي إلى عسكرة السياسة بالكامل، وتولي الجنرالات إدارة البلاد، ورسم حاضرها ومستقبلها. وهنا تكمن مشكلة مصر الحقيقية، وتظهر حالة الانفصام في شخصية صانع القرار.
فالمؤسسة العسكرية التي تَحكم مصر هي بُنية تراتبية ذات طبقات متماسكة تخضع للأوامر واللوائح بشكل صارم، وكل طبقة تتلقى الأوامر من الطبقة التي تعلوها، من دون نقاش. وهذا النظام الصارم معتمد لدى جميع المؤسسات العسكرية في العالَم، إذ إن أساس العمل العسكري انه لا يعترف بالحـــــوار أو المناقشة أو الاستدراك على أوامر القادة، بل يجب السمعُ والطاعة وتلقي الأوامر وتنفيذها من دون تأخير، وكل معارضة تُعتبر خيانة، وكل رأي آخر يُعتبر محاولة انشقاق. وهذه الفلسفة العسكرية تتعارض، جُملة وتفصيلاً، مع العمل السياسي. فالسياسةُ تعتمد على الأخذ والعطاء وتنازل الأطراف للوصول إلى حلول وسط، والجلوس حول طاولة المفاوضات، وانتهاج مبدأ الحوار، والاستماع للرأي والرأي الآخر، ووجود سلطة ومعارضة، من دون اللجوء إلى التخوين أو الطعن في وطنية الموالين أو المعارضين.
والخطأ الكارثي أن المؤسسة العسكرية المصرية تريد لعب الدورين معاً، وهذا مستحيل نظرياً وواقعياً، لأن الضِّدين لا يجتمعان، فالجيشُ المصري المسؤول عن حماية البلاد من أي عدوان خارجي، اقتحم عالَم السياسة على غير بصيرة، فأعلن خارطة الطريق، ونصَّب رئيساً مؤقتاً وحكومةً، ونشر الدبابات والجنود في الشوارع. وهذه الانتقال من الخارج إلى الداخل، ومن الثكنات إلى الطرقات، سيلغي دور الجيش الوطني، ويسحبه إلى حرب استنزاف داخلية طويلة الأمد، تكلِّفه الكثير من الأرواح والوقت والجهد والمال. ولا يخفى أن مصر في أمس الحاجة للموارد من أجل الوقوف على قدميها.
والمؤسف أننا نسمع عن إجراءات عسكرية في سيناء، من دون وجود أية مبادرات سياسية. وهنا يختفي صوتُ العقل تماماً، ويعلو صوتُ الرصاص. والواجبُ أن تتولى الحكومةُ المصرية موضوع سيناء، وتطرح مبادرة سياسية تعتمد على الحوار مع شيوخ القبائل، والوقوف على حاجات أبناء المنطقة الذين تم تهميشهم لمدة طويلة، وتنفيذ مشروعات تنموية عاجلة لاجتثاث التطرف من جذوره.
ولا يمكن القضاء على الفكر المتطرف بالبنادق والطائرات، بل يتم القضاء عليه بإزالة أسبابه (الفقر/ الجهل/ المرض). فالفكرُ لا يُجابَه إلا بالفكر. والتطرفُ فكرٌ منحرف لن يُهزَم إلا أمام فكر التنمية الحقيقية لا الشعاراتية. أمَّا معالجة أعراض المرض ونسيان أصل المرض، فهو مضيعة للوقت، وتبذير للموارد الوطنية.
وينبغي الانتباه إلى أن سيناء ذات بُنية عشائرية، ولا بد من احترام هذه البنية الاجتماعية، وإشراكها في منظومة المواطنة. ولا ننسى أن سكان سيناء هم مواطنون مصريون، ولم يتم استيرادهم من الخارج، ولم يأتوا من كوكب آخر. وبالتالي فإن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية حمايتهم، وتوفير الحياة الكريمة لهم، ودمجهم بشكل كامل في النسيج الشعبي، وعدم تصنيفهم مواطنين درجة ثانية.
أمَّا اعتماد الحل الأمني فلا فائدة منه، وهو، في واقع الأمر، مشكلة وليس حلاً، لأنه يُدمِّر الاقتصاد بالكامل، فرؤوس الأموال تهرب من أماكن النزاعات، والمناطق غير المستقرة. كما أنه يقضي على السياحة التي تُعتبر من أبرز الموارد المالية لمصر، وهو تشويه لصورة مصر في الداخل والخارج. ففي الداخل، ينظر الكثيرون إلى أن الجيش يقتل أبناء جِلدته. وفي الخارج، يتم تصوير مصر دولة فاشلة غير مستقرة. فعلى قادة مصر أن يتعلموا من أخطاء الآخرين، وألا يحاولوا إعادة اختراع العجلة.

‘ كاتب من الأردن

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية